بين تحوطات الوزارة وعقوبات القانون مُحاضر جامعي: الظاهرة ليست جديدة وأكثر رُوَّادها العاملون بالخارج الأستاذ جاد كريم الطيب: الوزارة تحوَّطت لمنع ظاهرة التزوير ب(حوسبت) كل البيانات المتعلقة بشهادات الطلاب الجامعية بجميع مجالاتها محامي: القانون الجنائي وضع عقوبات رادعة لمرتكبي هذه الجريمة سواءً أكان موظف دولة أو شخصاً عادياً الخرطوم: مشاعر أحمد كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن الشهادات الجامعية في السودان ومدى قابليتها للتزوير لدرجة أن بعض الدول ظلت تمارس تمحيصاً وتدقيقاً غير عادي تجاه الشهادات الواردة من السودان. ومن هنا تتناسل الأسئلة: ماهي الهواجس التي تجعل الدول لا تعترف بشهاداتنا الجامعية منها والثانوية؟ وهل هنالك حالات تزوير تم ضبطها حقيقةً؟ وهل ظاهرة تزوير الشهادات حصرية على السودان وحده أم أن كل الدول تعاني منها؟ وما هو رأي الخبراء في هذه الظاهرة؟ وماذا تقول وزارة التعليم العالي والبحث العلمي باعتبارها الجهة المسؤولة؟ ظاهرة قديمة أول من تحدَّثتُ معه في الموضوع أستاذ جامعي ظل يعمل في المهنة لمدة قاربت الرُّبع قرن من الزمان، الرجل لم يبخل عليَّ بالمعلومات التي يملكها في موضوع الشهادات الجامعية وطرق تزويرها لكنه طلب حجب اسمه. ثم بدأ بسرد حديثه قائلاً: أولاً من المهم جداً أن نعرف أن ظاهرة تزوير الشهادات الجامعية والثانوية لا يعاني منها السودان وحده بل هي مشكلة أرَّقت مضاجع العديد من الدول حتى دول العالم الأول لم تسلم منها. أما بالنسبة لنا في السودان فالظاهرة ليست جديدة بدليل أنه في نهاية تسعينيات القرن كان هنالك حديث يدور في جامعتنا عن انتشار شهادات مزورة باسم جامعات حكومية وخاصة. ليس ذلك فحسب بل تم تحديد شخص بعينه اشتهر باستخراج هذه الشهادات، فقادني الفضول للبحث عنه حتى وجدته بعد رحلة مرهقة ولم تخلُ من المخاطر وقد كانت وسيلة التواصل بيننا (الهواتف المحمولة) والتي كانت نادرة جداً وقتها حيث لا يحملها إلا أشخاص بعينهم، التقينا تحت ظل عمارة شبه مهجورة بالسوق العربي وعندما قابلته لم يستغرق الدخول في الموضوع وقتاً طويلاً، حيث طلبتُ منه شهادة جامعية لشقيقي المغترب بدولة نفطية شهيرة فقال لي : (مشكلتو محلولة) لكن استخراج الشهادة حسب الجامعة فهنالك جامعات تزوير شهاداتها لا يحتاج إلى كبير عناء، أما عن أسعار الشهادات فهي أيضاً مرتبطة بأسماء الجامعات بحيث إنه كل جامعة ب(ثمنها). طلبتُ منه أن يطلعني على نماذج لكى يطمئنَّ قلبي فكادت الدهشة أن تقتلني عندما أخرج لي أول شهادة مزوَّرة وهى للجامعة التي أعمل بها مُنذ سنين، ومن ثم عرض عليَّ الرجل خمس شهادات لجامعات. نسبة ضئيلة جداً دكتور محمد أحمد التيجاني وباعتبار خبرته التي اكتسبها من خلال عمله في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، استنطقته (السوداني) ليدلي بدلوه في الموضوع فقال: إن مسألة التزوير في المستندات بصورة عامة وفي الشهادة الدراسية على وجه الخصوص، موجودة في كلِّ مكان وزمان لسبب بسيط هو أن هنالك من يُشجِّعون هذه الظاهرة بلجوئهم إلى (المزوِّراتية) للحصول على شهادات لا يستحقونها ولم يعملوا لها، وللحقيقة يكثر الطلب على مثل هذه الشهادات من قبل المهاجرين إلى الخارج وربما لهذا السبب تم التشديد على فحص الشهادات عبر سفارات الدول ووزارات الخارجية. ويقول د. التجاني بالنسبة لنا في السودان ولسدِّ الباب نهائياً أمام حالات التزوير، فأيِّ طالب تخرج في أية جامعة سودانية اسمه مُسجَّل بمكتب القبول بنظام يتبع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي وأي ورقة تخرج من القبول هي صحيحة. وزاد بالقول إن الجامعات السودانية معترف بها وأي كلية مسجلة بدليل القبول العام سواء كانت أهلية أو أجنبية أو حكومية معترف بها دولياً وقال:إن نسبة التزوير في الأوراق التي تتبع للوزارة ضئيلة لدرجة لا تذكر وأي شهادة مزورة يكون العمل عليها خارج دائرة وزارة التعليم مؤكداً أن بالإدارة العامة للقبول وتقويم وتوثيق الشهادات قسم كامل مهمته فقط التأكد من صحة الشهادات. مكافحة ب(الحوسبة) ويقول رئيس قسم تقييم ومعادلة الشهادات الأجنبية بمكتب القبول (سابقًا) الأستاذ جاد كريم الطيب عبدالله – هو لا زال يعمل بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي من خلال إدارة أخرى، يقول ل(السوداني) : إنَّ الأخطاء موجودة في كل دول العالم ولكن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أخذت تحوطاتها لمنع ظاهرة التزوير ب(حوسبة) كل البيانات المتعلقة بشهادات الطلاب الجامعية بجميع مجالاتها (بكالوريوس، دبلوم وسيط، دبلوم عالي، والدراسات العليا) كما حددت رقماً جامعياً يحملهُ الطالب منذ دخوله إلى الجامعة, وحتى بعد التخرج لا يمكن أن يحمله طالب آخر كما تم تغيير ورقة الشهادات بورقة ممغنطة تصدر من مطبعة العملة بها تصميم شعار الوزارة وشعار الجامعة التي يتبع لها الطالب كما أن كل وسائل الأمن والسلامة متوفرة للورق من خروجه من المطبعة وحتى وصوله للوزارة, حيث تذهب أي شهادة خريج إلى إدارة القبول للتوثيق فهنالك جميع بيانات الطلاب مدونة في القسم سواء كانت لخريجين أو أجانب كما هي محفوظه في أجهزة حواسيب لا يستطيع أحد الحصول عليها لتعديلها أو حذف شيء منها وأيضاً لابد من أن هذه الشهادة تعتمد من أمين الشؤون العلمية وتوقيع العميد وتوقيع المسجل كما كل هذه التوقيعات مُدخله بحواسيب الوزارة هنا لا يستطيع أي أحد تزوير أي شهادة. السجن والغرامة ومن خلال بحثنا في الموضوع تأكد لنا أن الشهادات (المضروبة) يلجأ إليها طالبوها عبر (مزوِّراتية) نشطوا في هذا العمل الممنوع قانوناً.. إذاً للوقوف على الضوابط التي حرَّم بموجبها القانون هذا الفعل تحدَّث ل(السوداني ) أحمد عبدالجليل كبوش المحامي فقال: الشهادات الجامعية تعتبر مستندات رسمية والمستند يعرف قانوناً بالبيانات المسجلة بطريقة الكتابة أو الصوت أو الصورة، والشهادات الجامعية مستند كتابي وتعتبر مستنداً رسمياً لأنها تصدر من شخص مكلف بخدمة عامة وتتم على يديه أو يتلقاها من ذوي الشأن وذلك طبقاً للأوضاع القانونية وفي حدود سلطته واختصاصه وبمجرد صدورها تكون حجة على الجامعة وكافة الجهات التي يعمل بها حاملها وزاد كبوش أن الجرائم التي تُرتكب في استخراج الشهادات الجامعية إما تزوير أو تحريف والشخص الذي يرتكب جريمة التزوير يكون قصده الغش إما باصطناع الشهادة أو تقليد أو إخفاء بعض البيانات الموجودة أو إتلافها أو إحداث تغيير جوهري وأضاف أن القانون يُعاقب المواطن الذي يرتكب جريمة التزوير بالسجن بما لا يتجاوز الخمسة أعوام كما يجوز معاقبته بالغرامه أما إذا كان موظف دولة فإن العقوبة السجن بما لا يتجاوز السبع سنوات أو الغرامة من نص المادة (123) والمادة (124) من القانون الجنائي حيث المشرع ترك الأمر للقاضي لتقديره في إنزال العقوبة إما السجن أو العقوبة. أما التحريف يكون من قبل الموظف المكلف بإصدار الشهادة ويكون عند تحرير الشهادة بتدوين وقائع غير صحيحة أو باخفاء وقائع حقيقية مع علمه بها. أما عن تطبيق العقوبة فإن الجهات التي تقدم لها للعمل إما ليس لديها المقدرة على كشف التزوير وحتى إذا اكتشفت التزوير في كثير من الأحيان لا تفتح بلاغاً في حامل الشهادة المزورة. ويقول كبوش السُلطة حاولت الحد من جريمة التزوير بتوثيق الشهادات في عدة جهات وربطها بالشهادة السودانية في التوظيف، وفي تقديري الشخصي يجب أن يحصل تعديل في المادة (123) والمادة (124) من القانون الجنائي بحيث تكون عقوبة السجن وجوبية مع الفصل من الخدمة حتى يكون ذلك رادعاً. تعديل القانون ويقول الخبير الشرطي الفريق صلاح الشيخ ل(السوداني) إن ظاهرة التزوير هي قديمة بل ومتعددة لا تنحصر في تزوير الشهادات العلمية كما هنالك أشخاص محترفون في التزوير وهنالك عوامل ساعدت في انتشار التزوير مثل أجهزة الحواسيب كما أن هنالك جامعات مزورة ويمكن أن تعطي شهادات مزورة وأكد أن أغلب الذين يقومون بتزوير شهاداتهم هم الطلاب الذين يأتون من الخارج للدراسة كما أن أغلب الذين يمارسون جريمة التزوير هم من السودانيين وقليل من الأجانب ويستطيعون تزوير جميع الشهادات العلمية بكل مستوياتها ( دبلوم، بكالوريوس، ماجستير ودكتوراه)، ويكون هدف الطالب من تزوير الشهادة هو الاغتراب للحصول على وظيفة أفضل ومنصب عالٍ مما قلل ثقة الدول الخارجية بالشهادات الجامعية السودانية. وأكد صلاح الشيخ أنه قبل عشرين عاماً تم القبض على شبكة للتزوير متفرعة بين أماكن عدة في ولاية الخرطوم وتقوم بتزوير جميع الشهادات وزاد بقوله أن القانون قوي ولكن المحاكم تعاني من قوة الإثبات في ظل التطور التكنولوجي فهو مقيد للقاضي كما طالب صلاح بتعديل قانون التزوير على أن يواكب التطور التكنولوجي وبتطبيق أقصى عقوبة على مرتكب جريمة التزوير.