(1) خطر لي في الوهلة الاولى أن أجعل عنواناً لعمود اليوم (الدكتور عشاري على خطى محمد محمد خير)، بيد أنني عدلت عن ذلك. ولكن الحقيقة تبقى، وهي أنني بدأت أشعر بشيء من القلق على حبيبنا الاكاديمي المرموق الدكتور عشاري أحمد محمود! ومع انني لم التق بالرجل رأساً لرأس غير مرة واحدة عام 1988، ورغم خلافي المبدئي معه في كثير من طروحاته ومواقفه المعلنة خلال العقود الثلاثة الذاهبة، إلا انني احمل له في سويداء فؤادي محبة غامرة ومودة صافية، وأحس نحوه دوماً بإحساس الصديق. وفي الحديث النبوي الشريف : (الأرواح أجنادٌ مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف). ولهذا فقد ساغ لي، تعظيماً لحق الصداقة، وتأديةً لما فرضه الله على المسلم من واجب المناصحة لأخيه المسلم، أن أعبر له عن انزعاجي من تناقص رصيده في (بنك النضال الاسفيري) ضد نظام الانقاذ، بصورة مضطردة ومتسارعة، وذلك في ضوء سلسلة المقالات التي نشرها مؤخراً. كما بدا لي أن أحذره بأنه لو استمر على المنوال الذي هو عليه فقد ينكشف حسابه، بلغة المصارف المالية. وحين يُقال للعميل (حسابك كاشف) فإن ذلك يعني في الغالب ان رصيده (صفر). ويستتبع ذلك بالضرورة ان (ينكشف حاله) بلغة المعارف الاجتماعية. وكشف الحساب وكشف الحال مما لا يتمناه المرء حتى لأعدى أعدائه، فما بالك بصديق مثل عشاري؟! ولو حدث ذلك - لا قدر الله - فلن استغرب أبداً أن أرى في مواقع ثوار الأسافير مقالات معتبرة، ترد امور (النضال) الى نصابها، وتُنزل هذا الحبيب منزله، في رفقة محمد محمد خير والدكتور خالد المبارك والدكتور محمد ابراهيم الشوش، حيث (الهوتيل) الذي (يحجز) فيه مناضلو الاسافير عادةً للاكاديميين والكتاب الصحافيين الذين (ينكشف حالهم) في الدنيا، بعد ان (ينكشف حسابهم) في بنك النضال! (2) ايش جري لك يا دكتور عشاري يا حبيبنا؟ إن شاء الله خير؟ حيرتنا وحيرت كل من يهمه أمرك. هل يُعقل انك تقاعست ونكصت عن درب المعارضة، ام أنك فقدت البوصلة فأخذت تتخبط في حواري الأسافير بغير هدى؟! المؤكد هو انك لم تطالع قانون النضال الاسفيري ضد نظام الانقاذ؟! أو لعلك قرأته، ولكنك لم تحسن القراءة! القانون نصوصه واضحة: الفقرة الاولى تقول: إن المناضل الحق يُمسك بطرف أى رواية يطير بها طائر، أو يأتي بها ثائر، أيا كان شكلها او محتواها، طالما أنها تُضعف النظام وتجهّله وتسفّله. المهم أن يردد المناضل الرواية، ويتغنى بكلماتها، ويعزف ألحانها في جوقة المناضلين. وليس ثمة داع للفحص والتمحيص والتثبّت والمقايسة، فنظام الانقاذ، كما يقول الكاتب الساخر حسين ملاسي، (نظام لبّيس). بمعني أن اي (فستان) يُلبسه اياه المناضلون يليق عليه، ويظهر كما لو كان مفصلا على مقاسه! فكيف – والحال كهذا – ونصوص القانون بين يديك. تتجرأ، يا دكتور، فتكتب وتنشر على رؤوس الاشهاد أن وثيقة اريك ريفز مضروبة؟ وكيف تواتيك الشجاعة – حتى لا نقول قوة العين – فتكتب اسمك مربعاً، من اول عشاري الى آخر خليل، على رأس مقالات تجاهر فيها بأن حديث راديو دبنقا، وذائعات الجبهة الثورية عن اغتصاب أفراد القوات المسلحة لنساء قرية تابت، ضعيفة ومتهافتة، لا يسندها سند، ولا تقوم على عَمد! (3) عموماً، أنت تحمد الله وتشكر فضله ان لك اصدقاء مخلصين، يهدونك سبل الرشاد قبل ان يسوء منقلبك. من هؤلاء صديقنا المشترك المهندس حامد بشرى حامد، نزيل اوتاوا، ومن خيرة منسوبي الحزب الشيوعي السوداني. تحت عنوان (تابت قمة جبل الجليد: تعقيب على عشاري)، وفي مقال ابرزته صحيفة (سودانايل) الالكترونية اول امس الجمعة، كتب الصديق حامد بشرى يناصحك بشأن بعض كتاباتك المريبة. يقول حفظه الله: (إذا افترضنا جدلاً أن رواية الاغتصاب مشكوك في صحتها، وبها ثغرات تقدح في مصداقية راديو دبنقا، فقد كان الأجدر بك أن تخاطب أيا من قادة هذه الحركات وتقنعه بصحة شكوكك، وتطلب منهم التريث حتى يستبينوا الحقيقة. وأن توضح لهم، بحكم خبرتك في المنظمات الدولية، أن وجود أي ثغرة في هذا البلاغ سيعود عليهم وعلي الجبهة الثورية بخسائر فادحة تفقدهم المصداقية أمام المجتمع الدولي. هذا هو المطلوب منا جميعاً)! أرأيت يا عشاري كيف ان صاحبي حامد، فارس بني شوعان، يحبك ويتمنى لك الخير، ويجهد في ان ينصرك ظالما ومظلوما؟! هو يقول لك: أى نعم، انت رجل وزين ورزين، ولك صيتك الاكاديمي والمهني العالمي. ونحن معشر المناضلين نفهم تماماً أن من هو في قامتك سيعزُّ عليه ان يشتري الروايات والحواديت والاحاجي كيفما اتفق، ثم (يتنطط) بها في أسواق الله اكبر، حتى يدركه التعب، او تنفذ (بطارية) حاسوبه، كما يفعل كثيرون! ولكن - وفي ذات الوقت - فإن مبادرتك بتسفيه الروايات، وتقليم أظافرها، وتوظيف قدراتك العلمية في دحضها وبيان عوارها، كما ظللت تفعل خلال الاسابيع القليلة الماضية، ليس مما يرجوه المرء من رجل مثلك، يُفترض انه معارض للانقاذ، يحاربها ويناضل في سبيل اسقاطها! اسمع كلام الببكيك يا عشاري، هداك الله. وابك مع الباكين على حائط المبكى. وإلا فستجد نفسك تضحك و(تقرقر) في هوتيل محمد محمد خير! مصطفى عبد العزيز البطل هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته