من هم البجا؟ عرف السودان العالم أول مرة في تاريخ عبر بوابته الشرقية، حيث سجل إنسان الشرق ملاحم بطولية مشهودة وهو يتصدى لغزوات الفراعنة والرومان الذين كانوا يرومون نهب الذهب الذي ينتجه ثرى الشرق، والإنسان هنا ولأنه ينام على أرض تنبت الذهب فإن كلامه وأعرافه مغسولة بماء الذهب عباراتهم عطر وكلماتهم يفوح من بين ثناياها المسك، نحن قدمنا للسودان صناع الكلمة الجزلة الموسوعة الحاردلو، إسحق الحلنقي، إبراهيم حسن، المربي على صالح داود، روضة الحاج، ديشاب، أبو آمنة حامد وفلتة زمانه كجراي، والإنسان هنا مزيج من حضارات سادات الكون وسليل أمم متنوعة الجدود سماهم المؤروخون "البجا". وكلمة "بجا" عبارة ثقافية وليست عرقية أو قبلية وهي تطلق على كل الأجناس التي قطنت في الحدود الجغرافية لإقليم شرق السودان وحدود البجا الجغرافية تتعدى الحدود الوهمية بيننا والجارة أرتريا. ولقد استقر الإنسان البجاوي في مصوع وتمددت حدوده مع الشقيقة مصر حتى "أسوان"، والبجا كوشيون يلتقون مع النوبيين في جدهم كوش بن حام بن نوح والبجا عباسيون يلتقون مع أبناء كردم وإبراهيم الجعل، والبجا كواهلة بشاريون وعبابدة والبجا عبد اللاب يتجذرون إلى العجيب المنجلك إنهم عصارة السلالات التي عطرت الكون بجميل القيم إنهم حماة السودان منذ القدم وطير أبابيل أدمت مخالبها جحافل مملكة اكسوم حتى تلاشت المملكة المسيحية بددا وكان انهيارها على أيدي أهل الشرق بسيوف الهند والعاديات ضبحا والموريات قدحا، سيوفهم صباء حق يبهر أعين الأعداء ويعمي بصائرهم وحرابهم تغوص في صدور الحاقدين لتمزق أحشاء الدوائر التي تكيد بأهل السودان، إنهم قوم تشربوا من حضارات العالم واشتاروا من ثمارها ما ينفع الناس حتى تحصنوا بأعراف عريقة وقيم رفيعة يصعب اختراقها أو تغيرها حتى نعتهم المؤرخون بأنهم يؤثرون ولا يتأثرون. لقد تدفقت في جوف إقليمهم الأمم والشعوب من السودان ومن خارجه ييممون وجوههم تلقاء سواكن حاضرة البجا من الحبشة ومصر والجزيرة العربية وإيران وأفغانستان. وتغلبت الثقافة البجاوية على تلك الأمم الوافدة حتى أصبحوا جزءا أصيلا وفاعلا من منظومة البجا فكانت أسرة باوارث الذين نشروا دور العلم في الشرق وباعبود وغلام وسعدابي وأسرة الشاعر الفذ بازرعة والشاعر العملاق دكتور محمد عثمان جرتلي والعالم الجليل باعشر وعملاق الفن والأديب عبد الكريم عبد العزيز الكابلي الذي كان والده نقيب الرابطة الأدبية بسواكن. لقد ذابت القبليات في سواكن في قبيلة جديدة تنتمي للأرض والمنطقة وسميت قبيلة السواكنية تماما كما انمحت القبيلة في همشكوريب بفضل القرآن وسميت كل القبائل القاطنة هناك "بالكرياتي". "بمعنى"حفظة القرآن. قدمنا للسودن أسود الوغي وأبطالا شهد لهم الأعداء قبل الأصدقاء. دفعنا للصدارة البطل علي بابا أو أولباب وتقدم صفوف المجاهدين من الشرق الأمير عثمان دقنة حتى أشاد" كبلنج" "شاعر الامبراطورية البريطانية ببسالة الجندي البيجاوي بصورة شعرية. لقد حاربنا أمما كثيرة وهدمنا جيوشهم ولكن المقاتل البجاوي قد اخترق المربع الذي حكم به العالم. لقد انهرم حدنا وانتصر علينا (الفزيوزي) ذو الشعر المجعد لأنه كان صاحب قضيتة ويحمي أرضه وعرضه في حين أن جنودنا كانوا يحاربون مقابل المرتب. ثم كان آخر مسمار يدق في نعش الاستعمار البريطاني من أهل الشرق كان من سليمان كشة مع صديقه البطل علي عبد اللطيف الذي ملأ الساحة السياسية بالسنمارات والندوات والمظاهرات حتى غادر الاستعمار بلادنا. وقدمنا للسودان الفريق إبراهيم عبود الذي ترك أثرا طيبا يحفظه له التاريخ.