أسعار السلع التموينية ارتفعت بصورة جنونية وقاربت عنان السماء وبحيث لا يمكن اللحاق بها مهما حاولت الجهات المسئولة ومهما وضعت من خيارات لتنقذ الموقف فالمواطن أصبح في حيرة من أمره تجاه غول السوق الذي يفغر فاهه ليلتهم ما في جيوب الغلابة من ذوي الدخل المحدود. إن السياسات الاقتصادية التي سبق وأن طرحتها الولاية والخاصة بمراكز البيع المخفض فشلت تماما وباعتراف من خططوا لها وذلك لأن أي سياسة يتم طرحها لا تسبقها الدراسات الكافية والتي تضمن نجاحها من عدمه وتجعل المواطن (كبش الفداء) ليصطدم بالواقع المر الذي يواجهه يوميا ويصبح في حالة من الشد والجذب قد تفضي به في النهاية إلى الاستغناء عن أشياء أساسية تنعكس سلبا على صحته وصحة أفراد أسرته. السوق يحتاج إلى ضبط ورقابة صارمة تمنع التضارب في الأسعار وتحد من أن تفسح المجال لكل تاجر بأن يتصرف كما يحلو له ويضع أسعارا لا تتناسب ومقدرة المواطن الذي يفاجأ يوميا بزيادة في السلع لأن الجهات المسئولة تاركة الحبل على الغارب وما يصدر من تصريحات هي مجرد حبر على ورق وإجراءات لا تمت للواقع بأي صلة. وكان المواطن والسوق في واد والجهات التي تخطط وتنفذ في واد آخر وإلا ما معنى أن توقع محلية الخرطوم واتحاد أصحاب العمل اتفاقا على خفض أسعار بعض السلع لا نعتبرها أساسية ما عدا السكر والزيت وحتى هاتين السلعتين تشهد أسعارهما تذبذبا ملحوظا ومفارقات في السعر بين كل محل والآخر، فالتجربة ومنذ الآن لا يرجى منها طالما أنه لا توجد رقابة على التنفيذ وهي تكرار لتجربة البيع المخفض التي خرج منها الكثيرون بخسائر وأولهم المواطن. إن من أولى الخطوات التي تحتاجها الولاية هي الرقابة على ما تطرحه من سياسات وقطع الطريق على السماسرة والوسطاء الذين هم أس المشكلة بوقوفهم بين المورد والتاجر مما ينعكس سلبا على المواطن البسيط بما يضعه هؤلاء من زيادات على أسعار أي سلعة يحتاجها. إن الأمر يحتاج وقفة من المواطن نفسه بالتمسك بحقوقه وعدم السماح لأي تاجر بزيادة سعر سلعه دون أي مبرر حتى وإن اضطر إلى مقاطعة هذه السلعة نهائيا وبالإجماع وما تجربة مقاطعة اللحوم وشعار (الغالي متروك) إلا هو الطريق الوحيد لمحاربة الغلاء الذي أصبح مشكلة حقيقية مع ضرورة مواصلة هذه الحملات ودون هدنة أو انقطاع حتى تؤتي أكلها. لا نطالب بزيادة المرتبات لأن هذه الزيادة وإن نفذت سيكون المستفيد الأول منها السوق وليس المواطن، فالأمر فقط يحتاج إلى تركيز الأسعار ودعم السلع الأساسية والرقابة القوية التي تصل حد العقوبات الرادعة لكل مخالف أو مضارب بالسعر أو متلاعب بقوت الشعب ليكون عظة وعبرة لغيره. وهناك قصة تروى لتؤكد أثر الرقابة والعقوبة على المتلاعبين بقوت الشعب فقد قامت الجهات المسئولة في إحدى دول الجوار بتركيز أسعار الخبز وبدأت الرقابة تمارس صلاحياتها وذلك بقيام مسئول كبير بجولة تفقدية للتأكد من التزام كل المخابز بالسعر المحدد وتقمص شخصية مواطن يريد أن يشتري خبزا ليكتشف أن صاحب أحد الأفران غير ملتزم بالسعر المحدد فما كان منه إلا أن قام بقذف صاحب المخبز داخل الفرن متحملا مسئولية ما ينتج عن ذلك التصرف.