رحيل بطعم الحنظل علق بدواخل كل السودانيين، والعملاق وردي يترجل عن صهوة العطاء التى إمتدت لأكثر من خمسين عاماً، نثر خلالها درراً لاتموت، ورسخ فناً يستحق أن يكون منهجاً لكل الفنانين في السودان، فنان (كبير) بمعنى الكلمة، و(إمبراطور) حقيقي تسانده اعماله التاريخية، وليس (جوقة) من المطبلاتية والمتكسبين واصحاب العلاقات العامة، فنان يكفيه عمل غنائي واحد، ان يجعله يتربع على عرش الاغنية مدى الحياة، ويكفيه (لحن) واحد، على تصنيفه من عباقرة الموسيقى في العالم بأسره. رحل (وردي) وهو يضيف برحيله الماً جديداً للساحة الفنية، وجرحاً غائراً آخر، بعد رحيل العندليب الاسمر (زيدان ابراهيم)، لتتيتم الاغنية السودانية فعلياً، ولتصبح على حافة هاوية (الساقط) من القول، و(الراقص المبتذل) من الالحان. فلتحزن البلاد..وليبكي الناس..وليحزن الجميع..ليس على رحيل وردي وحسب، بل على ماستؤول إليه حال الساحة الفنية من بعد ذلك، حيث ستنتشر (الطفابيع) بكثرة، وسيصبح جسد الاغنية السودانية بحاجة أكثر لبتر اجزاء كبيرة منه، حتى لايتبقى إلا قليل يصلح لتسيير ماتبقى من انفاس الحياة بداخله. نحن لسنا من المتشائمين، ولكننا من المتحسرين، ففي الآونة الاخيرة وقبيل رحيل وردي، عزم على مد بعض الفنانين الشباب بعدد من الأغنيات والالحان، وإستبشرنا خيراً بتلك الخطوة التى ستسهم بشكل أو بآخر في تدعيم مسيرة اولئك الشباب وبالتالي الحد من إستئساد الهابط بمختلف اشكاله والحانه، ولكن ارادة الله كانت أسرع. ليت كل الفنانين الشباب كانوا حاضرين في وداع الراحل بمقابر فاروق، ليشاهدوا بأم اعينهم كيف يصنع الناس التاريخ لانفسهم، وكيف يجبرون كل الشعب على الحضور في وداعهم، ليس بالعلاقات أو بالصلات أو حتى بالمواقف (الشاذة)، بل بالعطاء النظيف، الذى يسجله التاريخ، ويحفظه في مكان آمن بعيداً عن كل الظروف...وليت كل الشباب اخذوا من ذلك اليوم منهجاً لتعلم كيفية ان يحترمك الناس.. والدولة..والشارع.. والاطفال..والطلاب.. والموظفين..وحتى ربات البيوت. نعم..رحل وردي..وقبله زيدان..ولكن يكفيهما ان التاريخ كان حاضراً في ليلة وداعهما..وما أكثر من لايسجل التاريخ حضوراً في وداعه. شربكة أخيرة: وردي وزيدان..والله صعبة علينا..!