لم ينجح أحد! هذه هي العلامة التي حصل عليها صانعو وموقعو مذكرة قيادات وكوادر وقواعد الحزب الاتحادي الديمفراطي الأصل والتي انفردت بنشرها الزميلة (الأحداث) الأسبوع الماضي. لم ينجح أحد بسبب أن المذكرة لم تحقق أي هدف من أهدافها الثلاثة وأولها: الخروج بالحزب من الحكومة، وثانيها الضغط على زعيم الحزب السيد محمد عثمان الميرغني، وثالثها- هدف غير معلن- وهو لفت الموقعين الأنظار إلى ذواتهم ومحاولة معاقبة الحزب على تجاهلهم عند توزيع المغانم الوزارية. لم يهتم السيد الميرغني ودائرة صنع القرار الحزبي القريبة منه بالتعليق على المذكرة وبدا أن الأمر لم يناقش في باب الحزب العالي. وبالرغم من الترويج الكبير الذي حاولت مجموعة المذكرة القيام به للحصول على أكبر قدر من توقيعات (الناشطين) بالداخل و(الخاملين) بالخارج، إلا أن الربط المقدر -فيما يبدو- لم يتحقق، كما أن الأسماء اللامعة التي استغلت في الترويج لم تعط مباركتها النهائية. كان المؤتمر الصحفي الذي عقدته لجنة المذكرة محاولة لمحاصرة نيران الضرر الذي تحقق بتسريب المذكرة ونشرها للرأي العام، لكن اللجنة لم تكشف للصحف عن أسماء الموقعين واكتفت بتقديم إحصائية تقديرية أفادت فيها بأن 80% من منسوبي أجهزة الحزب قد وقعوا ولو كان ذاك كذلك لأمكن لهذه الأغلبية الهائلة (المفترضة) أن تتخذ قرارا بفض المشاركة بدلاً عن رفع المذكرات المطلبية. من أبجديات اللعبة الديمقراطية أن من يملك الأغلبية يتولى القيادة وعلى الأقلية أن تنصاع له أو أن تتنحى. إذا كانت قيادة الحزب الحالية تعبر عن إرادة أقلية لا تتجاوز 20% فينبغي أن يطاح بها وتغير بمجموعة المذكرة. الحقيقة اللافتة المستخلصة من تمرين المذكرة الأخير أنه بالرغم من توحيد الحزب الاتحادي الديمقراطي مرتين، مرة قبل الاستقلال، ومرة أخرى في عقد الستينات، ظل الحزب كما هو عبارة عن حركة فضفاضة تضم مجموعة من الأحزاب التي تعمل تيارات منفصلة عن بعضها في الأفكار، والرؤى، والتصورات، وآليات العمل، ويربط بينها جميعاً الحاجة إلى زعامة الميرغني وجماهيره. تعرف التيارات الاتحادية أنها لا تملك ما يكفي من الأعمدة لتقف دون الاتكاء على (عصا) وكاريزما مولانا، ومولانا يدرك ذلك ويستخدم ذلك الإدراك ببراعة تضمن له الكلمة الأولى والأخيرة. إن على المجموعة الرافضة للمشاركة من الحزب الاتحادي الأصل أن تتقدم الآن للخطوة التالية بعد أن فشلت مذكرتها وأعتقد أن عليها أن تدرك أن خيار الانشقاق مجرب وفاشل، وخيار الإذعان مرير، فعلى أي الجانبين يتكيء الغاضبون؟ بهذه المذكرة كسب الميرغني ثلاث نقاط: واحدة هي قدرة جماعته على الاختراق وإعاقة مخططات الخصوم، وثانية أنه كشف عجز معارضي المشاركة على التأثير، وثالثة أنه حصل على ورقة إضافية تعينه على تحسين موقفه التفاوضي مع المؤتمر الوطني إذ إنه ما لم ترتفع أسهمه في المشاركة فإن احتمال تزايد أعداد الغاضبين يظل مفتوحاً.