عرف السودان التعليم قبل المدرسي Pre-Schooling وذلك قبل بزوغ فجر القرن المنصرم فهو زمن موغل في القدم. وكان هذا الضرب من التعليم تهيمن عليه الخلاوي يومذاك فانتشر وعمَّ القرى والحضر ونطلق عليه التعليم غير النظامي حتى ذيع صيته في عهد الخليفة عبدالله التعايشي فأصبحت البقعة (أم درمان) تحتضن خمسمائة خلوة هدفها تحفيظ القرآن وتعليم الناشئة رسم الحرف ونطق الكلمة: وعندما توطدت أقدام التعليم النظامي بالسودان (1901) سمق نجم الخلوة وأصبح لها دور رائد في إعداد الصغار لتلقي المعرفة بالمرحلة المقبلة (المدرسة الأولية يومذاك) وبمرور الأيام والسنون تضاءلت مكانتها، وخفت صوتها واندثرت معالمها عندما قويت شوكة بخت الرضا نهضت بالتعليم فلسفة وأهدافاً (1934م) فاستوى عود التعليم النظامي بالسودان وفتحت الأبواب لرياض الأطفال لتلقي أولويات المعرفة وإحداث التوافق والانسجام مع البيئة المعرفية الجديدة إلى أن أصابه من شوائب وعيوب كما تلاحقه لعنات المتاجرة والاستثمار بالمعرفة. وحتى أصبحت ألسنة النقاد تتحدث عن احتفالات التخريج البذخية التي تستغرق جيوب الآباء والأمهات وتغرس صفة الحقد الاجتماعي عند المعسرين للإيفاء بالمساهمة المادية التي ربما تزيد على الاثنين مليون جنيه (بالقديم) عند بعض الرياض. فتلحق هذه المطالبة القسرية تفرقة اجتماعية بين صغارنا يعجز معظمهم عن الفكاك منها مستقبلاً. إذا كان هدفنا الفرح التربوي التعليمي لماذا لا نقيم حفلاً متواضعاً مبسطاً داخل أروقة الروضة وليس بمكان آخر وهنا يشعر الطفل بالانتماء الأسري لمؤسسته الروضة. وتتلاشى بل تختفي الشبهة التي تدور بالرؤوس! نما إلى علمي أن هناك رياضاً للأطفال تقيم بين جدرانها المسلم والمسيحي فما هو الغرض من هذا التمازج الديني في هذه السن المبكرة؟ ألا يؤثر هذا الاختلاط الديني في السلوك الروحي لصغارنا من المسلمين؟ نأمل أن نعرف فلسفة وأهداف هذا الخلط المخيف؟ وهل وزارة التربية الاتحادية والولائية على معرفة بما يدور في ساحات ودهاليز تلك الرياض المعنية؟ وهل هذه الرياض تنهج بمناهج رياض الأطفال (التعليم قبل المدرسي) التي أعدتها الوزارة؟ الأخ دكتور عبد الرحمن أحمد الخضر والي ولاية الخرطوم. ما طرحه قلمي يدور في فُلك ولايتك فلابد أن تشهر سلاح الجد والحرص والمثابرة وتمحو هذه الآثار السالبة التي لوثت وجه التعليم بالولاية. عليك أن تكوَّن لجنة لتقييم مسار التعليم قبل المدرسي بالولاية بوضع لائحة منصفة تضبط مساره. وتحدد الرسوم المناسبة حسب واقع الروضة وما تضمه من معينات تربوية .. أوقفوا هذه الاحتفالات البذخية التي لا تنضوي تحت أي من أهداف وفلسفة ونهج التربية المعروفة عليكم بتسليط العين الساهرة لمعرفة ما يدور بهذه الرياض المستهدفة. لاشك أنك أخي الخضر ستولي هذا الأمر التربوي اهتمامك ورعايتك فقد عرفتك صادقاً أميناً منحازاً للمعسرين والضعفاء ولقبيلة المعلمين. ألا هل بلغت اللهم فاشهد آمل أن يتم ما طرحت قبل بدء العام الدراسي. حسين الخليفة الحسن * خبير تربوي