والوحي يتنزل على النبي الكريم بهذه الآيات قبل مئات السنين (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا .. (2)) سورة الحج ثم يكتشف الناس في 1994م وعقب الزلزال الذي دمر لوس انجلس ما معنى أن تضع الأرحام جنينها قبل ميقاته، بعد أن أحصوا أربعين امرأة وضعت إحدى عشرة منهن ما في ارحامهن قبل أن يبلغن الأربعين اسبوعا وخمس منهن قبل أن يتجاوزن الاسبوع الثالث عشر فقط، ومذاك فهم العلماء أن غشاء المشيمة به ساعة ميقاتية هى المسؤولة عن تحديد ميقات نزول الجنين فاذا اضطربت الانثى واجهدت وتوترت وحدث لها ما يخيفها عبث كل هذا بتلك الساعة فقذفت الرحم ما تحمل هكذا دون توقيت !!! والذي يدقق في الحياة السياسية الآن يجدها مرهقة ومتوترة تترنح ويتساقط عرقها من كل مسامات جسدها وتمد أيديها في الهواء بعبثية خائرة تبحث عما ترتكز عليه حتى لا تسقط ... نعم ها هي الحالة السياسية السودانية تبحث عن (ضروة) تمدد خلفها سيقانها المثقلة لتقذف ما احتملته في أحشائها منذ خمسين عاما، تخرجه ناقصا بعد أن عطلت التخبطات ساعتها المشيمية وجعلت كل المشاريع الوطنية والسياسية التي صاغتها النخبة من أقصى يمينها إلى أدنى يسارها تخرج ولم تكمل نموها الجنيني ،، ولعل التحدي الماثل الآن وبإلحاح هو تأمين صحة الأم حتى لا تهلك وتأمين صحة الرحم حتى لا يفسد ثم نستعيض الله فيما هلك من أجنة رافعين الأكف بأن يعوضنا بفقدها استقرارا وميلادا جديدا مكتملا معافى .. وهل هذا على الله ببعيد ؟ثم تعالوا لنحصي بتمهل عدد الأجنة الناقصة وغير المكتملة مذ بلغ المشروع السياسي السوداني أشده وزف في ليلة الاستقلال إلى الفارس (الوطني) عقب خروج المستعمر. كانت أولى المشاريع التي حبلت بها بطن الحياة السياسية هي المشروع الجنوبي الذي رفض الاستقلال ابتداء ثم تمرد على كل الحكومات الحزبي منها والعسكري ورقص ولعب على تناقضات ضعف الخرطوم فتقوى حتى ظفر بثلث المساحة مقطوعا من جسد البلد الأم ليقيم عليه مشروعا للحكم الذاتي ثم تكتشف نخبة الحركة الشعبية أن الحالة مع الخرطوم هي حالة التصاق جسدي كامل لن تفصله مجرد طقوس وعلم ونشيد وسفارات يتيمة في بلدان لم تقرأ آيات العطف على اليتيم، رحل فاقان وسلفاكير ليكتشفوا أن معظم الجنوبيين عالقون هنا في الشمال ومتعلقون بالحياة هنا دون أن يسمع أحدهم بكاء شيخ جنوبي تتسكع خطواته في قهاوى المحطة الوسطى وفتاة إثيوبية وطئت أقدامها البلد قبل شهرين تنتهره في سخف (ألم ترحلوا بعد؟) وليكتشف القوميون الجنوبيون أن أمومة الخرطوم لن تعيضها لهم كل أكف العواصم الأفريقية الخشنة واليابسة، دون أن يعترفوا أن (الشكلة مع المؤتمر الوطني) لا تساوي كل هذا الثمن، وأن المؤتمر الوطني مثله مثل الآخرين عابر في الحياة السياسية السودانية مثله مثل الآخرين والباقي هو النهر والماء والجغرافيا والتاريخ والمستقبل، وبؤس القوميين الجنوبيين يمتد وحماقاتهم تقودهم لدفن آبار النفط وحبس زيتها دون أن يطلع عبر الخرطوم وما هكذا يفعل الساسة في كل مكان وفي كل زمان وقد قال عنترة بن شداد هذا منذ مئات السنين (لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب *** ولا ينال العلا من طبعه الغضب) والجنوب لن يكسو عريه معارك الهواء هذه مع الخرطوم وديوان الحكم في جوبا يجتمع ويصيغ ذات موازنة الإنفاق الحكومي للخرطوم فيذهب 80% من الموازنة للحرب والعسس واجهزة التصنت والقمع وهكذا تأتي (جوبا) من بعيد مرهقة بنطفة فاقان التي لن تكمل طور الجنين وها هي مدن الجنوب يتخابط عرقها تبحث عن شجرة تستر عري سيقانها وهي تلفظ ما حبلت قبل أن يكمل أسابيعه الأربعة. ثم المشروع الثاني مشروع الإسلام السياسي الذي بدأ صياغة خطابه في السودان قبل أن يحصي عدد المساجد والخلاوى وقبل أن يعرف عدد الحفظة والشراح، وقبل أن تلفت نظره أن اللص في السودان لا يتسور المنازل قبل أن يقول (بسم الله) وأن السكير عندما يترنح يمسك في الله قبل أن يلامس جسده الأرض. وبلد هكذا حتى العصاة فيها معطونون بماء الإيمان حتى الثمالة كانت تحتاج لخطاب آخر يعالج نواقص أخرى في رتق ازار التماسك الوطني والانصهار الاثني ولا تحتاج بأي حال من الأحوال إلى رسم (شخيت) آخر للتقسيم والتبضيع .. ولكن !! فلنتأمل وبعد مرور نصف قرن على عبثية ذلك الخطاب.. تأملوا في شقه الفكري الذي يرفع أياديه العشرة لاطما لشقه السياسي،وتأملوا في شقه السياسي وهو يطأ بأقدامه الثقيلة على كاهله الفكري. ومن المؤكد أن هذا (الوضع) ليس صالحا للانتاج أو التوالد وليس امامه الا حالة الانجاب الناقص إن لم يكن ذلك التخصيب المشوه الذي يقود إلى الحمل خارج الرحم، نعم فمشروع الإسلام السياسي اليميني البراغماتي (لاحظتم هذا الخلط) ليس امامه وهو يغرق في بحر صرخات التوجع التي يطلقها في شكل مذكرات صاخبة واخرى مكتومة الا عملية اجهاض سريعة تضحي بالجنين وتحافظ على جسد الأم حيا وعلى رحمها صحيا غير معلول وإلا فإن حالة التسمم ستسرى سريعا وتصرع كل الجسد وما لأحد مصلحة في ذلك ففي كل فقد وخسارة ولابد من تحديد سقف الخسائر ولابد من عملية اعادة صياغة الخطاب والمنطلقات وتحديد آفاق وآليات العمل من جديد، يتم هذا بعد توافر الارادة لفعل ذلك على الأرض وتوافر الجرأة للنزول من ظهر البلد حتى يجرب بثقة ويقيس مدى قوة ساقيه وقدرتها على احتمال جسده المثقل بالمتناقضات ثم البدء في التخفف من تلك المتناقضات حتى ينطلق ظهره في استقامة ويعرف كيف يدخل بيوت السلطة من أبوابها ويتعافى من خدوش العبور بالنافذة والبقاء معلقا بين السماء والأرض. نعم مشروع حكم الإسلاميين في السودان الآن يحتمل عوارا كثيفا وجراحا تكاد تصفي كل دمه وما لم يتقهقر بنفسه ليخيط جراحه فانه سيسقط ويسقط من فوقه (حصان البلد) ولن يعوزنا حشد الشواهد كثيرا فخطاب وزير المالية في التنوير الذي حضرناه قبل أسابيع يذكرك بممرض لا يعرف كيف يدخل حقنته في وريد طفل غرير ثم يطلب منه ألا يصرخ !! فتطمينات وزير المالية كانت كمن يهتف في جنده بالثبات وقد أعطاهم ظهره موليا، ولقد خرجت من ذلك التنوير أكثر اضطرابا وقلقا على حال الاختناق الاقتصادي القادم، ثم انظر إلى صحن الانتخابات لترى أن السلطة أكلت نصفه وهي تعيد تعيين الولاة بمراسيم جمهورية وبقي النصف الآخر لا يشبع جوع ونهم التحول الديمقرطي الحق !!سادتي رافعي وموقعي مذكرات التناصح والتناطح لسنا منكم في شيء ولكننا من ضمن اهالي هذي البلد (المفلوقة) نقول لكم وليتكم تستمعون إلى صوت غير صوتكم ولو لمرة واحدة فالمقام الآن هو مقام أن تصنعوا من ملافحكم المذهبة والمطرزة هذي (ضروة) يتمدد فيها جسد حركتكم المثقل ويضع حمله بعد أن أذهلت قبله كل مرضعة عما أرضعت .. فحركتكم لن تطيق حملا جديدا قبل أن يبرأ رحمها وتتعافى مشيمتها ومحلها الآن (العناية المكثفة) وسنين طوال من النقاهة مع وصفة طبية طويلة تحذرها من (الحركة) و(الطبخ) وأخذ الأثقال في ظهرها، ألا هل بلغت ؟ اللهم فأشهد. ثم انظروا إلى حال الأحزاب الوطنية (الأمة) والاتحادي) وقد خرجا كما خرج (قارظا اليمن قبل سنين) ثم أصبحا مثلا للغائب الذي لن يعود (حتى يؤوب القارظان )، فالحزب الاتحادي الذي يوقد جذوته من شموع الختمية المخلصة ثم يكتفي فقط بتحويل تلك الجذوة إلى دوائر ضوئية تريه فقط اضطراب رجليه ولا يفكر في تحويل تلك الطاقة المخلصة والمجردة إلى مشروع انطلاق قومي يعالج بؤس الحاضر ويداوي قلق المستقبل ثم انت ترى بوضوح كل عيوب التخلق والجسد الواحد يسير برأسين في كل منهما لسان ولغة وخطاب ووجهة متداخلة. والمؤسف أن هذه الحالة أصبحت معتادة ومستقرة في أخيلة وحسابات المراقبين ولهذا لم ينتبه للمصير الكوميدي الذي انتهت عليه مساهمة المخضرم علي محمود حسنين في مناظرة الجزيرة وأضراسه تصرخ كلما هتف بالربيع العربي فتتعثر لهاته بمقاعد الاتحاديين في القصر الجمهوري وبعصا (مولانا) وهي تفلق بحر ذلك الربيع إلى قسمين ثم يتأرجح مقعد المناضل علي محمود ومناظره يطلب منه اشهار صك عضويته في الحزب الذي سحب منه وجعله كغض يبحث عن أمه في وسط الزحام فتنكره !! وهكذا مضى الزعيم العتيق يلوح بالربيع العربي دون أن يذكره احد أن هذا الربيع لا يشتعل بالمراسلة من لندن أو حتى من كاودا ثم لم ينبهه أحد بأشراط الربيع العربي العمرية ولهذا انطفأت رياح تلك الحلقة دون أن تكفي شيئا على وجهه في الخرطوم وذهب السيد علي محمود ليقضي بقية الليل يحل ما تبقى من مواقف حزبه المتقاطعة نعم وسط كل هذا العقم والحمل الكاذب الذي ينتفخ به رحم الحركة (الاتحادية) التي كلما خرج منها طوف وقف الاسم يضحك على نفسه وتسيل مدامعه من الضحك وكأنه يلتفت لبقية المسميات من حوله ألا يتخذ هؤلاء لتشرذمهم هذا اسما غيري؟ فيصبح اسمهم الحركة العشرية أو الاثني عشرية بدلا من هذا الحرج الذي يقحمونني فيه ؟ ومع كل هذا يبقى سادتي ممثلي الطبقة الوسطى من محامين وتجار وطلاب وموظفين أنتم اصحاب الحظ الأوفر في تخصيب كل هذا الجدب فقط عليكم بفتح بلاغ طلاق للغيبة الطويلة وخوف الفتنة ثم لن تخسروا شيئا غير ورقة الطلاق وإن لم تعرفوا ضد من تسجلون قسيمة الطلاق فاسألوا أقرب كاتب (عرضحالات) وغدا( تكسبون ). أما الجناح الآخر(حزب الأمة) فقد طرقنا بابه حتى مل متننا ونحن على يقين إن لم يفتح الباب اليوم فسيهدم السور غدا ولكل قدر يغلي حد للاحتمال، فإما أن يتبخر الماء وإما أن ينثقب القدر (وغدا يحمد القوم السرى) والسرى عند العرب هو المسير ليلا ولقد أطلناه وغدا نتلقى تهانئ الوصول، فصوت المغني والكورال من خلفه تعالى نشازه وأرهق كل أذن ولم يبق الا تقليب الاحتمالات فإما أن يصمت المغني وإما أن يخرس الكورال من خلفه وإما أن ينقطع التيار ويصمت الجميع ليهز الفضاء صوت جديد، وقد انقضت أشهر الحمل وزادت فإما هنالك مولود وإلا فإنها (لحمية التخبط) تجرف خصوبة ذلك الرحم الولود. والآن سادتي أبناء اليوم والغد فقد خابت مشاريع الإنجاب السياسي والوطني على مر العقود التي مضت ونحن في أمس الحاجة لمشروع جديد فهل تستطيعون الباءة ؟ حسن اسماعيل هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته