كانت أمسية الأربعاء 25 ينايرالفائت رائعة بروعة نساء السودان، غنية بالتراث، مترعة بالأدب السوداني الأصيل، فياضة بالمجد المُؤثل، وضعتنا بين يدي حقبة تاريخية باذحة بالكرم والشجاعة، وعزة النفس، ونصرة المظلوم، أظهرت دور المرأة السودانية عبر تلك الحقب السحيقة رائدةً من رواد التغيير، ومشاركة لأخيها وزوجها وأبيها وولدها الرجل بناء حضارة السودان لبنة بالعرق ولبنة بالدم، ولبنات بالفرح والسرور، هذه الليلة التي نظمها "الاتحاد العام للمرأة السودانية" الأمانة الثقافية بمسرح قاعة الصداقة، وشرفها السيد رئيس الجمهورية، ونفر كريم من قيادات الوطن السياسية والثقافية والإعلامية. كانت خلفية المسرح غاية في الروعة، الديكور يُعيَشك في حقبة تاريخية تمتد آلاف ومئات السنين - الحضارة المروية وحضارة السلطنة الزرقاء وسلطنة الفور أعد بخبرة فائقةٍ، وإبداع ٍ يعبر عن غنى الثقافة السودانية، وقدرة الفنان السوداني على الإبداع اللامتناهي إذا وجد الرعاية من الدولة التي تمثل الحلقة الأضعف في رعاية المبدعين، وهي غارقةٌ حتى أُذنيها في المشاكل والتحديات السياسية، التي استحوزت على كل المحاور والاهتمامات الأُخرى منذ الاستقلال حتى هذا التاريخ، ولا يوجد في الأفق القريب بوادر حل جازمٍ وقاطع للمشكل السياسي، الذي استعصى على كل الحلول؛ لأن الأنانية والذاتية التي تسيطر على بعض النخب السياسية النافذة هي أس الداء" دعنا الآن من السياسة وسَمومها الحارقة وسُمومها القاتلة" فلنُعد لليلة الإبداع النسوي، جسد الفنانون والفنانات الذين شاركوا في هذه الليلة شخوص تلك الحقب بمنتهى الدقة، بقيادة الرائد المسرحي العملاق إبراهيم حجازي، والمبدع الكبير محمد شريف علي، والفنانة الرائعة رابحة محمد محمود وأخواتها وبناتها من الكواكب النيرة اللائي أضأن سماء المسرح والفن السوداني الفترة الفائتة والمستقبل إن شاء الله، الصورة كانت واضحة ً والحقبُ التاريخية كانت شاخصة ً من خلال الديكور والجلسة التي جلستها الفنانات في بهو المسرح الكبير الذي يعبر عن الصداقة الراسخة بين السودان والصين، وكان بالقرب مني في تلك الليلة الباهرة السامرة الصحفي الكبير الأستاذ موسى يعقوب أحد شموس الصحافة السودانية السواطح وهو يقول لي:"الصين ما قصرت معانا تب، وهذا الصرح عمره 37 سنة تقريباً ومعه مشاريع أخرى، وكانت علامات الرضا والإعجاب بهذا العمل ترتسم على وجهه الوقور، كانت الفنانات يتبادلن الأدوار ويتقمصن الشخوص في ترتيب وإخراج مسرحي سلس ومشوق ويشد انتباه المشاهدين، يؤدين أدور أخوات وأمهات وزوجات الأبطال الذين سطروا التاريخ السوداني وبنوا الحضارة السودانية، وكافحوا من أجل عزة الوطن، والدين والعقيدة والشرف، تداخل وتلاقي كل ألوان الإبداع في زمن واحد أضفى على الليلة رونقا جميلا، تجد أحد الفنانات التي تقوم بدور الأخت أو الزوجة أو الابنة لأحد الأبطال التاريخيين وتردد الشعر والحكم التي تمدح بها البطل وتحفزة على الإقدام والعمل الصالح المثمر، ومن خلف الستار بعض الشاعرات المبدعات يرددن في حبكة جميلة تلك الأشعار أيضاً، ومن ثم تأتي الفنانات بقيادة الفنانة الصاعدة المبدعة حرم النور يرددن أغاني الحماس التي تحكي عن البطل المعني إن كان عبد القادر ود حبوبة، أو السلطان علي دينار، أو بادي أبو شلوخ، أو المك نمر، أو المك عجبنا والقائمة تطول، ويأتي الربط بصورة تظهر إبداع الشاعرة الكبيرة - ملكة زمانها- في الشعر السوداني، وأميرة الشعر العربي روضه الحاج، أمين الأمانة الثقافية باتحاد المراة السودانية، التي لها القدح المعلى في التخطيط والترتيب لهذه الليلة البهية، وبرعاية الدكتورة إقبال جعفر، الأمين العام للاتحاد وكل الخنساوات السودانيات اللائي يُشكِلنْ المكتب التنفيذي للاتحاد في هذه الدورة، كانت الليلة ثقافية بامتياز لم يكن فيها كلمة واحدة عن السياسية - تصريحاً – حيث كان شلال الإبداع يتدفق بغزارة طوال ساعاتها القليلة، وكانت شارات الرضا والإعجاب مُرتَسَمة على وجه السيد رئيس الجمهورية، الذي سيطرت البسمات على ثغره طوال فترة البرنامج، وهو يهز عصاه تارةً أخرى - وهذا أحد مآربه في العصا- وأروع شيء في هذا البرنامج كلمات الثناء المترعات التي تدفقت من نهر الإبداع النسوي، التي طوقت بها الأستاذه روضة الحاج أعناق كل الفريق الذي شارك في تلك الليلة الزهراء، ذكرت الذين شاركوا فرداً فرداً، وبنعوتٍ جميلة ٍ ومستساقةٍ للنفسِ والآخرين من الفنان القامة إبراهيم حجازي مرورا بالفنان محمد شريف علي والرائعة رابحة محمد محمود وطاقم الإخراج قمش والنجاشي والفنانة حرم النور، وكل العقد الفريد الذي شارك في ليلة المرأة السودانية، التي أرضعت الأبطال العزة والكرامة والشموخ، وبحق ٍ وحقيقةٍ نساء السودان هن "ملكات الأزمنة "ولله در المبدعة التي اختارت هذا الاسم المُعبر؛ لأن المرأة السودانية شكلت محور الارتكاز في البناء الحضاري السوداني عبر القرون، هي تقلدت أرفع المواقع وما زالت تحافظ على هذا الحضور الفاعل، وهي تشارك الرجل في كل الأعمال، حتى في غمار المعارك ضد الأعداء كانت تُداوي الجرحى وتسقي الجُند وتطهو الطعامَ لهُم، كسلفها الصالح وأمهاتها السابقات، من الصحابيات الجليلات "عائشة وأم سلمى ونسيبة وغيرهن" على دولتِنا تقديم الدعم الكبير للمناشط الثقافية؛ لأنه ليس بالحبز وحده يحيا الإنسان، خصوصاً أن الساحة السودانية تعُج بالمشاكل السياسية التي تعالى لهيبها هنا وهناك، وما تزال الدوائر التي تصنع القرار مهمومة بهذه المشاكل، ولا أرى مناصا من أن نُدخِل المناشط الثقافية لعلاج المُشِكل السياسي ؛ لأن السودان دولة ذات تنوع ثقافي معقد - حتى بعد انفصال الجنوب – ويجب على الدولة الاستفادة القصوى من هذا التنوع، وتسخيره لدعم وحدة الوطن؛ وذلك عبر المشاركة الفاعلة لكل اللونيات والجهويات الثقافية، كما شاهدنا "عبر ليلة ملكات الأزمنة " التي سحنا خلالها عبر كل المناطق والحضارات السودانية، والشخصيات التي أثرت تاريخ السودان القديم والحديث، فلا ترياق لمشاكل السودان إلا عبر هذه النوافذ الثقافية التي تحمل المصل الشافي والدواء الناجع، فلتكن النسمات الثقافية دوماً مرطِباً للهجير السياسي المتواصل. هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته