تأملت طفليها النائمين بعينين تكسوهما كل نظرات الأسى، قبل أن تلتحف معطفها الاسود وتغادر المنزل...توقفت امام الباب وجسدها يستقبل دفعات الهواء الباردة التي كانت في ذلك الوقت تتراقص معلنة حلول فصل الشتاء...خطت بأقدام متثاقلة نحو الاسفلت الرئيسي المواجه لمنزلها، قبل أن تدير وجهها مرة اخرى لمنزلها ولتلك النافذة تحديداً التي ينام بالقرب منها طفلاها، وهي تتذكر ذلك اليوم الذى غادر فيها زوجها حياتها تاركاً لها الاطفال لرعايتهم. لم تدر لماذا احست في تلك اللحظة برغبة ملحة في العودة لهما واحتضانهما الى الصباح، لكنها في ذات التوقيت كانت تفكر في امر آخر هو نفس السبب الذي جعلها تطرد فكرة العودة وتسرع الخطى نحو شارع جانبي في تلك المنطقة. على ركن مظلم نسبياً القت جسدها على تلك الاريكة المتهالكة التي ينام عليها الاطفال المشردون في ساعات النهار، قبل أن يتفرقوا للعمل في الليل، ولهم في ذلك قناعة وهي أن عمل الليل مكاسبه اضعاف عمل النهار-الم اقل لكم إن لهم في ذلك قناعة-..؟ لحظات اخرى مرت، قبل أن تتوقف بجوارها تلك السيارة السوداء، ويهبط منها ذلك الرجل الاشيب الفوديه صاحب القسمات الوسيمة، ليسألها وهو يتفحص جسدها بعناية: (بكم الليلة)..؟...لم تدر لماذا لم تستطع أن تنطق اي كلمة، ليفسر ذلك الوسيم السكوت ب(علامة الرضاء)، اما هي فلم تكن في حالة تسمح لها بالاعتراض.! جلست الى جواره في السيارة وقدماها ترتجفان، شعر هو بذلك فسألها بدبلوماسية: (اتشعرين بالبرد)..؟..اومأت برأسها علامة الايجاب فابتسم وهو يخرج لها سيجارة من ذلك الصندوق الانيق، لكنها استوقفته بإشارة منها، فلم يشأ أن يعكر صفو تلك الليلة، واختار المغادرة. في تمام السادسة صباحاً توقفت تلك السيارة السوداء بجوار منزلها، هبطت منها هي وعليها علامات الاعياء والتعب، بينما كانت عيناها تجولان في المكان بنظرات زائغة، اما هو فلم يحتاج لاكثر من عشر ثوان ليغادر بسيارته الفارهة المكان. تقدمت ببطء نحو الباب الرئيسي، وادارت الرتاج بأصابع منهكة، دلفت الى الداخل، وانفاسها تتصاعد بسرعة، تطلعت الى البراح الساكن، قبل أن تتجه نحو غرفة ابنائها، دفعت الباب و.....انطلقت منها صرخة عالية وهي ترى الفراش خاليا...اين ذهبا..؟...هل تم اختطافهما...هل تم قتلهما...؟...اين هما...؟ في تلك اللحظة فتحت عينيها وأحد طفليها يقوم بإيقاظها وهو يردد ببراءة: (ماما...ماذا هناك..لماذا تصرخين).! نهضت من فراشها مذعورة، تطلعت لما حولها، ثم نظرت لطفليها اللذين ارتسمت على وجهيهما كل حيرة الدنيا، اطلقت تنهيدة حارة من اعماقها قبل أن تحتضنهما وتضمهما بحب الى صدرها. نعم...لقد كان كابوساً مزعجاً ليس إلا.! شربكة أخيرة: البعض منا يحتاج للاصطدام بالكوارث في (الاحلام) وذلك حتى يتمكن من تفاديها على (ارض الواقع).!