فى بعض اللحظات تتجلى قيمة الأوطان, كحواضن للماضي والحاضر ومستودع ذكريات وكرامة وكيان, نعيد التفكير الف مرة في تلك اللحظات في الوطن كنعمة وعشق وحب وإرادة ربانية وامتداد وجداني يضمنا وأهالينا وأحبابنا, يتسرب الخوف إلى نفوسنا إن فقدنا لا قدر الله هذا الوطن وهذا الوهج المسافر في نسيجنا والراحل في مساماتنا , نخاف أن ينطفئ نور الفكرة وتخطفها انانيتنا وحبنا لذواتنا... نلوم بالطبع في تلك اللحظات شكل اصطراعنا الذي لا شك يؤذي الوطن إن عاجلا ام اجلا , تعاطينا الذي يبدو في أحيان كثيرة أننا نراعي فيه كسبنا الشخصي ولدواعي التجميل تلبسه وبقدرة قادر ثوب الوطن وحبه والغيرة عليه ونجزم بأغلظ الإيمان أننا حماته وعشاقه وحدنا ونلغي الآخرين ونبخس مشاعرهم وهنا بالضبط تضيق الأفق وننتصر لأنفسنا . كل مشاعر الخوف هذه اعتملت في قلوب المصلين بمسجد الحجر بالكلاكلة القطعية وإغرورقت عيونهم بالدموع لما وقف ذلك الطفل السوري الذي لا يتعدى عمره العشر سنوات طالباً يد العون والمساعدة له ولأسرته بقي هذا الطفل خارج إطار وطنه ولدغت كرامته وكيانه واغتيلت طفولته البريئة في المنافى والملاجئ يتسول لقمة العيش , أخد على حين غرة من حضن أمه وحضن وطنه الكبير , تبعثرت كرامته بهذا الهوان وهذا الفقر المدقع الذي لا محال يحني الرؤوس ويدمي القلوب , ما أقسى المأساة عندما تكون فوق الطاقة والاحتمال , عندما تتباعد الخطى عن الوطن ويكون مجرد الهوية مثيرا للشفقة والاندهاش في عيون الناس , قساوة المأساة عندما تتداعى دون رحمة وشفقة ويدفع ثمنها الأبرياء والأرامل دون ذنب ارتكبوه , وما في الأمصار فئة تعشق الأوطان مثل فئة الفقراء والمساكين فهم ملح الارض ووقود النار التي يشعلها الأثرياء وأصحاب المصالح الخاصة والذين يغادرون الوطن عندما يحمي الوطيس في أول طائرة عابرة للحدود الى قصورهم وسراياتهم التي بنوها بعرق الغلابة والمعدمين , ولا يبقى لمثل هذا الطفل السوري المشرد إلا أن يتعقب في عمره الغض وتجربته البائسة والفقيرة في السودان وغيره بقايا نخوة عربية وآصرة دم ولغة وعقيدة يقدم بهما نفسه في منابر المساجد ( ولمة الاسواق ) . الوطن أيها الأحبة ليس مجرد حيز جغرافي يحشد فيه الناس بل هو قيمة تتمد في الوجدان وتأخذ سبيلها لمكمن الإيمان ( والله إنك لأحبُّ بلاد الله إلى نفسي ولو لم يخرجني أهلك منها لما خرجتُ ) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وقد هاجر من مكة. وحب الاوطان من نفسك يا حبيبى يا رسول الله صلى الله عليك وسلم فمنك تعلمنا فضيلة الإنتماء واستشعرنا غلاوة الاوطان . محمد علي عبد الجابر