جلسة يتيمة جمعتني مع الراحل وردي - كان ذلك صيف العام الماضي في الدوحة خففنا بضعة أصدقاء الى مقر إقامته كان برفقته نجله مظفر وزوجته الاخيرة على ما أظن- كانت أمسية استثنائية اكتشفنا فيها وردي اخر تماماً يختلف عن ما يشاع عنه من صرامة وشدة في التعامل وحسم في الردود - كانت ضحكته الاعلى يومها يوزعها في الفضاء بلا حساب - احتفى بنا واسر لنا بحكايات ومواقف وآراء تحتاج لكتاب وليس مجرد عمود صحفي صغير- ما لفت انتباهي قدرة الرجل على المؤانسة والمزاوجة بين الحكي والدراما والتشويق مستندا على من شبكة واسعة من العلاقات صحبته طوال عمره تنوعت وتوزعت بين عالم الفن وقلق البدايات وقوة الموهبة في بحثها الدائم والمتلهف عن الفرصة - والفرصة هنا مجرد بداية او قل منصة انطلاق فوردي استمر وطور فنه وطور معه وجداننا الجمعي بالتالي وظل بذات الروح حتى يومه الاخير - ولا ننسى السياسة ودروبها الوعرة والمجتمع العريض -فوردي تحرك ونشط كفنان وإنسان ومواطن مسيس - الفن حين يحكي عنه وردي يتحول الى قضية والتزام وطموح ومحاولة للصعود وتحدي عراقيل الحراك الاجتماعي في سودان النصف الثاني من الخمسينات او سودان الاستقلال المتطلع لإثبات نفسه وبناء دولته الوطنية - حكى عن دخوله الاذاعة وصعوده الداوي فيها وعن مديرها متولي عيد الذي سافر وتنقل ليعرف انطباعات المستمعين عن الفنان الشاب ولما تأكد من حسن استقبال المستمعين له اتخذ قراره بضم وردي الي فئة فناني الدرجة الاولى - معلومة ليست جديدة ربما حكاها وردي مرات ومرات لكن حكيه جاء مختلفا تماماً ليلتها - فالنضج والسن والتفكر في الفن والحياة عموما كل هذا اكسب حكيه لمسة خاصة لا تدع للجالسين الا التفكر في امر ما كان عليه هذا البلد وما آل اليه على مر السنوات - حدثنا عن ميلاد أغنياته وعن شهية الانتاج الابداعي وتيرتها العالية عددا ونوعا في النصف الاول من الستينات رد وردي ذلك لروح تلك السنوات - سنوات الصعود واكتشاف الذات والعمل في مناخ تسوده المنافسة الشريفة - الكل كان ذلك الرجل الطالب يجد في مدرسته والمعلم يعطي بلا حساب والموظف يجد من اجل الوطن والترقي وإيجاد موقع في خريطة مجتمع يعيد تشكيل نفسه - المغنون والشعراء والملحنون والعازفون كانوا يمسكون بقياد الحراك الوجداني ومحاولات البحث الدائم عن مقومات الهوية الوطنية من خلال الغوص في ارث الإيقاعات والشعر والخيال المتراكم على مر الأجيال- في هكذا أجواء نشط وردي وصال وجال بصحبة اسماعيل حسن وشعراء آخرين - غنى ولحن وتدخل في صياغة بعض القصائد وهو إذ يفعل انما ليكون وفيا للمهمة والدور ومكانتهما في خريطة الحراك الوطني السوداني الشامل في مطلع الستينات –