يُكَلف المسئول للعمل بمقابل من قبل ولي الأمر للقيام بخدمة الناس الغبش وتسهيل معاملاتهم ، أي أنه مُسْتَخدم( (Civil Servant ضمن المستخدمين بجهاز الخدمة المدنية (Civil Service ) ؛ كان ذاك عهدنا بالخمة المدنية وكان ذلك هو العرف الذي أورثنا له الانجليز ؛ وسارت الأمور على ذات النهج حتى عهد الرئيس عبود ؛ ومن ثمّ بدأت بالانحدار الحضيضي وبشكل حاد وملفت للنظر في عهد الرائيس نميري وما تلاه من كل عهود الحكم بلا استثناء.!! كان معهد الادارة العامة يومها منارة يحتذى بها ليس في السودان فحسب بل وعلى غراره وبخبرات سودانية أنشيء ما يماثله في بعض دول البترودولار. العجب العجاب أن مصلحة الضرائب وديوان الزكاة وكل دائرة أو سلطة لها حق الجباية في بلادنا سواء بحق أو بدون حق ؛ هي جهات تعتبر نفسها أنها صاحبة سلطة قهرية على المواطن الذليل أن يطيعها ولا يرفض ولا يعترض على أي أمرٍ صادر منها بحيث أن عليها أن تجبي حتى ولو وصل الأمر لدرجة " القلع " – لامؤاخذة - ؛ لأن هؤلاء الجباة لم يخطر في بالهم يوماً أنهم مكلفون بخدمة دافع الضرائب وهو المالك الحقيقي لكل المرافق والخدمات وأنهمه جميعاً يخضعون لسيادة القانون ولا يحق لأحدهما التصرف خارج نطاق وحدود القانون . تلك الثقافة غابت بغياب الخدمة المدنية المنضبطة من جمهورية " الشمس المشرقة ".. أو جمهورية صقر الجديان " الذي له من القوة ما يستطيع بها "الخطف" ؛ وحتى لا يكون هناك مجال للتأويل ؛ فما أقصده هو " خطف الجديان " .!! سأروي لكم تجربة شخصية في احدى زياراتي للخرطوم ، ذهبت طوعاً ومن تلقاء نفسي وبكامل ارادتي لأسدد ما علي من ضرائب ، جئت مبكراً ووجدت من سبقتي إلى الصف ؛ بلغت الساعة التاسعة والنصف ولم يفتح الشباك؛ في حين أن هناك لوحة تقول أن الشباك يفتح الساعة الثامنة صباحاً ؛ فجأة فُتح الشباك وتنفس المصطفون الصعداء وأطل شاب في مقتبل العمر ذو لحية خفيفة مستديرة؛ وبالكاد لم يبلغ بعد الخامسة والعشرين مطلاً علينا " بتكشيرة " ماركة " شنب الأسد " ؛ ورمق الجميع بنظرة دونية ملؤها الازدراء والغضب تنم عن سلطة استعلائية وقدرة على فعل كل شيء - ولا استحسن استعمال جبروت- فنهرنا وواستشاط صائحاً وشاخطاً في وجه الجميع ( انضبطوا وبلاش هرجلة)!! ؛ - بينما كان ريئسه يجلس في مكتب مقابل يطالع الصحف اليومية وأمامه مجموعة سندوتشات وكباية شاي – سال لها اللعاب – وقد ارتسمت على شفاهه ابتسامة ماكرة وهو يري فعل مرؤوسه بعباد الله الصابرين وكأنه يؤيد ما فعل موظفه الشاب بمخلوقات الله الغلابة وما أنزله من شخط ونطر في عباد الله الغبش !! ؛ وفي هذا الأثناء صاح أحدهم من وسط الصف في وجه القيصر الصغير قائلاً : [ مش لما تنضبط انت وتجي في المواعيد؟].!! ؛ فهاج وماج الموظف "القيصر" وتوعد الجميع بإغلاق الشباك لولا أنني استعملت الدهاء معه فتقدمت وقلت له : ( يا ابني عمك عامل عملية قلب مفتوح فرحمة بي وثم ثانياً يا ابني ربنا قال في كتابو العزيز ( ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا).. الاية ، خليك منو وشوف لينا نحن ؛ فرقّ قلب القيصر الرهيف فإذا به يعلن :[ لولا هذا العم وظروفه الصحية لما تنازلت عن اغلاق الشباك وخليتكم تجوا بكرة] !!.. لما رويت هذه الحادثة الطرفة قال لي : (والله انت راجل صحيح أهبل .. في واحد يمشي برجليهو يسدد قروش للحكومة ، خليها هي تجري وراك لما ريقها ينشف زي ما نشفت ريقنا.)!! شاهدت بأم عيني في أم در "أمان " جابي أحد المحليات يحمل دفتر الجباية بيده اليمني وعدد اثنين قفل من الحجم الكبير بالبلدي( طبلة) بيجه اليسرى ووقف أمام أحد محال الفحم وخاطب صاحب المحل (حتدفع وإلا حأقفل ليك المحل )؛ كنت اسمع بقهر الرجال ولكني لم اره إلا حينما شاهدت :" الفحام" يرتعد من الخوف.. الخوف على رزق عياله من سطوة هذا الجابي الذي لا أعرف من خوله سلطات قضائية؟! .. لأول مرة اكتشف أن أم در " أمان " يفتقد الغبش فيها للامان.. حليلك يا أم درأمان!! حقيقة ما أزعجني هو أننا بدأنا نكيل الشكر " لحضرة المسئول " عندما يؤدي واجبه الذي يتقاضي عليه راتب وهذا الراتب من جيب دافع الضرائب أو دافع الزكاة ؛ وكأنما ديوان الزكاة أو الضرائب أو وزارة المالية هي ابعديات أقطعها لأمثال هؤلاء أجدادهم الكرام وليست دواوين عامة هم مكلفون بما يُدفع لهم من أجر أن يخدموا مراجعيها.!!.. العيب هنا ليس في "حضرة المسئول " بل العيب فيمن يكيل الشكر له؛ لأنه اعتبر أنه طلب من المسئول طلباً استثنائياً وليس مطلبٌ هو حقٍ أصيل.!! الغلابة الضعاف لا يلجأؤون للصحافة – السلطة الرابعة- إلا عندما تضيق بهم السبل وتغلق الأبواب في وجوههم أبواب السلطات الثلاث ؛ وبعد أن تحفى أقدامهم مما ينتعلون . أيها القياصرة لا تذلوا مواطنيكم فأنتم عُينتم لخدمتهم ؛ فهم أخوانكم واخواتكم ، هم آبائكم وأمهاتكم .. فإن لم يكونوا هكذا بالنسبة لكم فاعملوا بالمثل القائل " اكرموا عزيز قومٍ ذل" مع القليل من مخافة الله فيهم.. وكفاية جبايات وإن لم تكتفوا فأقلعوا بحنية شوية .. فالرحمة فوق العدل !! abubakr ibrahim [[email protected]]