عندما تصبح (العلايق) طعاماً للبشر...!!! الخرطوم :وجدان طلحة تخيل لو قدمت دعوة إفطار لأحد أصدقائك واعتذر لك بكلمات مفادها أن ضوابط العمل تلزمه أن يكون بالمكتب في الثامنة والنصف صباحاً وانت "بلسانك الحلو" قدمت له مغريات وأقسمت له بأن مثل هذه الدعوة سوف لم ولن يقدمها له أحد، وعليه أن يذهب ليرى بأم عينه صدق ما تقول، وأهم شىء أن هذا الصديق سيتناول أكلا سودانيا وربما فطائر شرقية واخرى لا يفهم ما هي اصلاً. وبعد الاتفاق وبحسب الميعاد المضروب بينكما اتجهتما نحو المكان الذي تعلمه انت ,أما صديقه فقطع شك انه قد رسم صورة ممزوجة ببعض المستحيل .. وتتوقفان امام لوحة مكتوب عليها هنا (مكب اوساخ).. لذلك من الطبيعى أن يسألك صديقك بدهشة: (دا شنو؟ نحن ماشين نفطر ولا جايين ندفق وسخ؟).. لتسحبه انت من يده وتقف معه وسط الاوساخ وتقول له: (اسمع نفطر من الجاهز دا ولا نستنى العربية الجاية؟).. ترى كيف سينظر اليك صديقك في تلك اللحظة..؟ هل سيخاصمك.. ام يعتبرك مجنوناً؟ ام انه سيقبل العزومة؟ باب الاحتمالات مفتوح لأننا كنا هناك..ورصدنا ما يدور بالكثير من الدهشة والتعجب داخل (مكبات الاوساخ)، والتي قضينا داخلها نصف يوم كامل..وتعرفنا على كثير من الاشياء الغريبة داخل تلك المناطق، والتي يناديها البعض ب(المملكة)..!!! حيرة: لم أنم في تلك الليلة.. ولم اعر ادنى اهتمام للنجوم الساطعة.. بعد أن غاب عنها القمر لأن ما يشغلني كان يجعلني احس بالألم وتارة بدموع تتسلل من عيني لفظاعة ما رأيت.. الشيب والشباب يجمعهم مكان على الرغم من انني رسمته ولونته بأحاديث سمعتها الا انني وجدتهم في عالم آخر ..يعتصرهم الألم الفتاك ويعالجونه بالمسكنات وشتان ما بين الداء والعلاج...هل تصدق بأن الانسان والحيوان يجمعهما مكان واحد ويلتفان حول بؤرة ضوء..؟ مع أن الدراسات اثبتت أن اهداف الانسان تختلف تماماً عن الحيوان فما حقيقة ما شاهدناه اذاً ...ام أن هناك سببا خفيا ضاق افقنا ولم نعرفه؟ لذلك من اراد أن يرى التعايش السلمي رغم التنافس في لقمة العيش فيما بينهما ما عليه الا أن يتوجه إلى مكب نفايات الخرطوم بالقرب من منطقة القوز..وبعد ذلك فليحكم...! البداية: عندما طرحنا الفكرة.. سيطرت دهشة عميقة على بعض زملائنا واوصانا البعض بأن لا ضرورة للذهاب، ومنهم من قال إن هذا المكان يتطلب ذهاب احد الصحفيين لأن النساء لا يستطعن البقاء ولو لدقائق في ذلك المكان ووضعوا امامنا الكثير من المبررات، وللأمانة لم اتوقع أن اتحدث للرجال والنساء الموجودين هناك بحرية.. فقد توقعت أن اجد من يصدني او على الاقل شخص يطلب مني أن اثبت هويتي لأن وجودي في ذلك المكان كان شاذاً لأن كل من فيه كان في حاله مهوماً "بتفتيش" اكياس النفايات.. منهم من يهرول ليقف خلق عربة النفايات ويأخذ ما قسمه له الله من رزق ثم يحمده على ذلك.. مكثت في ذلك المكان تحدثت إلى شباب جاءوا إلى ذلك المكان هرباً من كلمة العطاله..ونساء يشمرن ساعد الجد. علايق: (نحن في دائرة اقل ما يمكن أن نصفها به انها دائرة انتحارية)..شعور راودنا بينما نحن وسط المكب.. وتحيط بنا النفايات بكل الاتجاهات وتتصاعد سحب الدخان الكثيفة الناتجة عن حرق اطارات السيارات بهدف استخراج الاسلاك حتى ينتفع منها منفذو العملية.. وجدت احد الشباب جالسا على الارض وبينما انا اتجه نحوه دار سؤال في رأسي لماذا يجلس هذا الشاب والكل يعمل بجد ونشاط _ فهذا مصدر رزق _ بضع خطوات تحول بيني وبينه وبهمة شديدة وقف على ساقيه واطلق ابتسامة دامغة على وجهه نثر عبارات السلام والترحيب. ولعل اسلوبه المرن في الحديث جعلني اتجاذب معه اطراف الحديث دونما عناء , قال لى: (انا (أ,م) اتيت لهذا المكان بعد أن أُغلقت امامي كل الطرق التي من خلالها استطيع أن أقتات منها الحلال, فجئت إلى هنا حتى لا أكون عاله على غيرى, وأتى إلى هذا المكان صباحاً مثلي مثل اي فرد يبحث عن مصدر رزق , وفي آخر اليوم ابيع ما بحوزتي مقابل (8_10) جنيها , سألته بما انك تأتي صباحاً كيف تتناول وجبة الفطور؟ نظر إلى الارض وبصوت منخفض قال لي والله بس "علائق" من "عربات النفايات ". مطالب: شاب آخر ( ى.أ) قال ل(السودانى): (اسمعي انتي صحفية والله داير اقول ليك حاجة , توقعت انه سيوجه رسالة يطلب من خلالها ايجاد فرصة عمل , لكنه كذب توقعاتي عندما قال لي :( بس نحنا دايرين كمامات وجزم وأبرول ) , بعد تلك الاجابة امسك ب(شوال) وأخذ يردد معليش ,معليش العربية جات , اخذ يجري إلى أن توقف في المكان الذى تقف فيه عربة النفايات ليأخذ منها القوارير الفارغة ليبيعها وغيرها من الاشياء التي يراها انها يمكن أن تجد من يشتريها. نواعم: عربة نفايات مليئة بسيقان الاشجار عندما اراد السائق أن يلقي بها في المكب استعصى عليه الامر حتى انه اصبح يدفع بالعربة للامام قليلاً ثم يُرجعها إلى الخلف , تخيلوا انه في تلك الاثناء توقفن ثلاث نسوة خلف العربة في "شفقة شديد" يحاولن انزال الاشجار بأيديهن رغم أن بالقرب من السائق كان يجلس مرافقين ينظر احدهم في "المرآة" الا انه لم يكلف نفسه بأن يقول لهن " انتظرن يا نسوان الشفقة تطير" والمنظر يشعل النار في الجسد.. اتجهت نحوهن وقمت "بدور المرشد" مسكت بيد (ف.د) تحدثت اليها كثيراً لم ترفض حديثي بل اخذت تقول لي :( سمح سمح يابتي) فسألتها ماذا تفعلين بهذه الاشجار؟ فقالت :( والله بقسموا جزء بشد بيهو الحلة والباقي ببيعو). مهنة: (أ.أ) رجل ستيني يسكنه الهدوء , وجدناه يستمع إلى اذاعة القرآن الكريم , اقتربت منه والقيت عليه التحية فرد هو بأحسن منها , سألته عن السبب الذي جاء من أجله إلى هنا فقال :( انا اصلاً مزارع وزي ما انتي عارفة الزراعة مرة تنجح ومرة تفشل وانا عندي اولاد في المدرسة وكمان في الجامعة ودايرين مصاريف يومي فكرت اشتغل هنا , واردف وفي النهاية برضي بالبقسموا لي الله). من المحررة: نعم عندما وصلنا ذلك المكب كانت الساعة تعلن التاسعة صباحاً، رغم ذلك جاءت احدى سيارات النفايات تحمل في باطنها الفضلات أو (العلايق) كما يقولون عنها، قبل أن يتدافع اليها كل المتواجدين..كل للظفر بنصيبه...والسؤال هو هل هذا الاكل بالفعل لا يسبب لاولئك اي مرض كما قال لي احد الذين استطلعتهم...ام أن العناية الآلهية وحدها تتكفل بحمايتهم...؟؟؟ /////////////////////////////////////////////////////////////////////// لما يكون شغال (حفلة) بقفلّ صالون الحلاقة.!! ود عبد السلام...حلاق ب(مكنة) فنان...!!! الخرطوم :يوسف دوكة حلاق وب(قرض) الشعرو..ملحن.. ولعل من النادر أن تجتمع الصفة الاولى بالصفتين الآخرتين، لهذا حاورته (السوداني) حول الموضوع، الذي ابتدره بحكايته مع المديح في مسيد الشيخ البرعي، وحتى امتهانه للحلاقة وتشذيب رؤوس الزبائن.. وهذه سيرة ذاتية مختصرة دلقها أمامنا الشاب أحمد عبد السلام جمعة حينما تشاركنا معه ذكريات ميلاده بقرية الشيخ مختار بمدينة (أم روابة) فهو من أسرة صوفية أتت إلى الخرطوم قبل عشر سنين، يحمل بيده حقيبة بها ملابسه وكمية من الأوراق بها قصائده، التي توازي ثمن (الحقيبة) لينافس بها في بلد المليون فنان ،ولا يبدو قانع ب(كشكة) المتواضع في الكلاكلة اللفة كما يظهر في حوارنا معه.. *بداية هل وجدت علاقة بين كتابة الشعر والحلاقة؟ الشاعر دائما يعشق الأشياء التي تكون فيها اضافة.. والحلاق يأتي اليه شخص بشعر مبعثر ويقوم بترتيبه ،أما الشاعر فهو ليس بمخترع للكلمات وكل هذه الكلمات التي تكون في القصيدة موجودة فيقوم بترتيبها وجعلها جميلة. *متي كانت بداياتك مع الحلاقة والفن؟ بداياتي مع الفن كانت منذ نعومة أظافري، ففي بداياتي كنت بمدح لأني تربيت في بيت صوفي وكنت حينها بمدح في مسيد أبونا الشيخ البرعي وكنت اذهب اليه كثيرا لاسيما في (الرجبية) وارتشف معه شاي المغربية وبعد المديح عرجت إلى الغناء وبعدها اصبح يأتيني شيطان الشعر والحلاقة. *هل تريد أن توفق ما بين الحلاقة والفن أم ستختار واحدا منهما؟ عندما اكون شغال حفلة بقفل محل الحلاقة، والحلاقة أنا عايز اطلع بيها مصاريفي والحمد لله موفق بينهما , وانا غني لي الفنان أمير حلفا أغنية مطلعها بيقول (يا روحي كيفن اقنعوا... ما دام صباحك ودعوا ) وعملت شعار الاتحاد العام لشباب الوطن ولدي تسجيلات في الإذاعة الطبية وإذاعة الصحة والحياة، وعن الحلاقة احمد الله عندي زبائن متفهمين ظروفي . *أيهما أحب إلى نفسك، الشعر، التلحين، الغناء، أم الحلاقة؟ كتابة الشعر أحب الهوايات المحببة إلى نفسي واكون مستمتع جدا عندما اكتب قصيدة والتلحين والشعر مكملات للعمل الغنائي أما الحلاقة فهي (قزقزة) وبتساعدني في أشياء كثيرة مثلا بتطلع لي حق المواصلات، وبتساعد في زيادة الدخل ومن المفترض الانسان يتعلم مهن كثيرة لتساعده في الدخل سيما في هذه الفترة التي ارتفعت فيها الأسعار بصورة غير عادية وبعد هذه المهن الكثيرة برضو الحال ياهو نفس الحال وتتعدد المهن و(الجيب ياهو نفس الجيب).. وإذا كنت عامل حفلة وما موجود في المحل بتصلوا على زبائني عشان احدد ليهم اليوم البكون فيهو موجود في الصالون. *الشغل معاك كيف في الحلاقة؟ احمد الله مطلع مصاريفي ومستورة وبالمناسبة (حلاقتي زي أشعاري البكتبها). *كيف؟ يعني ما بكتب غناء هابط وما بحلق حلاقة هابطة.. وقصائدي وحلاقتي محترمة. *في حديثك واثق من نفسك.. شكلك عدادك رامي زي ما بتقولوا في الوسط الفني؟ تبسم ثم قال:(شوف...الغناء في الزمن دا زي ضربات الجزاء انت وحظك.. وضربة الجزاء ما بتعرف كبير في الكورة ولا صغير.. وأحمد الله سجلت هذه الضربة بإتقان لكن ما عارف الحكم حيقول شنو (يقصد الجمهور). *مقارنة ما بين سعر عداد (الحفلة) وعداد (الحلاقة)..؟ انا ما بتوقف في الأسعار.. إذا كان في الحفلة أو الحلاقة وسعري بيكون حسب الزبون يعني هو وذوقو ..البديني ليها الزبون بشيلها.. وما بختلف في معاهو في السعر، واقول ليك حاجة أنا مجاملتي في الحفلات اكتر، وحتي في الحلاقة بجامل برضو..!!