عندما وصفت في هذه المساحة في ذات يوم انعقاد مباحثات التفاوض بين دولتي السودان والجنوب حول القضايا والملفات الاقتصادية العالقة، بأنها مباحثات .. تعليق المعلق، لم أقل ذلك من باب التكهن أو الاتهام بالباطل، وإنما من وقائع الحال التي تنبئ بالنتائج، فالأسباب هي عنوان النتائج، والحصاد دائما من جنس المحصول المزروع، فلا يكمن أن تزرع موز وتحصد عنب أو العكس، بمعنى آخر إذا عرف السبب بطل العجب.. وإن كانت النتيجة غير هذه فهي عندي من العجائب، ولقد قلت في ذلك العمود إنه من يتنبأ بتنائج إيجابية لهذه المباحثات فهو ضرب من التكهن، لا تدعمه حيثيات واقعية. إن رفع سقوفات المطالب بين الطرفين والتمترس خلفها هو وراء كل الذي يجري حول المسائل العالقة، ووراء قرار حكومة دولة الجنوب القاضي بوقف تصدير نفطها عبر أنابيب النفط التي تمر بالسودان، خاصة وأن الجهات التي كانت تتدخل في مفاوضات نيفاشا كأمريكا وقفت متفرجة، والطرفان يتوقعان تدخل هذه الجهات وتقديم مقترحات، تحمل حلولاً توفيقية نسبة لرسوخ ثقافة (الأجاويد) عند السودانيين. أعتقد أن السودان ضيع فرصة ثمينة عندما اعترف بدولة الجنوب قبل أن يحسم هذه القضايا التي أصبحت (عظم حوت في حلق الحكومة)، فالاعتراف بدولة الجنوب يعني أن هذه الدولة الوليدة لها كامل السيادة على بلدها بمعنى التفاوض مع الحركة الشعبية في نيفاشا، ليس كالتفاوض مع دولة الجنوب، ولا يمكن التعامل معها كأنها ولاية من ولايات البلاد، وتمرير القرارات عليها كما في السابق، وهي نظرة ما زالت تعشعش في رؤوس المسئولين في بلادنا، ففي الوقت الذي تنظر إليه الحكومة عند تفاوضها حول القضايا العالقة للقضايا الاقتصادية من الناحية الاقتصادية (ربح وخسارة) تنظر دولة الجنوب إليها من الناحية السيادية (عزة ومهانة) الأمر الذي يبعد شقة التقارب طوال جولات التفاوض الماضية في القضايا العالقة. إن بذرة الشك بين الأطراف في نمو متواصل رغم لغة المجاملات والمسامحات التي تصدر، من حين لآخر، لتعود تصريحات التشاحن والاتهامات التي تصلح للمجتمع المحلي فقط، وأنه سوف تستمر هذه الحالة إن لم تتدخل جهات أخرى... وأن ترحيل هذه القضايا للمحاكم الدولية، أو مجلس الأمن الدولي، سيفسدها ويطول فترة هذه التشاحن. أن ترجع البلاد الى دائرة الحرب، مرة أخرى، وربنا ما عاد إلينا حروب أخرى، وربنا يطفئ الحروب القائمة.