متحف الإبداع .. شجن المبدعين بروفيسير/ حسين جمعان عميد كلية الفنون والتصميم جامعة المستقبل * ( الشخص إن كان واحداً فلا تقل : له ظلٌ واحدٌ، ولا صورة واحدة، فعلى عدد ما يقابله من الأنوار، للشخص ظلالاتٌ وعلى عدد المرائي تظهر له صورٌ، فهو واحدٌ من حيث ذاته متكثرٌ من حيث تجليه..) * -1- متسعٌ لدولة الشارقة لأمجادها، يلهج الزعفران، زهر الخزامي،عطر الحناء، الطلع، رائحة العود الكريم، اللوحة المؤطرة، خط الطغراء المذهب، أنامل الشجن، والشارقة الأريحية، التأويل والمفارقة والشارقة السؤال، الغصن المكتنز بالعافية، زند الشباب،حكمة الشيوخ، هدى الكتاب، رمانة في فراغ وياقوتة في الظلام، عرق الذهب المبرق في الصخرة الزرقاء، حقولنا المزهرة المثمرة.. جمال قبابها وهديل حمامها، دهاليزها، صالات عرضها، مساجدها الزاهية بنور القران، مشربياتها، حياتنا القديمة الجديدة... أكمام الورد وسوق من الياسمين على السياج، عشب أتعبته الخضرة.. يمامة خلعت صوتها من وجد صادق. والشارقة حجاب لأنها نور ! -2- لوح التاريخ العظيم عند شيخها، الندى، الأريحية، الكرم، التواضع، الشهامة، الفكر، المحبة، التؤدة، الحق، العطف، ديمة في خد الصحراء، قمر الليلة الظلماء.. والشارقة عشيات الأماني... والشيخ يعمل ولا يجهر ( الرؤية والكلام لا يجتمعان). والشارقة متحف الإبداع في عالمنا العربي والإسلامي، ليس كمثلها شيء ! ( عليك بروح الأشياء ولا تأخذ من العسل سوى ما إدخره النحل لنفسه، لا تشرب من خمر العلوم إلا السلافة التي لم تعصرها الأرجل، ولا تشرب من المياه إلا ماء المطر فإنه ماء التقطير.) * هي خلاصة الخلاصة في حياتنا العربية ... تذكرني كلما زرتها بمدينة ( كراكوف) البولندية، الأخرى مدينة العلم والثقافة والجمال والخيال، والشارقة تعرف كيف تختصر زمانها لتكون في الملأ... البحر مدادها والصحراء زينتها والخضرة حسنها و( من شرط الالتذاذ بالرؤية المعرفة).* -3- دولة الشارقة نخلة تتلألأ في سماء العرب.. شرفات الأبجدية مسرح السلطان، عمارة الشارقة، ساحات الشارقة القصباء، المدينة الجامعية، جامعة الشارقة، الدراسات الخليجية، قصر الثقافة، متحف الشارقة للآثار، متحف الشارقة للحضارة الإسلامية، متحف الشارقة للفنون، الأسواق الشعبية، طرق الإنشاد، بينالي الشارقة، المؤسسات العلمية، المساجد، الحدائق والطرق وفي الشارقة تتوالى الحياة بنشاطاتها، البينالي الدولي للفنون، الملتقى العالمي للخط العربي، ليالي الشارقة المسرحية، مهرجان الشعر العربي، الشارقة التراثية، النشاط الدولي العربي للسينما، ملتقى الدراما والقصة والرواية في الإمارات ودول الخليج العربي،المعرض السنوي للتشكيل، معارض الشارقة الدولية للكتاب... أبرقت وسكبت... -4- ضئيل أنا أمام ما أرى..أصابعي المقرورة تختلج بربكة الانبهار، هي فتنة خيط العطر... وردة تستميل فراشة...أستدعى المنمنمات التي تمعنتها في تلك الردهات العاليات الجديدة بلون حيطانها الأبيض كالحليب وستائرها الزرقاء عالية الهامات... أبهة المكان تفضي سحراً على الأعمال التشكيلية يتوسطها معلمنا (الواسطي).. روح المشاهدة، معرفة الأحوال واللوحة الدقيقة الصغيرة بلقيا اللون وتجليات الشجن. -5- مما أتينا من أجله.. دعوة من دولة الشارقة. لندوة موازية لمهرجان الفنون الإسلامية. من (الواسطي) إلى (بهزاد) – دائرة الثقافة والإعلام – تجمعنا وتحدثنا.. وانتشينا بالأبعاد التاريخية والجمالية والتشكيلية – تعبير لرسم توضيحي ملون مصاحب لنصوص مكتوبة من الحياة اليومية – الدينية، الروحية، العقلانية، الاجتماعية، المتحدثون أقواساً مضيئة والتاريخ والفكر، باقة من مجموعة ذكية الفؤاد – وكان الكرم والسهر لخدمة المشاركين – الأستاذ هشام عبد الله مظلوم – يسأل ويتابع، يدقق ويراجع والأخت العزيزة فرح قاسم فخر المرأة.. صبرها وحضورها الإبتسامة التي لا تفارقها والباحث الرقيق محمد حميدة وورقته التي قدمها بروح الشعر. اللغة الجميلة والتاريخ. والفنان محمد باعشن بأصابعه الملفوفة بالحرير يعطر سماء التصميم وضياء الدين الدوش الصامت همة العمل والذوق.. هم كثر كالبرق يحملون بشرى الغيث.. والشارقة في الخاطر ما دامت الأنفاس تجري في مسالك الدم، محروسة بعين الباري ثم بشيخها الرحيم. -6- هذي طيور البحر... أمسية ندية.. أجساد نحاسية إجتذبها البحر.. لا شيء سوى صمت التأمل.. مراكب ملونة.. أحسست بنشوة وكان البحر أمامي... امتداد حضارات ووصل كلمة جميلة في خصر قصيدة... ندى في قلب زهرة والشارقة مصفودة بالنور وعبير الصدق وممالك الرؤيا... شجواً وابتهالاً لانبهاري، حبور من ماء.. حركة وجلبة وبقايا من كلام قديم لرجل مسن تحدثت معه... تقاطيع وملامح وعين ثاقبة.. فصاحة لسان وفراسة لا تخطئها العين وعلى بضعة أمتار شارع تهرول فيه العربات بنهاية الدوام قبل هبوط ليل الشارقة الرائع بأنسامه الباردة ونحن في خواتيم أيامنا.. وأحكي لمرافقي دهشتي بجلال المكان والزمان، بنايات شاهقات وأنا أحلق اخاف الأرض ! كورد ينبهر بجلال الرذاذ ونسق الألوان والأشكال.. العاملون فرحتي يعملون في أروقة الثقافة دونما جلبة.. فأرى في وجوههم المشرقة تفانيهم.. علامات الفصول ووهج الحياة، سيف الضياء، الكتاب المفتوح، ضوء الحبر.. عبء الأرض الواعدة، صدق المطر، مطلع القصيد.. والشارقة إبداع لا يهدأ.. -7- ربما لم أحسن القول فيها.. أفصح أحاسيسي كمن يعتذر... هي أكبر من ذلك.. والشارقة تحكي حاضرها وماضيها كقصيدة جاهلية أتت من مسافات بعيدة.. قطعت كل تلك السنين الموغلة لتكون معك، حية بغدرانها ووشوشة نخيلها وسعفها، أثافيها وجمرها ورمادها.. سدِرها وطلحها.. هجن وظباء وخيل... رجعت بوجودها فنحيا بها... ألم أقل لكم إن الشارقة عافية الجمال، شقائق النعمان، أشجار الروح، حوار الحضارات، سبورة القمر، عروش الطفولة. قليل من الورد في إناء أزرق خزفي تحفه نمنمات دقيقة عند حافة أطرافه ونحن في ندوة المنمنمات من كل فج ٍ، مصر، لبنان، السعودية، تونس، فلسطين، إيران، السودان، الجزائر.. والشارقة جمع الشمل ووجد يشحذ القصيد. ___________________________________ * كتاب التراجم للشيخ محي الدين بن العربي