محمد عثمان ابراهيم www.dabaiwa.com قبل سنوات، وقعت قناة الشروق التليفزيونية ضحية عملية احتيال شديدة البساطة ورطتها في تقديم مادة مضللة للمشاهد كانت عبارة عن حوار مع شاب (مستهبل) وصغير السن زعم مرة أنه روائي عالمي ترجمت رواياته إلى عشرات اللغات وتم تحويل إحداها إلى مسلسل درامي مصري بعنوان (دموع القمر). المذيعة تقوى محجوب وفريق البرنامج وقعوا ضحية الشاب المحتال واسمه محمد سعيد حامد واللقاء الفضيحة موثق في موقع (يوتيوب). الحقيقة أن هذا الشاب لم يبدأ مسلسل احتياله بقناة الشروق ولم ينته بها وإنما قام هو أو فريقه الخاص الذي يعاونه في هذا الاحتيال وورط مركز (إس إم سي) الإخباري -وهو مركز حكومي ومعمل غير محترف لضخ الدعايات والأخبار المبتورة- في نشر خبر عن رفض الكاتب السوداني محمد سعيد حامد (هو وليس غيره) لعرض من الحكومة الهولندية لترشيحه لجائزة نوبل مقابل المشاركة في التحريض ضد حكومة السودان وحزب المؤتمر الوطني. ونقل المركز (المسكين) أن مرشحه المزعوم قال لتليفزيون تي في فايف الألماني (إس إم سي لا تعرف أن تي في فايف فرنسي مثلما لا تعرف ان الحكومة الهولندية لا تملك حق منح جوائز نوبل):"نحن شعب أمة نستطيع أن نعلم الغربيين معنى الكرامة والعزة والكبرياء ولا نلهث من ثدي الكلاب حتى ولو متنا جوعاً" ولمن أراد معرفة معنى (اللهث من ثدي الكلاب) فعليه أن يسأل المرشح والمركز الصحفي. بعد أشهر من الفضيحة، وقعت صحيفة أخرى كبرى من صحف الخرطوم في ذات الأنشوطة ووفر ملحقها الثقافي صفحة بالصور لبث أكاذيب مرشح نوبل إياه (بالمناسبة كان في حوار الصحيفة المطول يرتدي ذات الحلة وربطة العنق اللتين ظهر بهما في قناة الشروق). عقب التوقيع على اتفاقية نيفاشا، انطلقت جماعات من (المستهبلين) تصرح للصحف بأنها كونت لجاناً لترشيح النائب الأول السابق الأستاذ علي عثمان محمد طه لجائزة نوبل. بعض منسوبي هذه المجموعات مضوا في تضليل الصحف بأن لجنة نوبل وافقت على الترشيح وقامت الصحف المضللة (بفتح اللام الأولى مرة وكسرها مرة) بتوجيه تضليلها للقراء الذين لا بد أنهم لم ينخدعوا وواصلوا حياتهم العادية. قناة الشروق كعادتها وقعت في الأنشوطة ونشرت على موقعها الإلكتروني خبراً بعنوان (صراع يعيق ترشيح طه وقرنق ل"لنوبل")، ثم نقلت في الخبر تصريحات لأحد مسؤولي إحدى المجموعات أشار فيه إلى أن صراعات الحزب الحاكم أدت إلى تأجيل ورشة مخصصة للغرض كانت ستنعقد في تنزانيا، ولم توضح القناة كيف يمكن لصراعات حزب سياسي أن تعطل لقاءً أكاديمياً وفكرياً كذاك. لو كلفت الصحف نفسها قليلاً لعرفت أن الترشيح لجوائز نوبل كلها ليس أمراً سرياً لكنه ليس مشاعاً للغاشي والماشي، ويمكن الحصول على كافة شروط الترشيح من موقع الجائزة على شبكة الإنترنت. قبل أيام نشرت صحيفتنا هذه على ذمة المحررة وجدان طلحة، ضمن صحف أخرى، أن عضو مجلس الولايات محمد إمام طالب بترشيح الرئيس عمر البشير لجائزة مو إبراهيم للحكم الرشيد، وهذا مطلب غريب جداً من عضو في مجلس الولايات يفترض فيه الاطلاع، والمعرفة، وتقديم الإفادات عن علم. المشير البشير (الرئيس الحالي والمرشح الأكثر حظاً في الاستحقاق الانتخابي المقبل) ينقصه أهم شرط من شروط التأهل لجائزة الملياردير السوداني وهو التقاعد إذ إن الجائزة تمنح فقط للرؤساء المتقاعدين. إذن فإما أن عضو المجلس الموقر لا يقر برئاسة الرئيس الحالي وانتخابه المقبل، وإما أنه لا يعرف شروط الجائزة، والخيار الثاني طبعاً هو الأفضل له حيث يوفر الجهل له ذريعة أكثر قبولاً للتنصل من مقترحه غير المدروس. من الأفضل لبعض (نواب الشعب) في البرلمان أن يكتفوا بالصمت، والتصويت، فالكلام له شروط أولها المعرفة.