خلال الثلاثة عقود الماضية نجد أن هنالك تغييرا للنمط الاستهلاكي في كثير من دول العالم الثالث, فنحن في السودان تغير نمطنا الاستهلاكي بصورة واضحة فأصبح خبز القمح هو الغذاء الرئيسي لمعظم أهل السودان إن لم يكن كلهم, فليست المشكلة أن يكون القمح غذاءنا، ولكن المشكلة أن السودان يحتاج لاستيراد أكثر من مليون وخمسمائة طن من القمح سنويا والمنتج المحلي من القمح أقل من 15% من حجم الاستهلاك, فتكون الدولة ملزمة بتوفير ودعم ما يفوق المليون طن من القمح سنوياً لأن أسعار القمح المستورد لا يستطيع المواطن أن يجابهها إلا بعد أن تدعمه الدولة ولا سيما أن استيراد القمح يحتاج إلى توفير قدر كبيرمن النقد الأجنبي. قبل أكثر من عقدين أو يزيد كان معظم قوت السودانيين الذرة والدخن والقمح المنتج محليا، وكنا نقتات مما تنتجه أرضنا، أما الآن فنحن نأكل مما يزرعه ويصدره الآخرون. فالولايات المتحدة وكندا واستراليا والهند والصين في مقدمة الدول المنتجة للقمح. أما إنتاج السودان من الذرة يفوق الخمسة أو الستة ملايين طن سنويا، وللأسف هذا الكم الهائل من الإنتاج لا يتم استهلاكه محليا، بل معظم المواطنين يستهلكون القمح المستورد (دقيق الخبز), على الرغم من أن للذرة والدخن فوائد غذائية كثيرة إلا أن الدخن والذرة لا يمثلان غذاءنا الرئيسي, فالدخن هو من الحبوب الكاملة ويحتوي على نفس كمية البروتين الموجودة في القمح (حوالي 4.2 جرام لكل نصف كوب). كما يحتوي على الكالسيوم، الحديد، المغنيسيوم، البوتاسيوم والزنك. أما الذرة: مضاد للسرطان وذو نشاط مضاد للفيروسات وذو قدرة منشطة للاستروجين. الذرة مصدر غني بالألياف: كوب واحد من الذرة يمد الجسم بحوالي 18.4 من الكم اليومي الموصى به للإنسان من الألياف وتساعد هذه النسبة الهائلة من الألياف والغنية بها الذرة في تخفيض معدلات الكوليسترول بالدم، كما تقلل من احتمالية إصابة الإنسان بسرطان القولونكما تساعد الألياف في تخفيض معدلات سكر الدم لمرض السكر, يوصف لمرضى القلب لمنع النوبات وانسداد الشرايين القلبية ولذلك ينبغي أن نضع كلا من الذرة والدخن في المرتبة الأولى في قائمة غذائنا, ويدخل الدخن كمكون رئيسي في وجباتنا الشعبية. يرى البعض أن المعونة الأمريكية التي قدمتها واشنطون للسودان ضمن مساعدتها الإنسانية احتوت أنماطا غذائية لم تكن معروفة سابقاً لدى السودانيين, وهذا ايضا يعد المرحلة الأولى لتغيير النمط الاستهلاكي. فالدول التي تنتج القمح وتعتمد عليه كصادر تتبع سياسات تسويقية وترويجية عبر شركات عالمية لتسويق القمح وفتح أسواق جديدة، وهذ يتطلب تغيير النمط الاستهلاكي للمجتمعات المستهدفة, ولذلك نجد في حالة تسويق القمح لا بد للشركات المسوقة أن توسع دائرة استهلاك القمح وذلك بالتوجه نحو تغيير النمط الاستهلاكي ليصبح القمح هو الغذاء الرئيسي للمجتمعات المستهدفة, فهنا يتم تقديم القمح بسعر أقل من السلع البديلة المنتجة محليا كالذرة والدخن على سبيل المثال، ومن ثم يتغير النمط الاستهلاكي تدريجيا ويحل محل السلع البديلة الأخرى الأرز والذرة والدخن. فالتحدي الذي يواجه المجتمعات التي تغير نمطها الاستهلاكي يكمن في استسلامها للحملات الترويجية لسلعة القمح دون الوضع في الاعتبار التغيرات على المدى البعيد لتغير النمط الاستهلاكي وهذا ناتج عن قلة الوعي لتلك المجتمعات وأيضا لعوامل الطبيعة والتغير المناخي أثر على زراعة بعض المحاصيل كالذرة والدخن ولكن هذا لا يعني أن يتغير النمط الاستهلاكي بهذه الطريقة. فاستمرارنا في هذا النمط الاستهلاكي والاعتقاد بأن لا بديل للقمح إلا القمح يعد مؤشرا خطيرا لأننا نقتات من ما يزرعه ويصدره الآخرون، أما إنتاجنا الضخم من المحاصيل الزراعية لا يجد طريقة للتسويق وللاستهلاك ويعاني المزارعون من قلة الأسعار ومنافذ التسويق, ولكن إذا استهلكنا الذرة والدخن والقمح المنتج محليا بدل القمح المستورد نمزق قاتورة الاستيراد ويجد إنتاجنا المحلي طريقه للتسويق, فهذا لا يعني أن نرجع لصناعة الكسرة ولكن ينبغي أن نصنع خبزا مكونا من ما تنتجه أرضنا من القمح والذرة والقوار. في إطار دور البحوث العلمية في حل المشكلات الحياتية نجد أن ميدان البحث الآن فسيح للأكاديميين وخبراء التغذية لإيجاد بديل للقمح المستورد من إنتاجنا المحلي من الذرة والقمح المحلي والقوار والمحاصيل الأخرى التي يمكن أن تنتج محلياً وتكون أحد مكونات دقيق الخبز البديل لدقيق القمح المستورد, وأيضا سيكون هنالك دور للمطاحن لطحن وتقشير وتعبئة وتغليف هذ المنتج. للذرة والدخن قيمة غذائية. ويبقى الاختلاف في إيجاد مادة جلاتينية لزجة تجعل من الإمكان استخدام الذرة في إنتاج الخبز، ويمكن أن تضاف إليه نسبة من القمح والقوار ومادة أخرى تُكسب المزيج لزوجةً وتماسكاً, وهنالك تجارب بحثية لاستخدام القوار كمكون في صناعة الخبز, وهنا يظهر دور البحوث الزراعية الغذائية. فالأرز أيضا يعد أحد المحاصيل التي يمكن أن تكون بديلة للقمح لإمكانية زراعته في السودان وهذا أيضا يتطلب تغيير النمط الاستهلاكي. فتغيير النمط الاستهلاكي ينبغي أن يوازيه توطين زراعة القمح لأن القمح المنتج محليا يعد أحد المكونات الرئيسية للغذاء؛ هذا فضلا عن أنه أحد مكونات دقيق الخبز البديل لدقيق القمح المستورد، بالإضافة إلى الذرة والقوار. فأرض السودان واعدة بإنتاج كميات كبيرة من الأرز، ولذلك يعد الأرز أحد البدائل المتاحة لتغيير النمط الغذائي. (لنا لقاء بمشيئة الله). عبد الرحمن أبو القاسم محمد هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته