أعلن الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة النيجيرية في لقاء مع هيئة الإذاعة البريطانية أن حركة بوكو حرام تلقت ضربات قاصمة من جانب الجيش النيجيري وأن كل قواعدها في شمال شرق البلاد سقطت في أيدي القوات الحكومية. وصف الناطق الرسمي قواعد الحركة بأنها مؤسسات متكاملة تضم مواقع لتدريب الإرهابيين ومصانع للمتفجرات ومستشفيات ، مؤكداً أنها تقام عادة بعيداً عن المدن داخل الغابات وتنطلق منها العمليات التي تروع المواطنين في كل مدن الاقاليم الثلاث التي أعلنت فيها مؤخراً حالة الطوارئ. غير أن الناطق الرسمي أكد أن سقوط القواعد لا يعني نهاية بوكو حرام وإن كانت الحكومة عازمة على ذلك مما يشير إلى أن الحملة الواسعة التي بدأت قبل أسبوعين قد تستمر لفترة طويلة. المعروف أن الحركة واسمها الرسمي هو "جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد" بدأت دعوتها لتطبيق الشريعة الاسلامية في شمال نيجيريا بصورة سلمية مطلع القرن الحالي ، إلا أن العديد من العوامل ومن بينها عدم استجابة الحكومة الفيدرالية لمطالبها قوت من شوكة المتطرفين داخلها مما جعلها تميل نحو الأسلوب الجهادي في حربها ضد الحكومة منذ عام 2004. كان الرئيس النيجيري غودلك جوناثان قد قطع زيارة إلى جنوب أفريقيا وألغى زيارته لناميبيا بعد حادثة اغتيال 56 من رجال الشرطة والأمن بولاية ناساراوا في شمال نيجيريا وهم يتأهبون للهجوم على معقل جماعة أومباتسي وهي إحدى جماعات الهوس الديني الوثنية التي لا تمت بصلة لجماعة بوكو حرام. صرح رئيس جماعة أومباتسي لاحقاً أن أتباعه لم يقوموا بقتل الجنود وإنما كان ذلك عقاباً من الرب لأن الجنود كانوا يخططون لاغتياله شخصياً. لم تكن بوكو حرام متورطة في مقتل عناصر الأمن ‘ إلا أن الرئيس جوناثان استغل هذه الحادثة ليعلن في الثالث عشر من شهر مايو الحالي حالة الطوارئ في ثلاث من الولايات الشمالية البلاد وهي بورنو ، ويوبي ، وأداماوا معلناً عن الدخول في حرب مع الجماعات الدينية وعلى رأسها جماعة بوكو حرام. أشار الرئيس في كلمته إلى أن ما تقوم به الجماعات الدينية ليس مجرد تمرد محدود بل إنها أعلنت حرباً على الحكومة بهجومها على المواطنين العزل والمؤسسات الحكومية واعلنت عن نواياها في تمزيق وحدة البلاد برفع أعلام غريبة مكان العلم الوطني في الأماكن التي تمكنت من السيطرة عليها. كما قال الرئيس أن هدف الجماعات لم يكن انفصال الشمال عن نيجيريا بل السيطرة على كل البلاد والإعلان عن نظام حكم غير ديمقراطي. من جهة أخرى ، أشار الرئيس إلى أنه سيواصل اتصالاته عبر القنوات الدبلوماسية مع دول الجوار للتعاون في تعقب الجناة وعدم السماح لهم باستعمال أراضيها للإضرار بمصالح نيجيريا. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها الحكومة النيجيرية حالة الطوارئ في عدد من الولايات الشمالية لوضع حد لأحداث العنف هناك ، لذلك فإن الكثير من المراقبين يرون أن حملة الحكومة الحالية كسابقاتها قد لا تقود إلى نتائج إيجابية في مجال تحقيق استقرار الأوضاع. ويشير هؤلاء لمعاناة المواطنين بسبب فرض حظر التجول في بعض العواصم الإقليمية ، وبسبب المعارك التي أدت إلى لجوء الآلاف منهم لدول الجوار وبصفة خاصة الكاميرون والنيجر. كما يشيرون إلى رفض جماعة بوكو حرام العفو العام الذي أعلن عنه الرئيس النيجيري مما يعني أن جهوده نحو تحقيق الاستقرار تواجه بعقبات كبيرة. ويقول خصوم الرئيس جوناثان أن شعبيته المتدنية أصلاً في شمال نجيريا تجعل خطواته مترددة في حسم الحركة خاصة وأنه يقوم بهذه المحاولة وعينه على الانتخابات الرئاسية القادمة. كما يشير البعض للتعاطف الذي يبديه بعض منسوبي القوات المسلحة مع الحركات المعارضة بسبب قناعاتهم بأفكارها أو بسبب انتمائهم الإقليمي. وقد جاءت الأحداث الأخيرة التي راح ضحية لها العشرات من منسوبي قوات الأمن والتي أشرنا لها أعلاه نتيجة لثغرة أمنية خطيرة كما تقول مصادر الأخبار. أما معارضو الحسم العسكري فإنهم يقولون أن الحكومة تخطئ الهدف ، إذ أن المشكلة في اعتقادهم ليست دينية بل اجتماعية واقتصادية. ويشير هؤلاء لمشكلة ارتفاع نسبة نمو السكان في نيجيريا وبصفة خاصة في قطاع الشباب الذين يعانون من البطالة بالرغم من حصولهم على المؤهل الجامعي. ويقول هؤلاء أن الشباب اليائس من توفر الفرص المناسبة لحياة كريمة يميل نحو التطرف ، لذلك فإن الحركات العنيفة تجد الكثير من التعاطف في أوساطهم. ولعل مما يزيد الأمور تعقيداُ أن الولايات الشمالية وغالبية سكانها من المسلمين تعاني أكثر من غيرها ، مما مهد الطريق لأن تتحول حركة بوكو حرام التي بدأت سلمية برفضها لنظام التعليم الغربي إلى حركة عنيفة تقض مضاجع الحكومة. تضافرت العديد من الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية لتجد الحركة نفسها في مواجهة مع الحكومة التي عجزت عن الوصول لوفاق سلمي يحفظ لحمة المجتمع. من الطبيعي أن تترك مشكلة بهذا التعقيد آثارها على الساحتين الإقليمية والدولية ، ولا شك أن كل القوى تتحرك وفي بالها الأحداث الأخيرة في مالي وجوارها بالاضافة للانتشار الواسع للأسلحة بمختلف أنواعها في منطقة السهل الأفريقي خاصة بعد انهيار نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا. لذلك فقد كان من البدهي أن تعرب دول إقليمية مثل النيجر والكاميرون عن قلقها حيال الأوضاع في نيجيريا ، خاصة وأن آلاف الهاربين من جحيم الحرب لجأوا لهاتين الدولتين حيث يقيمون الآن في معسكرات جديدة. لم تنحصر ردود الفعل على دول الجوار أو القارة الأفريقية بل تعدتها لتشمل قوى مؤثرة حيث أعرب الاتحاد الأوربي عن قلقه حول النتائج السلبية للحملة الحكومية ، وطالبت مسئولة الشئون الخارجية بالاتحاد في اجتماع مشترك مع وفد حكومي نيجيري في بروكسل بضرورة ضبط النفس وعدم ارتكاب انتهاكات لحقوق الانسان. أما وزير الخارجية الأمريكي فقد تحدث عن انتهاكات واسعة لحقوق الانسان بواسطة القوات الحكومية وطالب بوقفها فورا ، كما طالبت الخارجية الأمريكية بالتحقيق في حادثة مقتل مائتي مواطن بمدينة باغا على ساحل بحيرة تشاد في شمال نيجيريا مطالبة بتقديم المسئولين عنها للمحاكمة الفورية. ومن جانبها ، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً في نوفمبر الماضي تحدثت فيه عن انتهاكات واسعة لحقوق الانسان في نيجيريا تمثلت على حد قول المنظمة في عمليات القتل دون محاكمة ، والتعذيب ، والاختفاء القسري للأشخاص. وقد ذهبت بعض تقارير الأنباء للربط بين ما يجري في نيجيريا والهجوم الإرهابي الذي اُتهِم نيجيريان بالقيام به في العاصمة البريطانية خلال الأيام القليلة الماضية. لا شك أن مشكلة الشمال النيجيري لها جذور تاريخية عميقة ، وتستند إلى أسباب اقتصادية واجتماعية معقدة أشرنا لبعضها أعلاه. إلا أنها كغيرها من المشاكل التي تقع في دول السهل الأفريقي تثير قضية في غاية الأهمية وهي انتشار السلاح بالمنطقة في أيدي أصحاب القضايا السياسية المختلفة ، والمجرمين العاديين ، وشذاذ الآفاق من المرتزقة وغيرهم. وبالنظر للحدود المفتوحة لدول هذه المنطقة فإن الانتشار الواسع للسلاح وثقافة الحرب ينعكسان بصورة سالبة على الاستقرار في منطقة السهل الأفريقي من دارفور شرقا وحتى موريتانيا والسنغال غرباً ، ومن خليج غينيا جنوباً وحتى الجزائر وتونس شمالاً. لذلك فإن محاولات معالجة المشكلة بفصل القضايا عن بعضها البعض قد لا تجدي خاصة وأن حملة السلاح في المنطقة يتحركون بمرونة شديدة. وبالرغم من أن تدخل القوى الكبرى يساعد أحياناً على تعقيد الأمور كما وضح في العديد من الحالات ، إلا أنه لا يمكن استبعادها تماماً عند معالجة مثل هذه القضايا. ولعل الأسلوب الأمثل لمواجهة المشكلة يكمن في التعاون بين دول المنطقة التي تتوزع الآن على عدد من المنظمات الاقليمية التي يصعب التنسيق فيما بينها خاصة بعد حالة البيات الشتوي التي تعيشها منظمة الساحل والصحراء بعد ذهاب عرابها الأكبر معمر القذافي. ودون الحجر على ابتكار الوسائل الأنسب ، فإن عقد مؤتمر تحت رعاية الاتحاد الأفريقي للتداول حول القضية ربما يكون الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح. Mahjoub Basha [[email protected]]