[email protected] منذ عهد طويل لم يدخل قلبي ذلك النوع من الحبور الانفعالي العاطفي الثوري الذي يعرفه ويحسه المناضلون أصحاب القضايا الكبرى. والحق ان رصيدي من النضال كمعارض لنظام الانقاذ كان قد تآكل وتضاءل عند الكثير من أحبابي من مناضلي المهاجر وبصفة خاصة ناشطي الشبكة الدولية. وقد كتبت من قبل ان ترتيبي في قائمة الكتاب الملعونين و(المشتومين) في السماوات الاسفيرية يأتي مباشرة بعد حبيبنا الدكتور عبد الوهاب الافندي، الذي افرغ وسعه في النضال ضد الانقاذ، ومع ذلك لم يغفر له المناضلون تاريخه الاسلاموي وماضيه في العمل ضمن أطقم التمكين في سنوات الانقاذ الاولى. فأصبح شعارهم في مواجهة الحالة النضالية الأفندوية المتفجرة: (عنزة ولو طارت)! وعند اندلاع الهبة السبتمبرية قبل اسابيع هاج المناضلون الاسفيريون هياجاً جاوز المدى، وشرع بعضهم - كما هو معتاد في مثل هذه الاحوال - في تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة. وقد أثلج صدري تصدر اسم الصحافي فيصل محمد صالح قائمة المرشحين لرئاسة الوزارة. قلت لنفسي: " الحمد لله. على الاقل فيصل حبيبنا". وقد انصرف آخرون الى مناقشة كيفية التعامل مع رموز الانقاذ وكادراتها: كيف يكون تأديبهم وعقابهم؟ من يعلق منهم على أعواد المشانق، ومن يُكتفى بسجنه؟ وقد تجاوز أمر الحساب والعقاب الرموز والقادة والكوادر السياسية حتى وصل الى الاعلاميين، فجري التداول مثلاً حول ما سيؤول اليه مصير الثلاثي الشهير: الدكتور خالد المبارك والدكتور الشوش ومحمد محمد خير! وقد أجفلت وانزعجت انزعاجاً شديدا عندما رأيت المناضلين يتجاوزون سدنة الانقاذ ويعبرون عدواً الى تلك الفئة من الكتاب الصحافيين التي التصقت بها تهمة (الرمادية). وهي الفئة التي لم تدخل في دين الانقاذ ولكن سهمها في النضال ضده مهزول، ويغلب عليها منهج امساك العصا من الوسط. وهنا قرأت أحد المناضلين وقد كتب: (طيب والمتذبذبين امثال عبد الله على ابراهيم ومصطفى البطل حنعمل فيهم شنو)؟! وهنا قمت لفوري وقد استبد بي الجزع، وتوجهت صوب المكتب الصغير الملحق بغرفة نومي، فأخرجت جواز سفري الامريكي وتحسسته واطمأننت عليه. الدور والباقى على شيخنا عبد الله الذي رفض الجنسية الامريكية عن مبدأ واكتفي بالغرين كارد (خلاص يا بروف، خلي الكرت الأخضر ينفعك في اليوم الأسود، يوم اقتلاع الرماديين أمثالك من الجذور)! ولكن فرج الله قريب. أنا شخصياً (د. عبد الله بطريقتو) جاءني الفرج أخيراً على يد مناضل ثوري حقيقي ادخرته للملمات فهو نعم الساعد ونعم السند. وهل يزايد احد على القيادي المعارض الحاج وراق، صاحب الضمير الحر والتاريخ الناصع؟! من عجائب القدر أنني لم التق قط بالاستاذ الحاج وراق، ولكنني أحمل إحساساً داخلياً مستديماً بأنني اعرفه معرفة لصيقة، وانه - مهما يكن - صديقي، وسيظل كذلك (دليلي على ذلك يا وراق أنني لم اغضب منك، بل وغفرت لك أنك اخذت تلك المعلومة الشخصية التي قدمها لك في اطار اجتماعي خاص بالقاهرة صديقنا المشترك المحبوب عبد السلام، فأضفت اليها بيضتين، ثم صنعت منها عجّة نضالية اسفيرية)! فاجأني الحاج وراق مفاجأة استراتيجية صباح اول أمس الأحد عندما أورد اسمي في وثيقته الشهباء المعنونة (أفكار واقتراحات حول قضايا اسقاط النظام). الوثيقة من ثمانية الف كلمة، هي باكورة انتاجه الفكري الثوري عقيب الهبة السبتمبرية، نشرها بداية هذا الاسبوع على صدر الصحيفة الالكترونية التي يرأس تحريرها (حريات). ثم أعاد نشرها أمس الاول في الموقع الاسفيري الذائع (سودانايل). ورقة الحاج وراق عبارة عن خريطة طريق متكاملة وضعها الرجل امام قوى المعارضة المتواثقة على اسقاط نظام الانقاذ واقامة نظام وطني ديمقراطي جديد. وقد جمعت الورقة فأوعت. لم تترك شاردة ولا واردة في مورد تحليل أزمة نظام الانقاذ القائم ومقومات الانتفاضة المرتجاة الا وأحصتها. ثم دعت الى تعبئة وتنظيم وتوحيد قوى التغيير وتكامل وسائل الكفاح السلمي. دعا الحاج وراق في ورقته الاستراتيجية - وهو يطرح التصورات والبدائل لتفعيل الانتفاضة - الى اشراك من أسماهم ب(الخبراء والمثقفين) من معسكر الثورة في جهود التعبئة والتنظيم والقيادة. ثم مضى قدماً فأورد قائمة سمّى أسماءها، ضمت عشرات من مقاولي الثقافة والفكر والسياسة والاقتصاد والمشاركين في ميادين العمل المدني، بمختلف دروبه وتشعباته، ممن توسم فيهم الخير الوطني والشهامة الثورية. ثم أوصى بأن يكون هؤلاء في طليعة موكب التغيير الثوري (كلمة "مقاولين" كلمة محايدة، فضلتها على أوصاف اخري منتجة للخلاف، مثل "رموز"، خاصة بعد قراءة جميع الاسماء الواردة في القائمة). الذي يهمني هنا هو أن اسم العبد المفتقر لربه ورد ضمن الثريا الباذخة من المقاولين المناضلين الاحرار، المناط بهم - بحسب ورقة الوراق - ضخ الهواء في أشرعة الثورة وقيادة سفينتها. هكذا ظهر اسمي في قائمة الشرف جنباً الى جنب مع فاروق ابوعيسى وعلى محمود حسنين وكمال الجزولي والقاضي سيف الدولة حمدنا الله ورشا عوض وغيرهم. أنا إذن بخير، بل وبألف خير. أنا مناضل في صحبة المناضلين. فلماذا يقول المرجفون في المدينة عني انني (رمادي) وانني (متذبذب)، وانني امسك العصا من المنتصف؟ (كبرت كلمة تخرج من افواههم). يالهم من كذابين! القول ما قال - وكتب - حبيبنا ومولانا الحاج وراق. فهو شاهدٌ من الجبهة الثورية، وليس بعد شهادة الجبهة الثورية شهادة. شكراً وراق، لأنك اعترفت بي ثائراً حين أنكرني الثوار، وعمدتني مناضلاً عندما كذبني المناضلون، وآويتني في قائمتك المشرَّفة يوم تجهّمني بنو الجهم! شكراً يا صديق إذ رددت عليّ ريشي وأنبتّ القوادم في جناحي! نقلاً عن صحيفة (الخرطوم)