إن حصة السودان من مياه النيل تزيد على 18.5 مليارم3 قبل قيام دولة الجنوب وأنها تكفي لزراعة ما يزيد على 6.5 ملايين فدان بمحاصيل مختلفة وأن المياه الجوفية والمخزونة في باطن الارض والتي لم يتم حصرها بالصورة الدقيقة تعتبر مخزونا استراتيجيا احتياطيا يكفي لحلحلة كل مشاكل غذاء أهل السودان ومن حولنا العالم العربي، هذه المساحات الزراعية التي تروى ريا انسيابيا سطحيا إلى متى نظل ننتظر لنصبح سلة للغذاء والكساء والدواء؟ . إلى متى نظل نرسم في الخيال ونكثر من الاقوال دون أفعال, نتكلم عن خطط إستراتيجية ورؤى ذات ابعاد اقتصادية ورسالات لها مدلولات إيجابية ولكن عند التطبيق على ارض الواقع غير مرئية؟، ما هو الفرق بين ما نقوله اليوم وما قلناه بالامس عن النهضة والنفرة الزراعية الشاملة؟ فالكلمات والمقالات والخطط والطموحات هي نفسها بل وحتى اللجان والرؤساء والوزراء، إننا للاسف الشديد حكمنا على مشاريعنا المروية بالإعدام مع وقف التنفيذ حتى تموت ببطء شديد على الرغم من هذه القروض الدولية التي تعمل في اعادة البنيات التحتية، كم يا ترى اصبحت ديون السودان فيما يتعلق بالزراعة..؟ إن الخطط الخمسية والعشرية والإسعافية والاموال التي تدفقت للنهوض بهذه المشاريع كانت كفيلة بأن تعيد لهذه المشاريع إسهامها في الناتج القومي، إن مشاريع الجزيرة، الرهد, حلفا , السوكي , النيل الابيض والازرق هذه المشاريع هي ارض المعركة الحقيقية لنهضة السودان الاقتصادية الكبرى، هذه المشاريع التي قامت بها منشآت وبيئات ضخمة, مدن وقرى لا تخفى إلا على مكابر, هذه المشاريع التي تخرج ابناؤها من الجامعات وتبأوا مواقعهم في مرافق الدولة المختلفة، الا يشفع لهذه المشاريع أن نضحي من اجلها, ومن اجل أن تنهض بالصورة الصحيحة التي بها نؤمن غذاءنا وصادراتنا ؟ إن هذه المشاريع لا تحتاج إلى شركات استراتيجية فهي اكبر من ذلك وتجربة شركة كنانة ومشتقاتها (كياس) ليست ببعيدة فهذه الشركة ذات خبرة عالمية مشهود لها ولكنها فشلت في ادارة هذه المشاريع التي جاءت لإنقاذها بل لم تنجح في إنتاج اي من المحاصيل التي قامت بزراعتها (فول سوداني، ذرة شامية, زهرة شمس ,ذرة..........الخ)، اين كان خبراءها الاستراتيجيون؟ واين كان علماؤهم البارزون؟، بل اين ذهبت الاموال التي صرفت بلا حساب وبلا عيون...؟ لماذا لم نأخذ مأخذ الجد محاذير الإعلاميين؟، (الحاج الشكري وآخرين) نتفحص هذه الشركات التي تجيء او تدخل علينا وكأنها من كواكب اخرى؟يتحدثون ويتخاطبون بلغة اجنبية بها فقط لبعضهم يتفاهمون اما عن لغتنا العربية فهم عنها مستغنون فكيف لمثل هؤلاء أن ينجحوا؟ إن الشركات الحقيقية المطلوبة للنهوض بهذه المشاريع هي شراكات مع المزارعين وضرورة إبعاد السياسة عن هذه الشراكات، شراكة تجارية بحتة ذات عائد اقتصادي واجتماعي مطلوب لهذه الشركات الخبرة العلمية فالسودان مليء بالشهادات العلمية المشهود لها، نريد من الذين يديرون هذه الملفات أن يحكموا العمل ويوثقوا الوثاق ويعرفوا " التقنت الحربي وسد النص الشلالي والجراية وابو ستة والإنقاية" ويعرفوا كل جديد من تقانات علمية ويعرفوا كيف ينهضون بأمر هذه الزراعة. أما عن هؤلاء الذين يريدون نظم الزراعة الحديثة والري الحديث فأرض السودان البكر واسعة عليهم بالمشاريع الصغيرة كما هو حول الخرطوم وكثير من الولايات بالسودان، نريد منافسة بين القديم والجديد والإسهام في نهضة زراعية شاملة ولا نريد هدم الصرح القديم فهو الباقي لكل اجيال السودان القادمة الذين سيضحون بدمائهم إن هم أتيحت لهم فرص العمل داخل هذه المشاريع، هذه المشاريع ذات تكلفة انتاجية تقل كثيرا عن هذه التي يتحدثون عنها (ري حديث – رش- تنقيط -حسب الحاجة- تحت الارض – طلمبات رافعة – انابيب مختلفة .....الخ) هذه تصلح لمساحات ليست كمساحات مشروع الجزيرة والمشاريع الاخرى ذات المساحات الكبيرة، ونريد أن نذكر مما صرفته الدولة من تدريب لهذا المزارع في هذه المشاريع المروية ومما صرفته على العاملين من تدريب وشهادات عليا أيترك كل هذا يذهب سدى ؟، (الارشاد القومي – التنمية الريفية – مدارس المزارعين – المكافحة المتكاملة – التدريب وزيادة جمعيات المنتجين ومستخدمي المياه كل هذا يصب في تأهيل الكل لاستيعاب المتغيرات والتحولات الإيجابية. إن على الدولة بعد رسم الخطط الجادة والارادة الصادقة أن تتابع استراتيجية تمويلها الذي تصل به إلى اهدافها المخطط لها، وعليها أن تشرف بخبرائها على كل صغيرة وكبيرة عن قرب وليس من بعد، نريد تقارير تتحدث عن الانحرافات والسلبيات والمعالجات المطلوبة . اما التقارير التي تتحدث عن الابداع الخلاق والاشادة والحوافز والمكافآت فاجعلوها في آخر الموسم، وعلى المزارعين وجمعياتهم واتحاداتهم تكريس العمل الداخلي ,(داخل الحقول)، نريد منهم موسما يضحون به مع قواعدهم ومشاركة ادارتهم حتى نخرج الموسم الزراعي ناجحا بعون الله إن صدقت النوايا واحسن العمل وأحكم التنفيذ.