الحياد التركي الباكستاني ... الأسباب والمآلات لواء مهندس ركن م أمين إسماعيل مجذوب عندما بدأت المملكة العربية السعودية تنفيذ الضربات الجوية لعاصفة الحزم ضد جماعة الحوثيين ومؤيدي علي عبدالله صالح في اليمن ، دفاعاً عن الشرعية واستجابة لنداء الرئيس هادي ، كانت الرؤية الاستراتيجية لهذه الحملة أنها دفاعاً عن السنة والأراضي المقدسة ، ضد العدو المشترك داخل اليمن المسنود بدعم آيديولوجي شيعي، ولوجستي عسكري إيراني ، وفي حساب المخطط الإستراتيجي أن تلك الرؤية ستجد الدعم والمساندة من دول الخليج والدول العربية من جانب وقد كان ذلك حاضراً منذ الساعات الأولى، ومن جانب آخر الدول الإسلامية السنية التي تتمتع بعلاقات تاريخية مع السعودية ودول الخليج ، اقتصادياً واجتماعياً ودعم لاتتخطاه العين في كل الأزمات والملمات . زار رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف الرياض في الأسبوع الأول للحملة وألتقى خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز، وصرح بدعمهم اللامحدود للمملكة في حملتها ضد الخارجين عن الشرعية في اليمن وأن باكستان في خندق واحد مع الإخوة في السعودية دفاعاً عن حدود المملكة والأراضي المقدسة ودعماً للقيادة الشرعية في اليمن، وكذلك كانت تصريحات رجب طيب أردوغان تصب في ذات الاتجاه مع رفضهم للتحركات الإيرانية التوسعية في المنطقة ووقوفهم مع المملكة السعودية في كل الأحوال وحسب تطورات عاصفة الحزم . فتح تصويت أعضاء البرلمان الباكستاني بالتزام الحياد تجاه الأزمة اليمنية، الجمعة 10 إبريل الجاري، الباب أمام التكهنات والتأويلات بشأن أسباب هذا الموقف، خاصة أنه تزامن مع زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، إلى إسلام آباد، ولقائه رئيس الأركان الباكستاني الجنرال رحيل شريف ، وهو لقاء غير معتاد يجمع بين وزير خارجية وقائد جيش ، وصوت أعضاء مجلس البرلمان الوطني الباكستاني، على ضرورة تقديم الدعم الدبلوماسي والسياسي للسعودية، دون المشاركة عسكرياً في عاصفة الحزم، مؤكدين على ضرورة الحفاظ على سيادة وسلامة المملكة، حال تعرضها لما يهدد أمنها ووحدة أراضيها، وخلق إعلان باكستان تأييدها للعملية العسكرية في اليمن منذ انطلاقها في 26 مارس الماضي، انطباعا بأن ثمة احتمالات لمشاركة القوات الباكستانية في مهام محددة، ربما تتركز في التدخل البري. الموقف الباكستاني أحدث تحولاً حول إمكانية تأثيره السلبي على التحالف العربي، في مقابل احتمال تفسيره على أنه جاء بناء على ضغوط إيرانية، وبالتالي يمنح إيران وحلفاءها شعورا بأنهم يمتلكون أوراق ضغط، فضلاً عن غموض الدور التركي، وعدا ذلك، تؤدي قوات التحالف العربي مهامها بنجاح ، ربما في انتظار مبادرات سياسية تلبي الغرض الحقيقي من وراء الحملة العسكرية التي انطلقت في الأساس لإعادة الشرعية التي سلبتها جماعة الحوثي، ودعوة جميع الأطراف اليمنية إلى الحوار في ظل موازين قوة جديدة ، ونرى إن كانت دول التحالف العربي قد خططت على دور باكستاني عسكري، خاصة في الحرب البرية التي تحتاج لقوات متمرسة على القتال في المناطق الجبلية الباردة ، وهذا أصبح مستبعداً حالياً ، فإن ذلك ربما يلقي بظلاله على طبيعة العلاقات العربية – الباكستانية على مستويات عديدة وبدون تفسيرات باكستانية مقنعة ومقبولة، فإن أزمة محتملة ربما تحدث في منظومة تلك العلاقات، خاصة مع السعودية ودول الخليج . تركيا أكدت أنها لن تقوم بأي دور عسكري مباشر في العملية الدائرة في اليمن، ويعود ذلك ربما لعدة اعتبارات منها الميل التركي للمقاربات والحلول السياسية، وأيضاً لطبيعة العلاقات التي تحكم تركيا مع الجهات المعارضة للحملة العسكرية وتحديداً روسياوإيران، كما أن هناك عاملا زمنياً يجعل تركيا المقبلة على انتخابات برلمانية بعد ثلاثة أشهر تنأى بنفسها عن فتح جبهة داخلية غير معروف ردود أفعالها المختلفة، هنالك عامل آخر أيضاً يتعلق بالرأي العام التركي الذي يعارض قسم كبير منه التدخل العسكري في سورياوالعراق، ومن المؤكد أن قسماً أكبر سيعارض التدخل في اليمن بعد أن ينظر إلى ثلاثة آلاف كيلومتر تفصل بين أنقرة وصنعاء متسائلاً عن كيف ولماذا التدخل في اليمن؟ وماهي عوامل الربح والخسارة ؟ وعين تركيا على موقف الاتحاد الأوروبي وتعامله مع هذا الملف على ضوء العلاقات والمصالح المتشابكة مع السعودية من جانب، وإيران من الجانب الآخر . لايتوقع وفقاً للقراءة الواقعية للموقف التركي أن يتطور لتدخل عسكري مباشر، وبحسب تطورات الأوضاع وردود الفعل الدولية والإقليمية فإن الموقف التركي سيعيد التمترس حول نفس رؤيته وإن كان يرجح الحلول والمسارات السياسية، وهذا ما يجعل تركيا تؤكد باستمرار أنها لا تريد للأمور أن تصل لحرب إقليمية طائفية ، وقد أكد وزير الخارجية التركي أن تركيا لا تريد ذلك ولم تدعم أي طرف من منطلق طائفي ولن تدعم أي صراع سني شيعي في المنطقة ، لكنها ستتخذ الموقف السياسي الذي تعتقد أنه يقود لتوازن إقليمي يحقق مصالحها بشكل أكبر، قد دعمت تركيا الموقف السعودي وعينها على ما يجري في سورياوالعراق ، وهي تدرك أن إيران عامل مشترك في هذه الساحات ، وبالتأكيد فإنه مع إعلان السعودية سماء اليمن منطقة حظر للطيران سيتبادر للذهن مباشرة منطقة حظر الطيران والمنطقة الآمنة التي تنادي بها تركيا على حدودها مع سوريا . احتمال التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والغرب هنالك من يرى أن هذا الاتفاق سينقل العلاقات الاقتصادية بين إيرانوتركيا إلى مرحلة جديدة خاصة بعد أن تحولت تركيا إلى ممر دولي لأنابيب النفط والغاز، وهو ما يراهن عليه البلدان في رفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى أربعين مليار دولار في السنوات القليلة المقبلة ، إلى جانب البعد الاقتصادي فإن ثمة اتفاقا ضمنيا بين البلدين على عدم السماح بإقامة دولة كردية مستقلة في المنطقة ، فالبلدان تدركان أن إقامة دولة كردية مستقلة في أي جزء من الأجزاء التي يقيم الأكراد فيها ( العراق- إيران- تركيا- سوريا ) ستنعكس لاحقا على بقية الدول وحدودها التي رسمتها الاتفاقيات الدولية فضلاً عن تأثيراتها الاجتماعية والأمنية والاقتصادية ، وعليه فإن التنسيق التركي الإيراني بهذا الخصوص ستظل له قيمة استراتيجية مهما تفاقمت الخلافات بينهما . ردود الفعل العربية والسعودية والخليجية أعلنت عن خيبة الأمل إزاء الموقفين الباكستاني والتركي اللذين ذهبا إلى الحياد في الصراع اليمني ، ووُصف موقف الدولتين الهامتين بأنه لا يتسق مع التوجه الدولي والعربي والإسلامي ، الذي استبشرت به الشعوب خيرا من أجل دعم الشرعية في اليمن وترسيخ الأمن والسلم في الوطن العربي والإسلامي ، كذلك استقبلت الشعوب الإسلامية خبر مشاركة باكستان ضمن تحالف عاصفة الحزم بالتفاؤل والحماس على أمل استمرار تشكيل قوة عربية وإسلامية تقف مع الحق ضد كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات الشعوب العربية والإسلامية ، وتعمل من أجل الأمن والسلام في العالم أجمع ، إلا أن قرار البرلمان الباكستاني الأخير جاء صادماً للشعب العربي والإسلامي ومخيباً للآمال، باكستان مطالبة بموقف واضح لصالح علاقاتها الاستراتيجية مع دول الخليج العربي، و المواقف المتناقضة والملتبسة في هذا الأمر المصيري يكلف إسلام آباد غالياً، وذات الأمر ينطبق على تركيا التي تمتلك مصالح اقتصادية مع دول مجلس التعاون الخليجي، والميزان التجاري بينهما يصل إلى 30 مليار دولار سنوياً . ما يرجح الكفة الآن هو المصالح الاقتصادية، والتوازنات السياسية، والحياد موقف يحفظ للجميع الإمساك بالأوراق حتى نهاية المخاض في الشرق الأوسط ، إذاً الصراع صراع أفيال من الوزن المتوسط ، والأفيال ذات الوزن الثقيل تراقب لتتدخل وفقاً لمصالحها ، ومن يموت هي الحشائش ، والحشائش هنا شعب اليمن الشقي وليس السعيد. .