مرة أخرى وليست أخيرة، تطل إشكاليات لجان النصوص في السودان ،وقد تابع الناس في فترة ماضية جدل كثيف حول لجان النصوص على خلفية رفض اللجنة المختصة بالقصة والرواية في المجلس الأتحادي للمصنفات الأدبية والفنية ،إجازة رواية "الجنقو مسامير الأرض "للكاتب بركة ساكن وقد انتهى ذلك الجدل الى لاشيء كعادة السودانيين ونفسهم القصيرة وذاكرتهم التي تنتهي بمغيب الشمس! الجدل هذه المرة في مجال حيوي بالنسبة للشعب السوداني وهو مجال الغناء ،حيث رفضت لجنة النصوص بالمصنفات الأدبية والفنية إجازة نص أغنية "في عينيك عشم باكر ،وذلك ضمن ألبوم غنائي للفنان خالد الصحافة يضم ثماني أغنيات من كلمات الشاعر مدني النخلي رفيق "فن" الفنان الراحل مصطفى سيدأحمد ومن الذين لازموه في لحظات حياته الأخيرة بالدوحة،والمثير في الأمر أن الأغنية من ألحان مصطفى سيد أحمد وقد سبق أن تغنى بها واشتهرت بصوته ولاقت رواجا كبيرا! وبهذه المعطيات يعود الفنان الراحل مصطفى سيد أحمد الى دائرة الجدل وهو في ذمة الرفيق الأعلى بعد أن استحوذ على دائرة الإهتمام وهو في قمة عنفوانه الفني عندما شق طريقا مغايرا بتجربته الغنائية وصبر على الأذى والأستصغار وتمكن –بفضل قوة عزيمته وإيمانه بمشروعه الفني وتجربته المتجاوزة للقوالب الذوقة المعدة سلفا – تمكن من أن يصل الى جمهور مختلف في وعيه ونظرته لفن والحياة ،وكان مصطفى عبر اختياراته لنصوص أغنياته واعيا بإختلاف فئات وأذواق المجتمع وكانت لديه قرون استشعار فنية ترى ما لايراه الأخرون في المستقبل. هذه الأغنية تم رفضها من قبل لجنة النصوص عام 1979م وذلك بوجود وحياة الراحل مصطفى سيد أحمد ،ثم جاء قرار اللجنة بعد أكثر من عشرين عاما بالرفض أيضا ،ولا أعرف أن كان بعض اعضاء لجنة 79 ضمن لجنة 2012م لكن وعلى ذمة صحيفة فنون الصادرة أمس الأول أن اللجنة الأخيرة تضم الشعراء "السر دوليب ،د.علي شبيكة،حديد السراج ،اسحاق الحلنقي وروضة الحاج "ولم يبديء الأخيرين أية ملاحظات سالبة حول النص ،وقد رفض نص آخر للنخلي من ألحان الفنان علي السقيد. هذه القضية تعيد لجان النصوص إلى دائرة الضوء مرة أخرى وتفتح ملفا في غاية الأهمية حول الأوصياء على التذوق والذين يمنحون صكوك الإجازة للإبداع وللمبدعين أنفسهم ،ومن المؤسف جدا أن العقلية التي حاربت غناء مصطفى سيدأحمد لاتزال موجودة بل هي صاحبة العقد والحل في تحديد ملامح الأغنية التي يجب أن يستمع إليها الناس ،وهنا مكمن الخطر! الذين رفضوا أن يغني أبو عركي من كلمات هاشم صديق "ضحكك شرح قلب السماء" ورفضوا أن تعطي حمامات سعد الدين الحزينة ،حبيبته برتكانة ورفضوا غير ذلك من الأغنيات الجديدة لازالوا يسعون بين اللجان التي "لجّنت "وجداننا وجعلت حرامي القلوب" يتلّب" والحمادات يتجولن – يتجولون في دواخلنا بلا استحياء .. وهذه دعوة للقضاء على مايعرف بلجان النصوص ..ولنا عودة لهذا الملف.