رغم التحذيرات لم يفعل شيء المعاليا والرزيقات... قصص دماء على وديان "أبوكارنكا"...! تقرير: خالد احمد أمس الأول، غابت الحكمة عن سماء شرق دارفور ونُزعت الرحمة لينهمر بعدها رصاص كثيف جعل البلاد كلها موشَّحة بالسواد والحزن لهذه الدماء السودانية التي أُزهقت في تجدد للقتال بين قبيلة الرزيقات والمعاليا، ليسقط على تخوم منطقة أبوكارنكا ما يزيد عن مائة قتيل وعشرات الجرحى وشردت عشرات الأسر. انجلى بالأمس غبار المعركة وبدأت الأطراف في جمع أطرافها لنكتشف حجم ما جرى من قتل ودمار، ورغم التحذيرات التي نُشرت في الصحف والإعلام، وعلم والي الولاية عن الحشود والاحتقان القبلي، إلا أن السلطات هناك وقفت متفرجة لم تفعل ما هو ممكن وبعض المستحيل لإيقاف هذه المواجهات التي ستشعل مزيداً من النيران. السلطة الإقليميَّة... تحرك للمساعدات الإنسانية بعد أن "وقع الفاس بالرأس"، وصل أمس فريق من الحكومة الاتحادية، إلى عاصمة ولاية شرق دارفور الضعين، للتحقيق في تجدّد المواجهات بين الرزيقات والمعاليا، التي أسفرت عن مقتل وإصابة المئات، بينما شكّلت السلطة الإقليمية لدارفور لجنة لمعالجة الموقف الإنساني في "أبوكارنكا"، انتقلت إلى مسرح الأحداث. وأعربت السلطة الإقليمية لدارفور، عن بالغ أسفها للمواجهات العسكرية الدامية التي اندلعت يوم الإثنين بين قبيلتي المعاليا والرزيقات بشرق دارفور، والتي راح ضحيتها المئات من القتلى والجرحى من الطرفين. وشدّد رئيس السلطة التيجاني سيسي في تصريحات صحفية بحسب سودان تربيون عقب اجتماع مجلس السلطة الثلاثاء، على أهمية بسط هيبة الدولة بجانب نزع السلاح المنتشر في أيدي الأهالي في الإقليم، باعتباره بات مهدِّداً للأمن في دارفور، وناشد طرفي القتال بضبط النفس وتحكيم صوت العقل، وحل القضايا المختلف حولها بالطرق السلمية. وقال سيسي، إن السلطة قررت تشكيل لجنة لمعالجة الموقف الإنساني في محلية "أبوكارنكا"، بالتنسيق مع السلطات الاتحادية للانتقال لمسرح الأحداث. إلى ذلك، وصلت لجنة تحقيق اتحادية مشكّلة من قيادات أمنية وعسكرية صباح الثلاثاء، طبقاً لموقع "سودان تربيون"، إلى الضعين، ودخلت في اجتماع مطوّل مع لجنة أمن الولاية، في محاولة لتدارك الموقف، حيث بدأت الحكومة ترتيبات لإرسال تعزيزات عسكرية ضخمة للحيلولة دون تجدد القتال بين الطرفين. اجتماع الجيش... التدخل للحسم في ذات سياق التحركات الحكومية التأم بالقيادة العامة للقوات المسلحة اجتماعٌ موسع لقادة أركان الجيش برئاسة القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية المشير عمر البشير، وحضور وزير الدفاع الوطني الفرق أول عبد الرحيم محمد حسين، طبقاً ل(جيشنا) للرسائل الإخبارية العاجلة؛ فإن قادة القوات المسلحة قدموا التهنئة للرئيس البشير بمناسبة فوزه في الانتخابات وقد ثمن رئيس الجمهورية المشير البشير دور القوات المسلحة والقوات النظامية الاأخرى في كسر شوكة التمرد وبسط الاستقرار في كافة ربوع البلاد، فيما عقد النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق بكري حسن صالح اجتماعاً "طارئاً" و"مغلقاً" ضم وزيرا الدفاع والداخلية والمدير العام لجهاز الأمن والمخابرات لبحث تداعيات المواجهات القبلية بدارفور، إلى ذلك قال مساعد رئيس الجمهورية ونائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب أ.د. إبراهيم غندور أن النزاع القبلي بين "المعاليا والرزيقات" يتابعه رئيس الجمهورية شخصياً وتتابعه لجنة عليا برئاسة النائب الأول أشرفت على مؤتمر "مروي" للصلح، وقال غندور في تصريحات صحفية محدودة بالمركز العام للمؤتمر الوطني "أمس" أن النائب الأول لرئيس الجمهورية يتابع الأمر ومعه لجنة وزراء الدفاع والداخلية وجهاز الأمن، وكشف عن إجراءات احترازية قال أن اللجنة اتخذتها قبل وقوع الاشتباكات الأخيرة مما خَفَّف من أمرها، وقال أن الأمانة المعنية بولاية شرق دارفور في المؤتمر الوطني ظلت هناك لأكثر من شهر ولعبت دوراً في تخفيف الاحتكاكات، وقال أن هناك وفداً سياسياً شعبياً سيغادر للولاية لإنهاء هذه الاختلافات. وحول الاتهامات الموجهة لبعض الوزراء بالمركز ووقوفهم خلف تأجيج الصراع، قال غندور "من لديه دليل فهذا مدعاة لأقصى أنواع المحاسبة، ولكننا لا ننساق وراء اتهامات لا أسانيد لها". أبوكارنكا وعديل.. آخر الأوضاع الأخبار الواردة من منطقة الضعين وأبوكارنكا تقول أن الأوضاع قد هدأت، وأن الطرفين بدءا في دفن القتلى وتطييب الجراح، ويقول رئيس شورى المعاليا الشيخ مردس جمعة أن الأوضاع هدأت مشيراً إلى أن الهجوم الذي تم عليهم تم بأسلحة ثقيلة مطالباً في حديث ل(السوداني) بتكوين لجنة تحقيق والقبض على الجناة والمحرضين على القتال. فيما قالت الخبيرة بالشأن الدارفوري مريم تكس أن عوامل الصراع كثيرة، ولكن ما يزيد من صعوبتها غياب مؤسسات الدولة وأجهزتها العدلية في تلك المناطق حتى يختصم إليها الناس، بالإضافة لوجود سلاح لدى المواطنين، وأضافت في حديث ل(السوداني) "السلطات غائبة بشكل كامل على الأرض" ومطالبة بفرض هيبة الدولة وبتدخل رئاسي لإيجاد حل لهذه الصراعات. ورأس والي شرق دارفور، الطيب عبد الكريم اجتماعاً طارئاً للجنة أمن الولاية، لبحث تداعيات الموقف واتخاذ السلطات الحكومية إجراءات فورية وحاسمة لوقف القتال. وتقول الأخبار أن الاشتباكات وقعت في ثلاث مناطق وهي عديلة وأبو كارنكا وكليكلي أبو سلامة بولاية شرق دارفور "ولكن مدينة الضعين عاصمة الولاية شهدت حالة توتر للتخوف من نقل الصراع القبلي إليها حيث ما تزال المحلات التجارية مغلقة، وهنالك ترقب كبير لما سيحدث لاحقاً. اليوناميد.. قلق من تجدد القتال فيما قالت بعثة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور "يوناميد"، أنها تشعر بالقلق إزاء تصاعد التوتّر بين قبيلتي الرزيقات والمعاليا، وحثت زعماء وأعضاء القبيلتين على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والانخراط في حوار مُجدٍ من شأنه تسوية الخلاف. وقالت البعثة إنها عازمة على مواصلة جهودها في حماية المدنيين المتأثّرين، وتسهيل ودعم جميع الجهود التي تبذلها الحكومة السودانية والإدارة الأهلية وزعماء القبيلتين وغيرهم من الشركاء، لنزع فتيل التوتر والتوصل إلى المصالحة بين قبيلتي المعاليا والرزيقات بما يتماشى مع تفويضها. أجراس الإنذار.. لم يسمعها أحد صحف الخرطوم قبل أيام تنقل في الأخبار بأن هنالك حشوداً بين القبيلتين، ووالي الولاية قال أنه سينشر قوات عازلة ولكن كل ذلك لم يحيل دون وقوع المعارك بين الطرفين بسبب نزاع حول تبعية منطقتي "عديلة وأبوكارنكا"، وتأتي التوترات الجديدة عقب رفض قبيلة المعاليا التوقيع على مؤتمر صلح "مروي" الذي عُقد بين الطرفين بحجة ورود فقرة بوثيقة التصالح تنص على تبعية مناطق "عديلة وأبوكارنكا" التي تقطنها القبيلة لنظارة الرزيقات، لكن حكومة الولاية نشرت قوات عازلة ووضعت ترتيباتها لمنع تجدد العنف. والي شرق دارفور العقيد الطيب عبد الكريم قال أن حكومته نشرت قوات عازلة بين الطرفان للحيلولة دون وقوع اقتتال قبلي، وكشف عن تشكيل غرفة طوارئ من الأجهزة النظامية (القوات المسلحة والشرطة وقيادات الإدارة الأهلية باشرت اتصالاتها بالأطراف لمنع حدوث اشتباكات مسلحة، وأضاف "نشرنا قوات عازلة بين الطرفين ولا زالت ترتيباتنا مستمرة لنشر مزيد من القوات المسلحة والشرطة بين الطرفين" وأمسك عبد الكريم عن عدد القوات العازلة، مشيراً إلى أنهم شكلوا لجاناً للتهدئة باشرت اتصالاتها بالأطراف ووجدت استجابة من الإدارات الأهلية للقبيلتين" وناشد عبد الكريم قيادات الطرفين بالاحتكام لصوت العقل والكف عن الدخول في الحرب، ومضى قائلاً "كفانا احتراب واقتتال والسودان محتاج لأبنائه للدفاع عنه"، واحتشدت قبل أيام الآلاف من المسلحين، وسط مخاوف من تجدد الاشتباكات بين القبيلتين. خلفية الصراع... الموت المجان صراع تاريخي بين قبيلة الرزيقات والمعاليا حول الأحقية في الأرض، وعقدت العديد من مؤتمرات الصلح وكانت في السابق تحدث مواجهات ولكن الأسلحة المستخدمة خفيفة فينتج عنها ضحايا ولكن بأعداد قليلة، ولكن اليوم الصراع تحول حيث أصبحت تستخدم في المعارك أسلحة ثقيلة تؤدي لإحداث أضرار كبيرة وأعداد القتلى في تزايد. "البسطاء هم من يُقتلون في الحرب، ولم تسجل دفاتر الموتى اسم لوزير أو برلماني في قوائم الضحايا"، هكذا يقول العمدة محمد بناني ل(السوداني) ويؤكد على أن الأرض والماء من أكبر الأسباب التي أدت لتزايد الصراعات القبلية، مشيراً إلى أن الحواكير في دارفور والسودان امتلكتها القبائل في هجراتها المختلفة، وقتها خاضت حروبا إلى أن تشكلت فيما بعد وعرفت بالديار وهي حق تاريخي، ورغم تسميتها بأسماء القبائل إلا أن العيش فيها للجميع، وأضاف "90% من الصراعات تدور حول الأرض"، وأرجع بناني في إفادة سابقة ل(السوداني) أسباب فشل مؤتمرات الصلح إلى غياب آليات التنفيذ لمقررات تلك المؤتمرات، بالإضافة إلى الطموحات غير المحدودة لبعض الأطراف القَبَلية؛ فما إن تقع مشكلة قبلية يحصلون فيها على مكاسب نتيجة للتنازلات التي تُقدم ويحكم بها الأجاويد بين الأطراف إلا ويسعون للحصول على مزيد من المكاسب؛ فمثلاً الحصول على محلية أو وحدة إدراية ومن ثم المطالبة بنظارة في ديار مكونات قبلية أخرى وهذا يخلق مشكلة، فيما يقول القيادي على حسين دوسة، الذي تبنى في حملتة الانتخابية السابقة مؤتمر عام لقبائل دارفور يعالج جذور الصراعات القبلية ووقف الحروب، ويقول دوسة ل(السوداني) أن فشل مؤتمرات الصلح يعود إلى عدم مناقشة جذور المشكلة، وعليه ليس من بدٍّ سوى تحكيم صوت العقل والتعامل بواقعية وعدم استغلال القضايا سياسياً ومراعاة حرمة الدماء، وواجب النخب أن تدير صراعاتها بعيداً عن القبائل. صحفيون... عندما يتقاسمون الحزن أصعب المشاهد كانت بالأمس حينما تقاسمت الصحافة الحزن مع زملاء توزعوا بين القبيلتين ولكنهم اشتركوا في المصاب؛ فالزميل محمد حمدان قُتِل أخاه في هذه المواجهات فيما فقد الصحفي بصحيفة "التيار" عبد الله إسحاق إثنان من أشقائه، كما قُتِل شقيق الصحفي في "أول النهار" علي فضل المولى، بجانب أقرباء للصحفي عبد الرحمن العاجب، وهذا المشهد نموذج لما يحدث بين الأسر التي تتقاسم أرض هذا الوطن؛ حيث أصبح يوم أمس عليها وفي كل بيت للرزيقات والمعاليا قتيل أو جريح أو مفقود.