"العمود الصحفي أو مقال العمود هو مساحة حرة تضعها الصحيفة أمام كبار الكتّاب بمساحة محددة لا تتجاوز عموداً ليعبروا عن آرائهم ورؤيتهم حول قضايا مجتمعهم، ويتصف بالثبات من خلال العنوان والموقع في الصحيفة، وموعد النشر، كما أنه يمثل فكرة أو رأي وخاطرة للكاتب وذلك حول واقعة أو ظاهرة اجتماعية أو سياسية أو ثقافية لشد القارئ بالصحيفة". والصحافة مثلها مثل أية مهمة لديها أعراف وتقاليد ، تدرس في كليات الإعلام وتصدر حولها وعنها الكتب ، وهي غير مقدسة بطبيعة الحال، لكن الخروج غير المبرر عنها يعد نوعا من الفوضى وتكسيرا للمعايير والأصول ومايدهشني أن البعض من الزملاء أصبح يتعمد "كسر" هذه المعايير بحجة التميز والتجديد وإضفاء البصمة الشخصية، لكن بعض هذه المحاولات أصبحت مثل ذلك الغراب الذي قرر أن يقلد الطاووس! وإذا لم نحافظ على تقاليد مهنتنا لا يمكن أن نطالب بالحفاظ على تقاليد الخدمة المدنية على سبيل المثال ولا يحق لنا أن ننتقد الآخرين الذين دخلوا الى حياتنا عن طريق " الجربندية" وجربوا في رؤوسنا كل أنواع الحلاقة وقد لفت انتباهي اتجاه الكثير من الكتاب والصحفين لاختزال العمود الصحفي وتحويله لخدمة الأغراض الذاتية او للتعبير عن أشكال تحريرية أخرى لها مساحات معتبرة في الصحف واتجه أخيرا بعض الكتاب الى ربط ترويسة العمود بمادة إعلانية! على سبيل المثال درج البعض على تقطيع العمود الى فقرات مختلفة تفتقد الى الرابط العضوي ومعلوم أن العمود الصحفي يقوم على ثلاثة أركان وهي المقدمة ، وتعتبر كاستهلال وتمهيد للموضوع المعني بالطرح ، صلب العمود ، ويركز به الكاتب على الموضوع مستعيناً بأدلة وشواهد وبراهين تعزز فكرته ، ثم الخاتمة ، ويجب أن يستخلص بها الكاتب فكرته بنصيحة أو رؤية أو تساؤل يفتح الباب للنقاش. ويجب أن يجمع هذه الأركان تسلسل موضوعي يرتقي من المقدمة وصولاً بذروة الموضوع وختاماً برؤية الكاتب، وقد تكون الخاتمة كنصيحة وقد تكون كتعجب يفتح آفاقاً للقارئ لإيجاد حلول مستقبلية. بعض الكتاب ينشر قصيدة معروفة لشاعر كبير تحت ترويسة عموده والبعض الآخر ينشر قصائده هو في مساحة عموده وآخرون ينشرون تهاني وتعازي " بالصورة " داخل العمود وهناك من ينشرون رسائل الى حبيباتهم لا يفهمها أحد سواهن، والبعض الآخر يستغل العمود للغمز واللمز والمطاعنة" على طريقة النساوين"! وتكثر التقاليع الغريبة في الصحافة الرياضية والاجتماعية لكن هذا الداء بدأ ينتشر مؤخرا في الصحافة السياسية، وأصبح طلاب كليات الصحافة في حيرة من أمرهم، فهم يدرسون شيئا ويجدون واقعا آخر لاعلاقة له بالعلم، بل إن الأخطر من ذلك أن هؤلاء الطلاب يخضعون للتدريب تحت رؤى وقناعات بعض كتاب الأعمدة الذين ينشرون هذه التقاليع العجيبة! والرأي عندي أن تقوم الجهات التي تشغل نفسها برصد المخالفات التحريرية برصد مثل هذه الأخطاء والحد منها وذلك حفاظا على سلامة المهنة والتزامها بالحد الأدنى من المعايير وليس في ذلك بدعة طالما أن حراس البوابات الصحفية الداخلية يغفلون او يجهلون هذه التقاليد!