تباينت الآراء واختلفت التسريبات حول المذكرة التصحيحية فبين قائل بأنها تعبر عن تململ مصدريها تعبيراً عن تململ عريض وسط القواعد الوسيطة بما يمكن أن يقال عنه إنه استنكار سكوتي لهيمنة نفر معروفين على المناصب العليا ومراكز القرار، ومن يقول إن المذكرة بعيدة عن ذلك كله فهي لا تتعرض للشخوص ولا للمناصب وإنما صبت تركيزها حول الممارسة والتطبيق للمشروع الإنقاذي، أو إن شئت الإسلامي، وضرورة مراجعة ذلك التطبيق وتلك الممارسة لأن حكم الإسلاميين مهدد بصورة تتطلب استنفار كل السواعد والعقول للحفاظ على مكتسبات السنين الطويلة والوفاء لمن سقط في طريقها وسبيلها من الشهداء وما سال من دماء زكية. أيا كان الهدف أو الغرض فإن قاعدة الانطلاق واحدة وتستوجب الوقفة الواعية والعين البصيرة. وبعودة للطرح الأول الذي يتحدث عن هيمنة القيادات فإنني أستبعد ذلك تماماً وذلك لأن ثقافة ومهنج الإسلاميين عموماً عدم الميل إلى تغيير قياداتهم بل إنهم يتميزون بصبر كبير على قياداتهم بل إن هذا الأمر هو إرثهم التاريخي من تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، ويمكن لنا أن نستشهد بتلك الجماعة ومرشديها على مر تاريخهم كذلك جمعية النهضة التونسية وغيرها. وفي السودان ظل الدكتور حسن الترابي يقود الإخوان المسلمين بجميع تطورات الجماعة إلى جبهة الميثاق ثم الجبهة الإسلامية ثم الحركة الإسلامية ثم المؤتمر الوطني ولعله، أي الدكتور الترابي، أول زعيم حزب ينسلخ عن حزبه ليكون حزباً آخر وهذا أمر يمكن أن تستثني فيه نتنياهو الذي إن لم يسبق الدكتور الترابي في ذلك يكون قد شاركه في فعلته. ومن الروايات القوية أن الدكتور الترابي قد سأل الرئيس البشير، غداة نجاح الحركة، كم تحتاجون من وقت للتأمين وتثبيت الأوضاع قبل أن يستلم التنظيم الحكم؟ فأجاب الرئيس البشير بأن ثلاثة أشهر تكفيهم ففاجأه الدكتور الترابي بقوله: خذوا ثلاثين عاماً. وهذه الراوية توضح من جانب الرئيس البشير زهدا أو طاعة كبيرة لقائد التنظيم الدكتور الترابي أو كليهما معاً كما أنها من جانب الدكتور الترابي توضح حرصاً تاماً لكمال التأمين وشوقاً عارماً أثبتته التجربة حيث لم تصبر القيادة السياسية على القيادة العسكرية أكثر من عامين أو ثلاثة كانت خلالها هي المهيمنة على الحراك والأحداث. ولي رأي كثيراً ما نقلته لمن لهم صلة بهم من قيادات الإنقاذ ذلك أنه في الوقت الذي يرون فيه أن خلافهم قد بدأ عام99 فإنني رأيت، وما زلت أرى أن خلافهم قد بدأ حقيقة يوم اختار الدكتور الترابي الدخول إلى كوبر حبيساً ليمارس من خلال وجوده مع القيادات السياسية محاولات الاستقطاب والتحالف دون أن يدري أن وجوده في كوبر قد فتح الباب واسعاً أمام واقع جديد في القيادة. ولا يمكن الركون أو الاطمئنان إلى أي مقولة أو رأي يذهب إلى بطء حركة الإحلال والإبدال واحتكار القيادات لمراكز السلطة والقرار إذ إن الإنقاذ ومن بعدها المؤتمر الوطني قد قدم قيادات شابة وفتح الباب أمام القيادات الوسيطة للظهور والترقي ويمكن أن نقول إن عنصر الشباب أو قيادات الصف الثاني قد كان لها نصيبا وافرا من الحضور ولا نريد أن نسمي ولكن علينا القول إن ذلك قد كان على مستويي العمل السياسي الحزبي والعمل التنفيذي بيد أنه حري بنا أن نذكر أن ذلك الأمر قد سبق الإنقاذ فيه كلا الحزبين الكبيرين في حقبة الستينيات فيما بعد اكتوبر حيث قدم الاتحادي الديمقراطي السادة موسى المبارك، ومحمد جبارة العوض ومامون سنادة وأحمد زين العابدين وقدم حزب الأمة السادة الصادق المهدي وعمر نور الدائم وأحمد إبراهيم دريج. وأواصل غداً بمشيئة الله.