لم اهتم لأمر السيدة السودانية، المعلمة في مرحلة الأساس، التي خلعت حذاءها - قبل بضعة أسابيع - وقذفت به وجه والي النيل الأبيض، من قبيل التعبير عن رفضها ومعارضتها لسياساته. ذلك أنني حسبت في المبتدأ أن واجب التنديد بذلك السلوك المهين الشائن وإدانته مما يقع ضمن فروض الكفاية، تلك التي ينهض بها البعض وتسقط عن الآخرين. (2) شعوبنا، وخاصة في دوائرها المدينية، شعوب مقلدة. ومنذ أن قذف منتظر الزيدي فردة حذائه في وجه الرئيس جورج بوش عام 2008، ودخل بذلك الفعل التاريخ من اوسع أبوابه: باب الحذاء، ظهرت في كل البلدان العربية أعداد لا تقع تحت حصر من راشقي الأحذية، الذين (احتذوا) حذو الزيدي. وهكذا توالت أخبار الاحذية المرشوقة على رؤوس المسؤولين في العراق، وفي المغرب، وليبيا، ولبنان، ومصر، والاردن، وعدد آخر من الدول الشقيقة، حتى أقلعت الصحف عن نشر اخبارها، على اساس أنها أضحت من دارج الحياة العامة ومألوفها. وقد وقفت مؤخرا، في زاوية الكاتبة الاستاذة منى ابوزيد، عند خبر لم يكن قد نما الى علمي بعد. فحواه أن نقيب الحذائيين العرب، منتظر الزيدي نفسه، كان قد زار عاصمة غربية، وهناك تعرف عليه عراقي من مؤيدي الغزو الامريكي فخلع حذاءه، وقام اليه فضربه به ضربة، أحسبها موجعة! (3) أعود فأقول: أنني لم اهتم لأمر تلك السيدة فتركته لغيري من الكتاب الصحافيين. وكان ظني أن القانون قد أخذ مجراه بالفعل، وان المعلمة الزمت بمواجهة قاضيها الطبيعي، وحوسبت على تصرفها الأهوج، الذي يزيد من فداحته انه يصدر عن معلمة اوكلت اليها الدولة تربية النشء. غير أنني فوجئت وأنا اطالع عدد اول امس الجمعة من صحيفة (الرأي العام) بالرسالة التي بعث بها زوج المعلمة للصحيفة فنشرتها بكاملها. قرأت فلم اصدق عيني! شكر الرجل في رسالته المنشورة اولئك الافاضل الذين زاروا اسرته في منزلهم العامر ليحمدوا لزوجته السلامة. ومن بين هؤلاء بحسب رسالته، الاهل والجيران و(قيادات الحركة الاسلامية بالمحلية)! ثم توجه باللوم الى اولئك الذين خيبوا ظنه وظن اسرته فلم يقوموا بواجب بالزيارة. وعاب الزوج على اتحاد المعلمين واتحاد المرأة السودانية اصدارهما بيانين يشجبان فيهما الفعل الذي قامت به زوجته، ووصف ذلك بأنه (من العجائب). ثم أنبأنا الزوج، في تفسير بيان الادانة الصادر عن اتحاد المرأة، أن رئيسته هي في واقع الامر زوجة معتمد مدينة كوستي، الذي تربطه علاقة صداقة بالوالي. ولكن الزوج أغفل الإبانة عن امر بيان اتحاد المعلمين، كأن يكون رئيسه مثلا شقيقا لزوجة دستوري ولائي آخر مقرب لذات الوالي! (4) كان اول سؤال خطر ببالي: لماذا يحمد الحامدون لزوجته السلامة؟! اي سلامة، وهي التي خلعت حذاءها وقذفت به وجه الوالي؟ الأجدر والأولى إذن أن يحمد القوم السلامة للوالي المضروب، لا للمرأة الضاربة؟ ولكن الذي لفت انتباهي حقا هو زيارة (قيادات الحركة الاسلامية) للمعلمة ليحمدوا لها السلامة، كما جاء في الرسالة. ومن الطبيعي أن يثير ذلك عندي سؤالا ملحا. بيد أن اجابته جاءت على جناح السرعة، إذ وجدتها رابضة في فقرة متأخرة من الرسالة نفسها. الاجابة هي أن (المربية الفاضلة)، السيدة مشاعر عبد الرحمن، تشغل موقعا قياديا بارزا في تنظيم الحركة الاسلامية بكوستي، وهو موقع (أمين الفكر والثقافة)!! (5) حتى الآن ما تزال السيدة صاحبة الحذاء (معلمة) في وزارة التربية والتعليم. سبحان الله. شخصيا لو كان ابني (او ابنتي) منتظما في تلك المدرسة لتقدمت فسحبت اوراقه. أنا بالقطع لا اريد لابنائي تعليما وتربية على يد معلمة تخلع حذاءها في الاماكن العامة وتقذف به الناس، مهما كانت الاسباب. وأغلب الظن انها ما تزال ايضا (أمين الفكر والثقافة) في حركتها الاسلامية. أيجوز أن تكون الجزئية الاخيرة هي السبب في تجاوز الحكومة لمثل هذا التصرف الطائش، الذي تمجه الفطرة السليمة، وطي صفحته دون اجراء رادع؟ وارد جدا. ويجوز ايضا أن جهة ما قررت معالجة الامر (داخل البيت). وهو تعبير قرأته في رسالة الزوج، وفهمت انه يعني (البيت الحركي الاسلامي). هذا عن (البيت) ونظامه. حبا وكرامة. طيب وماذا عن الدولة وحقوقها، وقد اهدرت هيبتها هدرا؟ وماذا عن ممثليها، وقد طالتهم الاهانة، ومرغت كبرياؤهم في التراب؟! كيف يستطيع وال أن يباشر مهام الحكم في ولايته وصورة الحذاء الطائر فوق رأسه لا تفارق مخيلات رعاياه؟ مصطفى عبد العزيز البطل هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته