منذ أن بدأت سياسة التحرير الاقتصادي في السودان في التسعينات وقد شهدت تدهور المشاريع المروية بصورة سريعة وعلى الرغم من أن هذه السياسة كان يعول عليها كثيرا في الدفع بعجلة التنمية في هذا البلد الحبيب ولكن لأسباب كثيرة معروفة لدى الجميع لم تأت الرياح بما تشتهي السفن. لقد أصبح الهم الهاجس لكل أهل السودان هو الخروج من هذا المأزق الذي أصبح يؤثر سلبا على غالبية أهل السودان فأكثر من (70%) من سكان السودان يرتبط نشاطهم الاقتصادي بالنشاط الزراعي. وبما أن القطاع المروي يشكل صمام أمان للأمن الغذائي للسودان إن أحسن إدارته فإن كثيرا من الورش والمنتديات والمؤتمرات والتقصي للحقائق من عدد كثير من المختصين قد شهدتها الحقب المتتالية حتى إن ما جمع من توصيات وبحوث ومباحث أصبحت تنوء بها الدواليب والمكاتب الكبيرة، وعلى الرغم من هذا الجهد الذي بذل من المختصين والحادبين والمخلصين فإن هذه التوصيات أصبحت في عداد المنسيات لا يرجع إليها المسئولون أو الغافلون بل ظهر على الساحة من يريد أن يأتي بجديد حتى وإن لم تسعفه التجربة بما يفيد، هؤلاء يريدون القفز على الحقائق وطمس الطريق وهذا الجهد المخلص للذين سكبوا عصارة جهدهم في حقول المزارعين وأخرجوا لنا أفكارا نهتدي بها للخروج من مأزق إفرازات السياسات الجديدة، لماذا نتجاهل تجارب الباحثين ومخرجاتهم من التقانات العلمية؟ ولماذا نلهث خلف كل جديد حتى لو أدى لهدم الأصول والبنيات التحتية؟ إن الذين يديرون مثل هذه السياسة الهدامة لن يجنوا منها سوى الحسرة والندامة فالسودان محفوظ بدعوات أهله وآبائه الصالحين الذين أسسوا صرح الحرية وشيدوا بدمائهم أنماطا للديمقراطية والعسكرية فكانت هذه المشاريع العملاقة التي سيظل عطاؤها دائما مهما غدر الزمان وجار عليها كيد الشيطان. إلى متى نظل نحن غافلين؟ ألا يكفي ما جاء به الزيف والبهتان ؟ لماذا لا تكون السياسة جلية ساطعة كنور الشمس البهية ؟ سياسة تجذب الكل نحو العمل بإخلاص ونوايا صادقة نقية؟ شراكة بعين الله مرعية بعيدة عن الظلم والإقصاء وألمعية، شراكة تعيد للمزارع وضعه الطبيعي داخل الحقل وأسرته، شراكة تؤمن للمزارع كرامته وعزته، شراكة تؤمن للمزارع في يسر معيناته ومدخلاته، شراكة تؤمن لكل عامل إسهامه ودوره في خطط التنمية وتحفظ له هيبته، شراكة تؤمن للسودان غذاءه والخروج به من محنته، شراكة تزيد صادارات السودان، شراكة بها نمزق فواتير العجز في الميزان. مشروع الجزيرة وحده يكفي لجذب الاستثمارات والنهوض بما يكفي لإنتاج الغذاء وزيادة المدخرات. فالخبرة عند المزارع والعامل مشهودة، والمياه العذبة تنساب نحو الزرع في يسر وسهولة، ولكن أين الآن الإدارات ذات الخبرة المصقولة؟ وأين المزراع الآن ودور الدولة مشغولة؟ إلى متى نظل غافلين؟ إلى متى نتباكى ونذرف دمع العيون؟ آن الأوان لطرد الشيطان الملعون ونفتح صفحة نقية مع الرحمن؟ إن مشاريعنا المروية الآن تحتاج وقفة صادقة فالاستثمارات العربية والأجنبية تتدفق بعون الله ويجب علينا أن نوظفها توظيفا صادقا أمينا، علينا وضع الثوابت التي لا تسمح لأحد أن يحيد أو يتلاعب بها، وعلينيا بالتقارير الحقيقية التي تعكس الواقع الذي يمكن تدراكه، وعلينا ببث الروح الوطنية في الجميع ووضع اللبنات لبناء صرح جديد وعهد صادق سديد، هذه المشاريع يجب أن تظل قومية لجميع أهل السودان، وضرورة وضع الأطر القانونية للمحافظة عليها وعلى عطائها مهما جار الزمان، والدولة هي الراعية لهذا الإرث القومي وعليها أن تحميه كما تحمي الثغور والوديان وعليها أن تسنده كما تسند قوات الشعب النظامية في الميدان، ويا قيادات المزارعين وقواعدهم عليكم بتحمل المسئولية كاملة لمن يريد أن يتقدم الصفوف وعليكم توحيد الصف والهدف والوقوف مع السياسات الرشيدة الهادفة الشفافة التي تؤمن صمود هذا البلد الحبيب، وإياكم والشعراء الغاوين الذين هم في كل واد يهيمون ويقولون ما لا يفعلون.