فاضت جوانحي غبطة وسرورا، وأذنى المرهفة تلتقط من جهاز مذياعى الهرم خبرا مفاده أن الإنقاذ قد هبت من غفوتها لتلحق بإصلاح الخدمة المدنية التى قد أصابها السقم ونحر عظامها الوهن والضعف، حسي الوطني دفع بقلمي للمرة الثالثة لينساب مداده من أجل إستقامة عود هذا المرفق المهم، لقد تشاءم قلمي في كل ماكان قد دونه عن تدني وإضمحلال الخدمة المدنية، واليوم لاح بصيص من أمل، وخيط رفيع من التفاؤل، وأذن صاغية، فهاهو الأخ عمر البشير رئيس الجمهورية يعقد اجتماعا مهما مع قادة الخدمة المدنية بالبلاد. أربع قلائد كانت تزين جيد بلادي، كنوز ثمينة ورثناها هدايا من المستعمر البريطانى عقب جلائه من الوطن الحبيب (1954) خدمة مدنية أمينة، ونزيهة، ومؤهلة ومدربة ومشروع بالجزيرة كسته الخضرة بهاء، وكان منهلا للثروة القومية، ومصدرا لإستقرار، ونعيم الوطن. وسكة حديد بشموخها وتألقها، ورابعة الهبات هى جامعة الخرطوم إثراء للفكر، ومنارة للعلم، ومعقلا للعلماء ووسيلة للنهضة الفكرية السياسية، والإقتصادية والإجتماعية. وكنا يومذاك نتباهى ونفخر ونعتز بهذه الدرر والنفائس التى جعلت سوداننا فوق... فوق! وهكذا عاشت الأجيال المتوالية وحتى مطلع ثمانينيات القرن المنصرم، مع خدمة civil service مميزة يشار لها بالبنان في كل بقاع الأرض. ورجالها مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والإستقامة الفكرية، وعفة اليد واللسان، ومكارم الأخلاق فهم الصفوة، والقدوة، وعقد فريد كان يدير دفة الحكم بصدق وأمانة. من منا لايعرف هؤلاء القاضى أبورنات، مكاوى سليمان اكرت، أحمد مكي عبده، داؤود عبد اللطيف، نصر الحاج علي، عوض ساتي، عبد الرحمن علي طه، سر الختم الخليفة، مكي عباس، أحمد بشير العبادي. فهم ثروة بشرية قدمها السودان يومذاك للعالم أجمع فهم الذين وضعوا لنا لبنات قوية وراسخة لخدمة مدنية مشهود لها بالكفاءة والمقدرة، والتأهيل. ولكننا اليوم أخفقنا بل فشلنا في الحفاظ على بريقها، واستقامتها، حتى خفت صوتها، وغابت شمسها، وئدث معاييرها، وصارت تترنح يمنة ويسرى، وتنهال عليها سياط الفساد والمحسوبية والمجاملات، ووضع الرجل غير المناصب في مكان غير مناسب وحتى كادت الخدمة المدنية أن ترتمى في أحضان الردى. والرئيس البشير قد حمل اليوم معول الإصلاح، وشمر عن ساعد الجد لانقاذ مايمكن إنقاذه..... علينا أن ننتظر النتائج... وعلينا أن نتفاءل وعلينا أن نأمل ونتأمل... فهل يعيد البشير للخدمة المدنية بريقها، ويخرجها من النفق المظلم؟ وسبحان من يحيي العظام وهي رميم! لى عودة. والله المستعان؟ *رئيس المجلس الإستشاري لتعليم ولاية الخرطوم