الذي يرى ويسمع التصريحات والتصرفات الكثيرة هذه الأيام يدرك تماما كيف أن نيفاشا كانت أكبر خدعة وقعت فيها الحكومة.. لقد كانت نصرا للحركة الشعبية من غير حرب. ذكرني بذلك الكتاب الذي كتبه الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون في مواجهة الاتحاد السوفياتي ابان الحرب الباردة بعنوان (نصر بلا حرب) وكان يتوقع انتصار أمريكا على الكتلة الشيوعية بلا عمل عسكري مباشر بل بوسائل اقتصادية وسياسية وديبلوماسية عن طريق جر الاتحاد السوفياتي إلى مواقع مكشوفة أخرى غير الحرب المباشرة وارهاقه ماديا ونفسيا من خلال حرب النجوم وسباق التسلح وجعله يغرق في مستنقع افغانستان مما يكلفه أموالا طائلة لا يستطيع اقتصاده تحمله فيسقط ويتهاوى من الداخل. والغريب انه لم يمر على هذا الكتاب بضع سنوات حتى انهار الاتحاد السوفياتى وتفكك مع كتلته الشرقية.. ويبدو أن الجهة التي رعت محادثات نيفاشا بين الحكومة والحركة الشعبية اتبعت نفس الأسلوب الذي انتهجته أمريكا ضد الاتحاد السوفياتي، فنيفاشا لم تنتج سلاما الا بضع سنوات استطاعت الحركة الشعبية خلالها أن تحتل كل مدن الجنوب التي لم تستطع احتلالها ابان التمرد وعلى رأسها جوبا عاصمة الجنوب التي كان من المستحيل احتلالها. وانتهت نيفاشا إلى حرب جديدة أكثر خطورة في بقية المناطق!! لقد كانت نيفاشا بمثابة حصان طروادة ومسمار جحا في نفس الوقت فأمريكا ما زالت تتمسك بتنفيذها لتطبع علاقتها بالسودان كما تدعي رغم أن الحكومة التزمت بإجراء الاستفتاء الذي أدى إلى انفصال الجنوب بل اعترفت بنتيجته.. للأسف الآن نحن نبدو كأننا نستدرج إلى مواقع مكشوفة جديدة عسكريا وسياسيا وديبلوماسيا واعلاميا ولا ندرى إلى أين نساق وهذا ما يجعل الوضع الاقتصادى أكثر صعوبة وقتامة لأننا سنضطر إلى إنفاق المزيد من الأموال لمواجهة العدوان العسكري والأخطار الأمنية وهذا الأمر خطير جدا على الأوضاع اذا لم نتداركها بحكمة ووحدة وطنية حقيقية.. إيران وإسرائيل تريد اسرائيل دفع أمريكا لضرب ايران ومساندتها في ذلك وأمريكا تعلم خطورة ذلك فإيران ليست بالدولة الضعيفة كبلدان العرب التي ظلت اسرائيل تتلاعب بهم ستين عاما وهم نائمة مستسلمة أو متآمرة، تضربها اسرائيل في الخد الأيمن فتدير لها الخد الأيسر.. تمتلك اسرائيل السلاح النووي وترفض التوقيع على معاهدة عدم انتشار السلاح النووي ولكنها تعترض على ايران امتلاكه؟ ما هذه الأزدواجية في المعايير وهذا الظلم الواضح؟ اننى اختلف بل أعارض بشدة سياسة ايران في المنطقة العربية خاصة موقفها السيء في سوريا ودعمها للنظام البعثى السوري المجرم تدعمه بالسلاح وغيره ورغم ذلك أرفض تماما أن تقوم اسرائيل أو غيرها بضرب ايران لأنها اكثر عداوة وظلما للفلسطينيين، تحتل أرضهم وأراضي عربية أخرى كالجولان وغيرها. ايران ليست مثل عراق صدام الذي حاول أن يكون شرطي المنطقة ليستجدي صداقة أمريكا بمحاولة إضعاف ايران وإجهاض ثورتها المباركة ضد عميل اسرائيل وأمريكا (الشاه) حين مزق اتفاقية الجزائر وجر ايران إلى حرب طويلة ليضعفها فخرجت أكثر قوة ولكنها استنزفت دول الخليج. وعندما ضربت اسرائيل قواعده النووية لم يفعل لها شيئا، أما ايران فلا أظن أنها ستصمت اذا أقدمت اسرائيل أو غيرها على مغامرة ضرب مفاعلها النووي وستكون بداية النهاية لإسرائيل خاصة بعد الربيع العربي الذي قضى على عملاء أمريكا وأصدقاء اسرائيل في المنطقة.. يجب على أمريكا ألا تنخدع بمخططات اسرائيل فسوف تجرها إلى نفس ما حدث للاتحاد السوفياتي في تورطه في افغانستان.. أفضل لأمريكا التعامل مع إيران والدول العربية من اسرائيل.