بمعيار الكتلة البشرية يمكن اعتبار جمهورية نيجيريا الفيدرالية من أكبر الديمقراطيات في العالم الثالث بعد الهند. وهي الرابعة في الترتيب على مستوى العالم. ونيجيريا من حيث المساحة أكبر من أي دولة أوربية. وهي الثامنة في العالم من حيث انتاج النفط. تُوصَف الديمقراطية في نيجيريا بأنها ديمقراطية وليدة (nascent democracy). فهي يرجع تاريخها إلى 29 مايو 1999 ، عندما تولى أوباسانجو السلطة ديمقراطيا، حيث كانت قبل ذلك تُحكم بنظام عسكري أوتوغراطي (فردي) منذ عام 1960 – عدا (12) عاماً. وكان العسكر قد استولوا على السلطة في عام 1966، ثم عادت الديمقراطية مرة أخرى بين 1979 و 1983. وعلى الرغم من أن نيجيريا كانت مستعمرة بريطانية إلا أنها اتبعت النظام السياسي الأمريكي لأنها رأت أن مجتمعها متعدد مثل أمريكا. فنظام الحكم في نيجيريا رئاسي، وبرلمانها يتكوَّن من مجلسين: مجلس النواب ومجلس الشيوخ. واتبعت نظام الانتخابات الحرة المباشرة. وقد نجحت التجربة الديمقراطية في نيجيريا حتى الآن لأن نيجيريا دولة شديدة التنوع عرقيا وثقافيا، كما أنها منقسمة دينيا بين المسلمين والمسيحيين، واتفقوا على النظام العلماني. وعلى الرغم من أن الانتماءات العرقية والدينية تظهر في فترة الانتخابات إلا أن الاستقطاب يتم في النهاية على أساس حزبي. وهناك أكثر من عشرين حزبا سياسيا في نيجيريا (وليس أكثر من 100 كما في السودان) وهي أحزاب مسجلة رسميا ولكن بضعة أحزاب فقط تنشط في الساحة السياسية بصورة فاعلة. وينحصر التنافس أكثر بين حزبين فقط هما: حزب الشعب الديمقراطي (Peoples Democratic Party- PDP) وهو الحزب الحاكم حاليا، وحزب المؤتمر لكل التقدميين (All Progressives Congress-APC). وقد اكتملت قبل أيام عملية التسجيل للانتخابات التي سوف تُجرى في فبراير 2015. وفي نيجيريا العملية السياسية قِوامها سلوك سياسي ديمقراطي واضح. فالمعارضة نشطة باستمرار في داخل البرلمان وخارجه تنتقد الحكومة. والقضاء مستقل، والصحافة حرة وتستطيع أن تنتقد الحكومة إلى أبعد حد إلى درجة اتهامها بالفساد واتهام الرئيس بالفشل، وليس هناك اعتقال لصحفي أو مصادرة أو إيقاف لصحيفة. وبدأت الحملات الانتخابية الأولية وسط انتقادات شديدة للحزب الحاكم ولرئيسه الدكتور جودلك جوناثان (Goodluck Jonathan). وبينما احتفل أنصار الحزب الحاكم قبل أيام بعيد ميلاد الرئيس (57عاما) ويقود أنصاره تعبئة لإعادة انتخابه لتحقيق "الوثبة الكبرى" (giant leap) والانتقال بنيجيريا إلى مصاف الدول العظمى، يواجه الرئيس انتقادات حادة بسبب فشل حكومته في محاربة الفساد وفشلها في التعامل مع بوكو حرام – بحسب ما يرون. وقد كتبت صحفية في جريدة (الليدرشيب) Leadership قبل اسبوع (14.11.2014) صفحة كاملة (في الصفحة الأخيرة) وجهت فيه نقدا حاداً لأداء الرئيس النيجيري الحالي حيث اتهمته بالفشل في إدارة البلاد. وقالت إن الرئيس لم يوجه حتى مجرد خطاب للأمة بخصوص ما يحدث من مشكلات أمنية. وقالت إن الرئيس لم يكلف نفسه عناء زيارة أسر الضحايا والمناطق المتأثرة بهجمات بوكو حرام والنازحين داخلياً، وحمّلته ما يحدث من تردي أمني في نيجيريا وتراجع الخدمات وانهيار قطاع الكهرباء والطاقة واستشراء الفساد. كما وصفته بأنه يفتقر للشخصية الكاريزمية (القيادية/القوية)، وتنقصه الرؤية وروح الفريق الوطني. وقد تلقى الحزب الحاكم ضربة قوية في نهاية أكتوبر الماضي عندما انشق عنه رئيس البرلمان الأمين تامبوال (Amino Tambuwal) وهو الرجل الرابع في الدولة. وقد أثار انسلاخه جدلاً دستورياً في كيفية استمراره في منصبه بعد انسلاخه من الحزب الحاكم PDP والذي بصفته عضوا فيه فاز في الانتخابات وحصل على هذا المنصب. انضم تامبوال إلى الحزب المعارض وهو حزب التقدميين APC. وقبل أيام (في نهاية نوفمبر الماضي) تلقى الحزب الحاكم ضربة أخرى بعد انسلاخ (23) عضو برلماني منه: (21 عضو مجلس النواب، و (2) من الشيوخ (سيناتور). وقد كانت هناك محاولة لإصدار تشريع من البرلمان لتمديد حالة الطوارئ لستة أشهر في ثلاث ولايات متأثرة بنشاط بوكو حرام هي: برنو، وأداماوا، ويوبي (نحن في الأخيرة). وثار جدل في البرلمان بين مؤيد ومعارض باعتبار أن الدستور يتيح للجيش حسم التمرد دون الحاجة لإقرار حالة الطوارئ في البرلمان. وفسّر البعض محاولة تمديد الطوارئ بأن الحزب الحاكم يسعى لعدم إجراء الانتخابات في هذه الولايات ذات الأغلبية المسلمة. وفي هذه الأثناء بدأت الحملات الانتخابية بالدعاية والملصقات. وفي نيجيريا، كما أشرت سابقاً، الإعلام حر. وعلى الرغم من أن لكل ولاية إذاعتها وتلفازها الخاص إلا أن الإعلام المستقل هو الطاغي والسائد. وفي العملية السياسية يتقاطع ما هو قبلي مع ما هو ديني وما هو حزبي لكن في إطار ممارسة ديمقراطية لحد كبير. الوضع يعطيك الاحساس بأن هناك ديمقراطية حقيقية وأن العملية السياسية تتم وفق قواعد اللعبة وفي إطار الحريات المتاحة للجميع، ليس وفق نصوص الدستور فحسب بل وفق ما هو ممارس في الواقع. وهذا ما نسميه (المناخ السياسي).. أما إذا أردنا المقارنة بين الديمقراطية هنا وفي نيجيريا فإن الفرق واضح، لا يحتاج إلى تعليق! استدراك: في مقال سابق ذكرتُ أني زرتُ نيجيريا مع الرئيس عمر البشير في عام 2000 ضمن وفد مرافق لسيادته. فات على قلمي الإشارة إلى الزملاء الذين كانوا معي ومنهم صديقنا البروفيسر عبد اللطيف البوني والإعلامي أسامة عبد الرحيم الخليفة والأخ الزين إبراهيم حسين (السفير بالخارجية حاليا) وآخرون..