في يوم الثلاثاء الماضية (23/12) استضافني الأستاذ خالد ساتي في برنامجه (الصالة) وكان الضيف الآخر هو الأخ البروفيسر/ حسن علي الساعوري. كما هو معتاد في برنامجه الخاص بالتحليل والتعليق على الصحف تنوعت موضوعاته ابتداءً من بوكو حرام وانتهاءً بالانتخابات. كانت آخر فرصة (3 دقائق) في البرنامج هي خاصة بالانتخابات لذلك كان المطلوب مني والزميل الساعوري الحديث في عُجالة. فقلتُ أرى تأجيل الانتخابات. اختلف معي بروف الساعوري وكان رأيه عدم التأجيل لأن التأجيل – حسب ما يرى – يؤدي إلى "فراغ دستوري". طلبت نصف دقيقة أخرى لكي أقول إن الأمر يمكن أن تتم معالجته من خلال فترة انتقالية تشارك فيها الأحزاب الرئيسية. ولكن انتهى زمن البرنامج ولم يسعني الوقت للتفصيل أو التوضيح. ما قاله بروف الساعوري هو ما ظلت تردده الحكومة أو قيادات المؤتمر الوطني كمبرر للتمسك بإقامة الانتخابات في مواعيدها. وأنا أيضاً لي مبرراتي لتأجيل الانتخابات. علينا أن نتخيل المشهد في الحالتين: في حالة إقامة الانتخابات في مواعيدها، وفي حالة تأجيلها وما يترتب عليه من فراغ دستوري بحسب رأي الحكومة وأخونا بروف الساعوري. هذا الرأي الذي يتخوَّف من حدوث فراغ دستوري ينطوي على مخاوف تتمثل في أن هذا الفراغ الدستوري قد يؤدي إلى الفوضى وإلى اضطرابات وعدم استقرار. لكني أرى العكس . في تقديري إن تأجيل الانتخابات يمكن أن لا يؤدي إلى فراغ دستوري بوضع ترتيبات لفترة انتقالية وذلك عبر وفاق وطني – من خلال الحوار الوطني. وهذا يعتمد في الأساس على تأجيل الانتخابات وفتح الطريق أمام مسيرة الحوار الوطني لكن ليس بهذه الكيفية بل بالمرونة والتنازلات والخطاب "الوفاقي" الذي يشجع على استمرار الحوار، وعلى جذب الأطراف الأخرى للحوار. فإذا هيأت الحكومة المناخ لحوار وطني شامل وتخلّت عن اللغة المتعالية على الآخر وتخلت عن الاعتقال لمجرد ابداء الرأي المختلف أو المخالف، فإن الحوار سوف يتحرك إلى الأمام. وعندما تغيِّر الحكومة من خطابها أو لغتها الحوارية واسلوب تعاملها مع الآخر، سوف تكون خطت أول خطوات بناء الثقة. لأن عدم الثقة هو أحد أهم العوامل التي تعيق عملية استمرار الحوار بصورة فاعلة. المعالجة الحقيقية يجب أن تركز على (كيف يستمر الحوار بصورة جادة وسريعة؟) لأن عامل الزمن مهم. أقول ذلك لأن خيار تأجيل الانتخابات الذي أدافع عنه يعتمد على التوصُّل لوفاق وطني عاجل (قبل حلول شهر إبريل 2015) للتوقيع على خارطة طريق تشتمل على ترتيبات محددة لفترة انتقالية، وتُحدد فيها كيفية تشكيل الحكومة الانتقالية. لكن هنا تبرز مسألة "الشرعية". ما هي شرعية هذه الحكومة الانتقالية بدون انتخابات؟ يمكن معالجة هذا الأمر من خلال المجلس الوطني الحالي – لكن قبل انتهاء فترته في إبريل. وذلك بأن يجيز تشكيل حكومة انتقالية. وذلك بوصفه ممثل للشعب حيث يستمد شرعيته من الشعب – استنادا للانتخابات السابقة. هناك نقطة مهمة، وهي أن الشرعية والمشروعية (تفويض شعبي) هي فوق القانون وفوق الدستور. لأن الدستور نفسه يكتبه ويجيزه من يملك شرعية مستمدة من الشعب. فقد تظهر ظروف استثنائية لا يستوعبها الدستور مما يتطلب تعديل الدستور بما يحقق المصلحة الوطنية العليا. ونحن الآن أمام ظروف استثنائية تستدعي التكييف القانوني والدستوري من المختصين لإكساب الشرعية لحكومة انتقالية يتم فيها تمثيل القوى الرئيسية وهي التي تشكل لجنة قومية لدستور تساعدها لجنة فنية من المختصين والخبراء لصياغة مسودة دستور يحقق التحول الديمقراطي – لكن طبعا يتم ذلك من خلال التوافق في منبر الحوار الوطني (بعد فك جموده(. لقد طرحتُ اقتراحات لكيفية الخروج من هذا المأزق وذلك في "خارطة طريق" من (40) نقطة، قدمتها منذ الصيف الماضي إلى عدة جهات بما فيها الحكومة. لكن الآن عامل الوقت هو الحاسم. يتطلب الوضع الآن تحريك الحوار الشامل حتى ولو استدعى الأمر منبر خارجي ووسيط لاستيعاب الحركات المسلحة في مسيرة الحوار واستصحاب كل المبادرات الموجودة في الداخل مثل مبادرات الجامعات السودانية المختلفة. وأقول (بدون غرور) أن مبادرتي يمكن أن تسهم في حل الأزمة السودانية لأن فيها كل ما تطلبه المعارضة في الداخل والحركات المسلحة في الخارج وتؤسس للتحول لنظام ديمقراطي حقيقي. وقد تمت إجازتها وفي طريقها للنشر في المجلة العربية للعلوم السياسية (لكن في داخل السودان طبّال الحي لا يطرب(. أخيراً أكرر بأن عامل الزمن حاسم. أمامنا ثلاثة أشهر فقط للخروج من الأزمة عبر حوار وطني جامع وجاد تدفعه الحكومة بتغيير خطابها وتهيأة المناخ الملائم للحوار الذي يستوعب الجميع والذي يمثل طوق النجاة الوحيد من وضع أكثر اضطرابا أرى أننا نسير نحوه الآن.. وأكرر بأن الإصرار على الانتخابات في مواعيدها بما يعني إقصاء قوى حية من الساحة السياسية هو الذي قد يقودنا إلى أسوأ مما يمكن أن يحدثه الفراغ الدستوري. إن الوصول إلى وفاق من خلال تحريك وتسريع الحوار الوطني المثمر هو الذي يحصننا من العنف.