كأن الخرطوم "ناقصة" او كأنها تتعجل ما يزيد مشاكلها في التنظيم والمظهر والمخبر- لتجهز على النزر اليسير الذي يذكر بأن عاصمة كانت هنا ذات يوم – حل الزنك الامريكي ضيفا على اسواق الخرطوم - وجدت السلطات ضالتها المنشودة فيه – استخدمته في ما يخصها من منشآت طفيلية – زائدة عن حاجة الشارع والبصر – وذات الامر ينطبق على المواطنين. انتشرت حمى الزنك الامريكي في المدينة – وبدا اضخم مشروع تشويه متعمد في تاريخ العالم – انه الزنك وصاحبه الشبك – اتحدا وائتلفا ليجهزا على كل ما بذل من جهود لانقاذ الخرطوم من البداوة والفوضى والعودة بها الى صفوف العواصم ولو من المؤخرة – اصبح الزنك اكثر ما تقع عليه العين في الخرطوم – في مقدمة الدكاكين والمحلات التجارية بمختلف انشطتها وانواعها - وفي المساحات المقتطعة من الشارع العام امام المنازل المسماة مجازا بالحدائق وهي ليست كذلك الا في حالات نادرة. لماذا ؟ سؤال نطرحه– رغم القناعة بتأخر طرحه - فما من قوة في هذا البلد تستطيع وقف طوفان الزنك الامريكي على ما يبدو - وهو منتج صنع اصلا لتشييد الجملونات والمخازن التي تبنى من هياكل حديدية وفي غير ذلك من الاستخدامات الانشائية على ان يكون في مكانه الصحيح – وهذا لا ينطبق على حالة الخرطوم. لنأخذ الزنك الذي يتصدر واجهة الدكاكين كمثال باعتباره الاستخدام الاسوأ من نوعه – مع التذكير بان المحال التجارية في مختلف بلدان العالم تعنى بواجهاتها وطرق العرض الجاذبة للزبائن – تخلى تجارنا عن كل هذا عمدا- ربما لقناعتهم بان المستهلك لا ولن يسأل او يتخذ موقفا من محل لا يلتزم بادنى متطلبات العرض والتنظيم . تتمدد مظلات الزنك امام المحلات بمساحات واشكال متفاوتة – يجمعها في الغالب الاعم تشطيب سيء ومشهد اسوأ – ويتمادى البعض في اضافة الوان ولافتات تزيد الطين بلة – نقول ذلك وفي الخاطر العين وحقها في التفاعل والتواصل مع محيط منظم ومنضبط – فالعواصم ينبغي لها انتاج مشاهد متسلسلة تقوم على عناصر جاذبة مثل النظافة والتنظيم وتطبيق القوانين ذات الصلة. عن اي قوانين تتحدثون ربما يتساءل احد – وهو محق تماما – لان سلطات الولاية ممثلة في المحليات – هي من يقونن هذا التشويه غير الحضاري وتمده بكل وسائل الاستمرارية . فاية مظلة تضاف لدكان او مطعم او صيدلية او صالون حلاقة تعني رسوما اضافية للمحلية المعنية – تصدر المحليات التصاديق وتجبي ما تجبي من رسوم نظير ذلك – دون ان تضع شروطا ملزمة في ما يتعلق بمواصفات المظلات وشكلها العام – متجاهلة بذلك حجم الضرر الذي تلحقه المظلات بالشارع العام وسمعة المدينة العاصمة – كان بامكان المحليات اصدار كراسات تفصيلية بشأن مواصفات المظلات لكنها لم تفعل – وان كان ثمة قانون – فانه لا يطبق والنتيجة هي هي. قلنا قبل اليوم ان المحليات ليست الاجهزة المناسبة لادارة عاصمة والتقرير بشأنها في ما يتعلق بالمظهر والتنظيم – هناك كوادر ومؤسسات تستطيع اعادة التوازن للخرطوم واستردادها من احضان الزنك الامريكي - لو خلصت النوايا وتبلورت لدى صناع القرار الرؤية المسبقة لماهية العاصمة وما يجب ان تكون عليه. لم تستفد المحليات او حكومة الولاية او اية جهة في العاصمة المثلثة من الاخطاء القديمة التي صاحبت بناء الاكشاك – سواء على صعيد الشكل او المساحة او اماكن البناء – وكان ان تناثرت الاكشاك كالفطر وخرجت علينا اقبح صورة يمكن تخيلها – بدلا من اعتماد تصميم موحد – وهذا مجرد مثال لأن " بلاوي الخرطوم ما ب تتحسب" يتحمل اصحاب المحلات وكل من يستخدم الزنك الامريكي خارج منزله جانبا كبيرا من المسؤولية – والحديث هنا عن لمسات جمالية وتصميمية كان ينبغي وضعها في الاعتبار – قلة تفعل – والغالبية شريك كامل في جريمة تشويه الخرطوم. لا بد من تحرك سريع وحاسم ضد عبث وفوضى الزنك الامريكي – اذا كان هناك من يهمه امر الخرطوم – او المدينة المنهكة والمغلوبة على امرها.