في الحد الفاصل أو الواصل بين مجتمع الشرطة وشرطة المجتمع والنظام العام سقطت عوضية – خرت قتيلة – في اغرب قصة موت من نوعها – قصة جديرة بالتوقف عندها والتأمل فيها وطرح الاسئلة بشأنها – قتلت عوضية برصاصة تمردت على الشرطة كمؤسسة وخرجت عليها بتهور وتحد واضح للقوانين والمعايير والضوابط الخاصة بإطلاق النار – وهي معروفة لكل رجل شرطة ولكل مواطن. لم يعرف عن الشرطة السودانية انها تقتل الناس لأوهى الاسباب واتفهها – حدثت حالات فردية – تم احتواؤها سريعا – لكن موت عوضية – اثار وسيثير الكثير من الاسئلة والاشجان – وليس امام الجهات الرسمية ايا كانت سوى التعامل مع الحادثة بما تستحق من الحسم والشفافية. خلفنا تاريخ طويل وعلاقة جيدة نسجتها الشرطة مع المجتمع – احترمته وبادلها الاحترام بأحسن منه – عرفت اين يبدأ عملها واين ينتهي – كلاهما الشرطة والمجتمع كانا على دراية تامة بضرورة التوافق والتنسيق والاحترام كأسس للعلاقة المتبادلة بينهما – فأي سوداني يمكنه التحدث دون تلعثم عن علاقته بالشرطة وكيف كانت. ما الذي تغير اذا؟ ولماذا قتلت عوضية وضربت امها وقضت طفلة في الرابعة من عمرها بالغاز المسيل للدموع؟ السبب ببساطة هو الأدلجة والزج بالشرطة في مجالات لم تألفها ولم تشتغل عليها – بعبارة اخرى وضعت الشرطة في حيز ضيق واوكلت إليها مهام غير مألوفة وغير ضرورية اذا شئنا الدقة. وخير مثال – شرطة المجتمع والنظام العام – يعلم الجميع مدى متانة النسيج الاخلاقي السوداني – بصرف النظر عن الهامش الذي تتحرك فيه القلة المارقة من مرتكبي الجرائم بمختلف انواعها – وهؤلاء ليسوا بالظاهرة الطارئة – انهم موجودون منذ زمن طويل وينشطون – وظلت الشرطة قادرة على التعامل معهم وملاحقتهم دون زعيق او شعارات – كثيرون لا يفهمون او قل يحاولون فهم جرعات الشحن الزائدة في مؤسسات راسخة وقديمة قدم الدولة السودانية الحديثة ونمثل هنا بالشرطة – والشرطة سادتي من المؤسسات التي تعمل ضمن المعادلة التي تقول بأن حاصل جمع واحد زائد واحد يساوي اثنين وكفى – فمن يعمل بالقانون ويسعَ لتطبيقه لا يحتاج افاضة أو شحنا عاطفيا او ما شابه. ما حدث في الديم يدعو الى القلق – فقد تصرفت دورية الشرطة ليلتها بنهج "البصيرة أم حمد" التي افتت بقطع رأس الثور لتخليصه من الزير الذي ولج فيه عوضا عن تهشيم الزير المصنوع من الفخار – فتوقيف مشتبه بتناول الخمر انتهى بمقتل ابرياء وكلف الشرطة والدولة الكثير . " ختو الكورة في الواطة" لا تصدقوا الحملات المغرضة والتحذيرات التي يطلقها بعض أئمة المساجد ورجال الدين وبعض الآراء الفردية التي لا تمثل الا اصحابها – وكلها تكيل الاتهامات للشارع السوداني وتتهمه بالحيد عن صحيح الدين والاخلاق – مجتمعنا لا يزال بخير وسيظل لأن قواه المنتجة للقيم الخيرة لا تزال بخير وتعمل بذات الكفاءة المعهودة – ولسنا في حاجة لتذكير الحالمين بمدن فاضلة بأنهم يجرون وراء سراب – كفوا عن التعميم يا سادتي وانظروا للكوب كاملا وليس نصفه فقط – وتجنبوا اطلاق احكام او تشجيع تصرفات يذهب ضحيتها ابرياء مثل عوضية.