لم يكد الكاتب القصصي والمبدع د. بشرى الفاضل، حتى انطلقت تظاهرتان تتظاهران بمحبة الرجل ومعرفة فضل علمه وإبداعه. الطائفة الأولى هي طائفة المهتمين بالأدب والإبداع إذ رأت أن في فوز القصاص المخضرم استحقاقا قد يشكل محطة مهمة في سبيل التصالح بين التغيرات الكبيرة التي طرأت على المجتمع السوداني في مرحلة ما بعد الإنقاذ، والمبدعين. هؤلاء محقّون إذ أن الإنقاذ في سنواتها الأولى كانت من الغرور بمكان أنها محت الكثير من تراث هذه الأمة، ومنعت البعض الآخر، وحرّمت الكثير من الفنون، وحاولت في نهاية الأمر إنشاء ثقافة بديلة وتراث بديل! ترى من يتذكر الآن مهرجان الأغنية البديلة الذي كان ساحة لكلمات دعائية بألحان معروفة ومسروقة من ذاكرة الموسيقى؟ في تلك الفترة كان الفن هو فن منظمة نمارق، والشعر والنقد هما شعر ونقد علي محمد ياسين، والقصة قصة إسحق فضل الله والعمود الصحفي لعادل عبد الرحمن والوجه التلفزيوني كان ياسين عمر الإمام! في ذلك العهد كانت الأغنيات تقول: لو أكلنا الويكة برضو ضد أمريكا.. ولو أكلنا البامية برضو ضد بريطانيا! كتب حركي في ثوب ناقد فني حينذاك أن الطيب صالح لن يجد شيئاً يكتبه إذا سرق أحدهم من تحت وسادته ديوان المتنبي! حسناً، أن عاد للإنقاذ نصف وعيها وهيأت لها الظروف خالد فتح الرحمن الشاعر المجيد، والدبلوماسي الحاذق، فصالح بين البلاد ومبدعها الأشهر لنرى الطيب صالح في الخرطوم يصف قادتها بالأفاضل بعد أن كان يتساءل عن من أين جاءوا؟، ثم كرت مسبحة المصالحات فشهداء-سعداء- صاحب (فيزيولوجيا الطفابيع) اليساري يصافح النائب الأول شيخ اليمين، في مناسبة لا دخل لشيطان السياسة فيها على أن يبقى في القلوب ما وقر فيها. طائفة ثانية تظاهرت ضد قبول الرجل للجائزة، التي بدأت قوية لتكون جائزة رفيعة ، متظاهرين بمحبتهم للكاتب المثابر وهذه فئة مناضلي الكيبورد، الطفابيع الحقيقيون الذين تتصف أجسادهم بخاصية التطاول أو كما قال المبدع بشرى إن قاماتهم تطول إذا مروا بالبيوت ليروا ما بداخلها. الطفابيع ليسوا هناك بل هم هنا حولك يا بشرى. نشطاء فئة الكائنات الافتراضية على شبكة الإنترنت أرادوا أن (يمسّخوا) على المبدع فوزه المستحق فباتوا يلعنون الزمن ويطلبون من الفائز أن يبقى دون تكريم حتى يشكلوا هم حكومتهم المقبلة فيعيدون للأدباء المجد وللشعراء الدراهم. هؤلاء بدأوا يعايرون بشرى الفاضل بموقف صنع الله إبراهيم حين رفض جائزة مبارك للآداب في مصر قبل سنوات ونسوا أن صنع الله كان محقاً في سياقه إذ رأى أن قبوله لجائزة تحمل اسم مبارك الدكتاتور قد تشوه سيرته، بينما تقدم بشرى الفاضل بإرادته الواثقة للتنافس على الجائزة. أكبر أخطاء بشرى الفاضل أنه غامر بإبداعه مرة فتمازج مع مناضلي العالم الافتراضي وكتب عمود (في التنك) الذي يدغدغ مشاعرهم وهم يريدونه هكذا على الدوام، كاتباً يطربهم هم فقط!