أذكر في زيارة كنا قمنا بها إلى مشروع الجزيرة كانت بمناسبة احتفال أقامته شركة السودان للأقطان لبيع الأقطان من المزارعين بالغيط وتسليمهم المبالغ فوراً، وذلك على خلاف ما كان معتاداً حيث يتم تسليم المزارعين عائد الأقطان بعد بيع الصادر عالمياً، أي أن المزارع كان ينتظر عاماً كاملاً. في هذا الاحتفال الذي كان مشهوداً وبحضور كافة الجهات ذات الصلة بما فيهم المزارعون، تغنى الفنان طرباً بتوزيع (القروش) بعد أن ابتهج المزارعون وهم يتسلمون عائد أقطانهم، الفنان أدهش الحضور عندما غنى للقطن و(للقروش) حينما قال: نزرع القطن اللقاوة ونفرح أولادنا بالحلاوة الكلمات كانت تؤكد أن القطن هو سيد المزرعة على شاكلة سيد المائدة مقارنة بالمحاصيل الأخرى التي كانت تعتمد عليه حيث يتم التحضير والزراعة من عائد الأقطان بالإضافة إلى زرع الابتسامة في (شفاه) أطفال المزارع عندما يتم توزيع الحلوى عليهم، هذه الحلوى أيضاً يتم شراؤها من عائد الأقطان وكذلك كل مستلزمات الأولاد المدرسية والمنزلية. فما دام القطن كذلك، لماذا تقلصت مساحته وبات مهدداً بالانقراض؟ لتأتي محاصيل أخرى بديلة لا تسمن ولا تغني من جوع، فمشروع الجزيرة عندما أسس كان مصمماً لزراعة القطن كمحصول رئيسي. في الجزيرة نزرع قطنا نزرع نتيرب نحقق أملنا فتحقيق الآمال تم ربطه بزراعة القطن ليأتي استكمالاً للكلمات التي تقول: نفرح أولادنا بالحلاوة ونزرع القطن اللقاوة وتاريخياً فإن مشروع الزيداب بولاية نهر النيل كان من أوائل المشاريع التي بدأت زراعة القطن في السودان إلا أنه هو الآخر مات كما ماتت بقية المشاريع الأخرى واندثرت وفقاً لذلك زراعته ونسي مزارعو الزيداب القطن وزراعته بعد أن تم إقناعهم بعدم جدوى زراعته. وهناك طرفة تحكى والعهدة على الراوي أن أحد مزارعي الزيداب كان مهموماً جداً بضرورة الاستدامة في زراعة القطن وحاول بشتى الطرق إقناع المزارعين هناك بأهمية القطن وعندما علمت الجهات ذات المصلحة في عدم زراعة القطن نادته وأقنعته بعدم الزراعة. هذا المزارع خرج (مبسوطاً) من الاجتماع وقال للمجتمعين بعد أن حمل (حذاءه) في يده.. (حلّفتكم بالله كان مُتَّ قطن في عيوني ما تسوهوا لي). هكذا مات القطن الذي يعتبر من المحاصيل ذات العائد النقدي والمربح للمزارع ليترك مليون تساؤل عن من المسؤول عن موته واندثاره والبلاد في أمسّ الحاجة للعائد من العملات الحرة؟ هل هي السياسات المتضاربة؟ أم ارتفاع تكلفة إنتاجه؟ فالسودان رويداً رويداً بدأ يفقد أسواقه العالمية وخرج من سوق القطن العالمي بعد أن كنا نحن الأوائل في أوروبا وآسيا وكل دول العالم. كانت تأتينا الوفود وضيوف القطن من شتى أنحاء العالم، تأتي قبيل عمليات الجني لتقف بنفسها على الزراعة والمنتج ثم بعد ذلك تحدد الكمية التي تريد. كان الإنتاج يتم بيعه قبل الجني أي أن المزارع في الحقل يكتب على ساقه سواء أكان طويلاً أم قصيراً أم حتى أكالا ونور يكتب عليه (محجوز)، فحتى المصانع المحلية كانت تتضجر لأن كمياتها المحجوزة تصدر خارجياً. المشاريع الآن كما قلت أصبحت تزرع بمحاصيل لا تسمن ولا تغني من جوع، محاصيل تزرع من أجل الحفاظ على التربة، فهل مثلاً يستقيم الأمر عندما نزرع بمشروع مثل مشروع الجزيرة (البصل) و(زهرة الشمس)؟ وإذا زرعنا البصل بالجزيرة فماذا سنزرع بقاش كسلا ونهر النيل؟ فكسلا وحدها يمكنها أن تغذي كل أهل السودان (بالبصل) ناهيك عن نهر النيل، كيف نزرع الطماطم بالجزيرة ومشاريع ولاية الخرطوم مؤهلة للطماطم؟ فمشروع الجزيرة بحاجة إلى سياسات شجاعة تخرجه من بؤرة محنته، فغرفة إنجاح الموسم وحدها لا تكفي إذا لم تساندها قوى أخرى، فلا بد من تكامل السياسات.