إن الهيمنة القطبية الواحدة للعالم الذي انفردت به الولاياتالمتحدةالأمريكية, جعلت الفكرة الكلاسكية لسيادة الدولة القومية تنحصر في النظام العالمي الجديد, مما أدى لاستخفاف التوجه الأمريكي بميثاق الأممالمتحدة باعتبارها المنظمة التي تعمل على حماية سيادة الدول, وبناء عليه ظهر ما يعرف (بمبدأ بوش ) الذي تبنى استراتيجية الحرب الاستباقية التي احتل بموجبها العراق بدون الرجوع إلى الأممالمتحدة. في ظل هذه الظروف احاطت بالسودان المؤامرات, مستغلتة انفصال دولة الجنوب التي عملت عليها الاستراتيجية الأمريكية لتحصاره من حدوده الجنوبية بما يسمى "الجنوب الجديد" الممتد على خط عرض 13,والذي يشتمل على اغنى أراضي السودان في منطقة السافنا الغنية بالنفط والمراعي, حتى دفعت بدعم منها الحركات المسلحة مع باقي قوات العدل والمساواة والحركة الشبعية في الشمال بقيادة الثلاثي، (عقار – عرمان – الحلو ) حتى تتمكن من محاصرت الحكومة في الخرطوم مع تواجهه من أزمات مالية بعد فقدانها لمورد عائدات النفط وبالتالي يتم اسقاط النظام وتقسيم السودان إلى دويلات, وهي أهداف تعمل من ورائها دولة إسرائيل لتأخذ حصتها من مياه النيل بعد ثبتت وجودها في دولة الجنوب الحديثة التي وجدت الدعم العسكري واللوجستي والتدريب لقواتها بل التنسيق لعملياتها في توجه الجبهة الثورية التي تجد الإسناد من كل الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة وإسرائيل. هذا بالإضافة لمشاركة باقي قوات دارفور التابعة ل "عبد الواحد و اركو مناوي وخليل ابراهيم " التي تمكنت من التسلل إلى دولة الجنوب, كل هذه السيناريوهات تمت قبل قرار المحكمة الجنائية الدولية الأخير الذي صدر في حق وزير الدفاع السوداني بتزامن مريب مع العملية التي تمت في بحيرة الأبيض, هذه مع تسرب معلومات غير مؤكدة عن مقابلات بين عناصر من قيادات الجبهه الثورية وقائد قوات مؤتمر البجا يقال إنها تمت في شرق السودان مع قوات البجا التي تتشكل معظمها من القبائل الحدودية المشتركة بين أرتريا والسودان. لا شك أن هذا الوضع يهدد وحدة السودان وتماسكه, وهو السيناريو المعد سلفا للسودان بعد أن تمت الخطوة الأولى بفصل الجنوب, حتى يسهل تقسيمه لكي تكتمل المرحلة التي تخص السودان بعد أن حققت ثورات الربيع العربي اهدافها في الدول العربية الأخرى, أما السودان الذى يشكل جسرا بين الاسلام والعروبة في أفريقيا يجب أن يكون مصيره مختلفا عن باقي الدول العربية فماذا نحن فاعلون ؟؟ إن الواجب على القيادة الحكيمة استقراء احداث التاريخ لتأخذ منها الدروس والعبر فلماذا لا نقرأ تاريخنا الحديث وما مرت علينا من تجارب منذ اتفاقية نيفاشا التي قبلنا بها بشروط أصعب من اتفاقية (الميرغني – قرنق) التي رفضناها لمكايدات سياسية بين الحزبين الكبيرين في ذلك الوقت, وبالقياس لهذه الاتفاقية لماذا لا نراجع ونعيد حسابتنا لاتفاقية أديس أبابا (نافع – عقار) بالاستفادة بعلاقة مولانا الميرغني وهو الآن شريك في الحكومة وليس معارضا وهي مشاركة في مسئولية إدارة شؤون الحكم كله وليس مجرد تقاسم في المناصب,لا سيما ولمولانا مكانة خاصة لدى قيادات مختلف جماعات المعارضة السابقة وعلاقته الوثيقة بهم منذ أيام التجمع الديبمقراطي, خاصة لاعتناق أهل (عقار) الإسلام على إيدي خلفاء الطريقة الختمية وحتى البقية من غير المسلمين من أهل الكتاب "من أبناء النوبة " يمكن الحوار معهم بدلا من الحرب . تمسكا بقوله تعالى ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) ) سورة آل عمران. حتى نشهد عليهم بأنهم المعتدون وأننا جنحنا للسلم وتقاسمنا معهم السلطة والثروة في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان والتي أعلن واليها "هارون" استعداده للتفاوض مع الحركة الشعبية في صحيفة (الاحداث بتاريخ الاحد 1 مارس العدد1572). عليه يكون هذا المسعى بديلا من الشكوى لمجلس الأمن الذي أصبح أداة لدى الدول الكبرى كل ذلك حتى نعمل على إنقاذ للسودان مما يحيط به من مؤامرات خطيرة ولكي لا ندخل الحرب والجبهة الداخلية مفككة وغير موحدة. هذا وأن ما يجري من حولنا من تحولات سياسية نتيجة لثورات الربيع العربي , يُحدث مناخا ضاغطا على السودان وذلك باستنزاف موارده التي تقلصت لفقدناه مصدر النفط, ليتحرك الشارع بسبب ضيق المعيشة واستطالت الحرب على مر الحقب, إلا أن الشعب السودانى الصابر الواعي سبق أن ركب (التونسية ) مرتين في ثورات ( 64/85), وصبر على سياسة (التمكين) والتي قرر رئيس الجمهورية عدم العمل بها وهذا في حد ذاته رجوع للحق, وهي ممارسة شردت أبناء الشعب وكوادره المؤهله كل هذه السنوات, وبالتالي يجب على الحكومة والمعارضة إن تقدر معاناة الشعب وصبره وتستجيب لرغباته بطرح برنامج وحدة وطنية يوحد الجبهة الداخلية ويكفل حرية الرأي والتعبير ليشارك الجميع في مواجهة أزمة البلاد المستفحلة عن طريق هيئاته الشعبية والسياسية متمثلة في منظمات المجتمع المدني والاحزاب السياسية وحتى لا يضطر الشعب للانتفاضة في مثل هذه الظروف الأمر الذى سيزيد من عمق الأزمة السودانية داخليا وخارجيا, مما سيساعد على التدخل الخارجي الذي ما زالت قواته مرابطة في دارفور وأخرى غير بعيدة تنتظر للتدخل لأسباب إنسانية, من ثم نجد انفسنا في وضع يركبنا (اليمنية )؟! كل هذه السيناريوهات والمخاطر واردة فيما يحيط بالسودان من استهدافات هذه الايام , لذلك ينبغي علينا أن نضع كل الاحتمالات في الحساب, خاصة بعد وضوح نوايا الدوائر الغربية التي تستهدف قادة البلاد وذلك بإدراجهم في قائمة (الجنائية) حتى تفقد البلاد استقلالها وسيادتها التي حققها الشعب السوداني عبر نضال طويل ومجاهدات ضد الاستعمار حتى نال الاستقلال الذي مهره بالدم. لكل هذه المعطيات يطرح السؤال نفسه لماذا لا نرجع الأمر كله لصاحب الحق الأصيل (الشعب السوداني ) ليقول كلمته بإجراء إنتخابات مبكرة بمشاركة الجميع (حكومة – معارضة – وحركات مسلحة) بعد تكوين حكومة قومية لمدة عامين تعلن هدنة بإشراف مبعوث من الأممالمتحدة وقوات فاصلة بيننا ودولة الجنوب تأمينا للسلام الدائم؟