قدمت لإحدي القنوات الفضائية بعدد من البرامج التلفزيونية للمسؤول عن البرامج وعجبته الفكرة، وبعد فترة قالوا إن الفكرة لفلان وكنت أنا التي اعطيتها لفلان ونفذ البرنامج باسم آخر لكن كانت الافكار واحدة وضاع جهدي واعمالي ومن هنا تطالعنا صورة أليمة عن ضياع الجهود الكثيرة في الأعمال المكررة وأحياناً يعمل ثلاثة أو أربعة من الباحثين في نشر كتاب واحد في الوقت الذي نحن بحاجة فيه إلى كل جهد لانجاز مهمة تحقيق التراث في مدة زمنية مناسبة ولو نسفت الطاقات فربما وصلنا إلى مكتبة عربية تراثية متكاملة خلال ربع قرن من الزمان.. إن بعضهم لا يرى في صدور عدة نشرات من الكتاب الواحد فالنسخ تكثر وتغطي حاجة العالم الإسلامي؟ ولكنه ينسي أمراً أهم وهو تبديد الجهود وضياع الطاقات لفئة من المتخصصين نحن بأشد الحاجة إليها. والمشكلة ليست من المعضلات ولا نحتاج سوى الاتفاق بين الجامعات ومراكز التحقيق المختلفة على ترشيح جهة معينة مثل معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية أو المعلومات التابعة للأنشطة العلمية أو غيرها تقوم بجمع المعلومات في أجهزة الكمبيوتر وتنظيمها وجعلها في متناول الجامعات والمراكز العلمية الأخرى فلا تسجل رسالة إلا بعد الرد الايجابي من قبل ذلك فهل تعجز مؤسساتنا عن ذلك في عصر وسائل الاتصال فلماذا نهدر طاقاتنا وتضيع جهودنا بسبب الاهمال وعدم المبالاة؟. إذا القينا نظرة سريعة على نشرة أخبار التراث العربي التي يصدرها معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية أو النشرة الاخبارية التي تصدرها وحدة المعلومات التابعة للندوة العالمية للأنشطة الإسلامية توضح مدى تفاقم المشكلة وآثارها السلبية على حياتنا الفكرية إذ لا يخلو منهما من ذكر الازدواجية في الأعمال الفكرية عن اشتغاله بتحقيق نصي بأنه يعمل في تحقيق النص نفسه وقد يقوم ثالث باخراج النص دون الاثنين ودون إعلان عمل بحديث واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان. إن دراسة تاريخ الحركة الفكرية في الإسلام تفتح بصيرة الإنسان المعاصر على أبعاد الإلتزام الأدبي وإنكشاف السرقات الأدبية ولو بعد حين وتقاليد العلماء في البحث العلمي والتكافل المعرفي والبعد عن الأنانية وحسب الشهرة على حساب الآخرين وقبل ذلك كله استحضار النية في الأعمال العلمية كان لها أعظم الاثر في الأزدهار الثقافي في التاريخ.