الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(بنعيش).. على دعوتك يٌما
نشر في السوداني يوم 21 - 03 - 2012

كل عام والمراة السودانية بخير، رفيقة توازي وتسابق، عالية ترفض الظلم والضيم، بخطى واثقة تعبر نحو غد واعد وصادق يتناسب مع مكانتها المستحقة لأنه يوافق اليوم عيد الام لأنه مهما قلنا عنها لن نوفيها حقها واذا اردنا ان نكرم امهاتنا سوف نجد لهن في كل خطوة موقفا لايمكن تجاوزه، ولكن هنا نحتفل في شخص امهات كانت لهن انجازات عم خيرها على كل الافراد اللاتي عشن بينهن وتركن اثراً لايمكن ان تتجاوزه محطات الزمن لأن جهودهن العظيمة كانت فوق الخيال وبجهد شخصي وطموح ذاتي ووعي وفكر مستنير يبين عظمة هذا البلد الذي انجبهن، فلهن منا كثير الشكر، والرحمة لمن رحلت عنا والصحة والعافية والعمر المديد لمن عطاؤها ونصيحتها مازالت مستمرة.
* المناضلة
هنا نبرز الجانب النضالي القوي والعود الصلد لاحدى النساء اللاتي كان لها دور بارز في الحركة النسوية الاستاذة بدرية الزين هي امرأة قوية وشجاعة بدافع القناعة صفات لاتقارن فيها باخرى، لانها تؤكد بنفسها عن نفسها (عقيدتي ختمية ومبدئي اتحادي وادائي قومي)، هي امرأة اعتقلت اكثر من مرة وتقلدت اكثر من منصب واصبحت عضوة باكثر من جمعية اجتماعية خدمية مازالت بصماتها واضحة حتى الان بدار المسنين بالخرطوم ونادي الاسرة والخرطوم(3) انها الاستاذة والام المتفانية بدرية الزين مصطفى امرأة من نوع خاص مبادرة ومناضلة لسنوات طويلة لم تتقاض على عطائها اجرا، وام لتسعة من البنين والبنات وقفت معهم وساعدتهم واخذت بيدهم حتى تخرجوا من الجامعات بأعلى الشهادات وفرحت بهم وهي الان تستمتع باحفادهم الذين يملأون حياتها بهجة وجمالاًً.
السيدة بدرية الزين امرأة من طراز فريد بالرغم من وظيفتها الطوعية التي تأخذ نصف يومها الا انها كانت تقوم بخدمة منزلها بنفسها وبدون مساعدة من أحد وهي بيدها عدد من الاطفال برعت في تحقيق رغباتهم بدون ان تقصر في وظيفتها او تهمل زوجها او تفقد نفسها في كل هذا، وهي بالرغم من مسئولياتها الجسام الا انها تنتمي للحزب الاتحادي الديمقراطي ولها موقف مشهود مازال معاصروه يتداولونه حتى الان بكل فخر واعزاز، الموقف سجلته عقب وفاة الزعيم اسماعيل الازهري والاحداث التي صاحبت ليالي العزاء من تكتم ومضايقات من عساكر مايو آنذاك اجتمع عدد من الاعضاء للتشاور في إعداد منشور لتأبين الراحل واظهار قوة الحزب المحاصر والمحظور من النشاط قبل الدفن، وبالفعل كتب المنشور الذي كتبته مجموعة من الاتحاديين وقامت هي بتنسيقه وطباعته في منزلها بنمرة(3) الخرطوم ونسخته على الالة الكاتبة وبدأت في لفه على الطابعة الرول وبعد الانتهاء تم تدبيس الورقتين وتعبئته في اكياس بلاستيك ودس داخل جوالات الواح الثلج الخيش التي ادخلت الى بيت الزعيم بدون ان يكتشفها احد ووزعت داخل الصيوان، وفي المقابر سارت مع الموكب وهي تهتف عبر مايكرفون الا ان البوليس قبض عليها في اليوم التالي والحقت بها حواء الطقطاقة وحياة مصطفى وسعاد الفاتح وبدرية سليمان وبعض الشباب.
هذه السيدة المرتبة والانيقة لها عادة متأصلة لم تنقطع عنها منذ سنوات وهي قراءة الصحف اليومية بانتظام حتى بعد ان تقاعدت بالبيت ونالت منها سنون المرض الا أنها لم تنقطع عن اخبار العالم ومايدور في بلدها، ولكن الخدمة الاجتماعية ولعها الاول لم تستطع ان تتركها وتقول ان عملها بالشئون الاجتماعية طوال سنوات خدمتها لم تتلق عنها اجراً لان زوجها خيرها بينهما مادامت هي تعمل من اجل العمل وهو لم يحوجها لشئ فكانت راضية تماماً وهي احياناً تصرف على الحكومة من نفسها وبقانون الحكم المحلي عادت مجدداً الى العمل الطوعي واصبحت رئيس مجلس بلدية السجانة وتقدمت بطلب للمحافظ لاقامة دارلايواء الفتيان بالقرب من دار العجزة التي بنيت بالجهد الشعبي.
اما عن نشأة نادي الاسرة الذي تم على يديها بالعون الذاتي كونت لجنة بعضوية كل من احمد زيد جابر ابو العز (مقاول) وامين المرضي واحمد عبد الحليم وشخصها لمناقشة تطوير الميدان الذي كان يعد المنفذ الطبيعي لمواطن الخرطوم 3 فقال ابو القاسم سيظل كذلك ولن يشاركهم فيه احد لهذا بدات حملة جمع التبرعات العينية والنقدية وشرف افتتاحه مجلس ثورة مايو بقيادة جعفر نميري وعدد غفير من الجماهير، وبنفس الوضعية تم انشاء نادي الخرطوم(3)، جميعها جهود قامت بها وبالتعاون مع عبدالله قلندر الحبيب ومهدي مصطفى الهادي وابوالقاسم محمد ابراهيم ومختار الطيب جميعهم كانت بصماتهم واضحة في مجال العمل العام ولها دور كبير في تنظيم الخرطوم فيما يتعلق بتوزيع الاكشاك واخلاء المنازل المشبوهة، وهي الآن مطمئنة البال لان كل عمل قامت به خرجت منه نظيفة اليد.
* الحاجة الواعية
هي امرأة ذات طموح خاص شكلت لنفسها صورة قياسية للامومة(الحاجة سكينة بابكر ابوالقاسم) كانت دوماً وستظل حتى رحيلها عندما يذكر اسمها تتسلل الى دواخلنا الطمأنينة، رغم أن اسمها دون شك حمل مدلولات شخصيتها واصبحت رمزاً من رموز الكفاح والامل وتطويع المستحيل في كل بيت سوداني فمن منا لايعرف مؤسسة(معهد سكينة) الاشهر بمدينة ام درمان شرق بوابة عبدالقيوم لذوي الحاجات الخاصة وهو موقع اثري يتشارك فيه الجميع الخلود بعد رحيلها قبل شهور في صمت.
هي امرأة رزقت بعدد كبير من البنين واقل من البنات جميعهم خرجوا من تحت يدها فاعلين بالمجتمع ولكن ارادة الله اختبرتها في صبرها الذي اكرمها بنجاحهم جميعاً الا ان وفاة ابنها الدكتور فيصل محمد مكي هزتها وماهي الا ام حنون كانت تنتظر عودته بشوق الا انها فجعت برحيله لهذا اثرت الصدمة عليها، ولكن لم تكسر قوتها وعزيمتها بالرغم من بقائها في السرير منذ وقت بعد ان تعرضت لكسر بالحوض اقعدها عن الحركة الا ان ذلك لم يمنعها من التواصل مع معارفها واهلها والجيران وكذلك هم يتواصلون معها.
والحاجة سكينة من مواليد سنجة وتلقت تعليمها الاول فيها وتزوجت ايضاً ابن خالتها هناك وانجبت عددا من ابنائها بها قبل ان تنتقل الى بيتها الحالي بحي الشهداء با درمان، ويعتبر زوجها محمد مكي امين اول خريج من معمل استاك(كلية غردون) واول من مارس المهنة ك(فحيص) بحكومة جمهورية السودان والثاني بعده هو المرحوم الفنان حسن عطية، والحاجة سكينة نجابة ابنائها صنعت منها امرأة نموذجية بالحي والمنطقة والان على نطاق السودان كله هي مشهورة ومعروفة بالرغم من أنها لم تحظ بالتعليم الكافي ولكن القليل الذي حظيت به حفزها على الدفع بابنائها الى النور وكانت من خلفهم المساعدة والمشجعة ليشق كل منهم طريقه في الحياة باسلوبه الخاص وهي أيضا مشهود لها الكفاح ضد العادات الضارة خاصة فيما يتعلق بالشلوخ ودق الشفاه والختان فقطعت فيهم شوطاً وجهوداً مقدرة.
وكان يومها يبدأ عند الخامسة صباحاً ويستمر الى مغيب الشمس، وطاقتها الجبارة للعمل ومساعدة الناس قوة اكتسبتها من التربية الملتزمة التي ساعدتها في الحياة لتربية اولادها واداء ماعليها دون شكر لانها تبادر دائماً بالخير.
* سيدة الانامل الساحرة
اهلاً بكم احبائي الصغار في حلقة اليوم ونشكر كل الاصدقاء الذين ارسلوا لنا رسوماتهم الجميلة.. هذه الجملة الاثيرة والتي كان ينتظرها الاطفال صباح كل جمعة ومستقطبة معها بعض الكبار، افتقدناها كثيراً بعد توقف برنامج(جنة الاطفال) اذن من الذي لايتذكر ماما عشة؟
بدات رحلة الالوان معها منذ المرحلة الوسطى بمدني عندما نالت الجائزة الاولى التي كانت عبارة عن جنيه واحد وشنطة عند مشاركتها بلوحتين دفعت بهما للطريق الذي لم تحد عنه حتى الان، وبدات رحلة الاحتراف بعد ان اثنى كبير موجهي بخت الرضا على رسومات الوسائل التي كانت تعدها فتوسعت علومها في هذا المجال وتدرجت في الوظائف بعد تخرجها من كلية الفنون عام 1959، والسبب الذي ادخلها التلفزيون موقف استفزها من ان الفنان التشكيلي الذي كان يقدم فقرة الرسم طلب من الاطفال رسم لوحة مركب وعندما فشل احد الاطفال وبخه امام الميكرفون بكلمة انت مابتعرف، فصممت ان تثبت ان المعرفة لدى الاطفال كامنة، عندها سعت لادارة البرنامج وقدمت شهاداتها وخبرتها وتناوبت مع الاستاذ في العمل الى ان تنحى فيما بعد وتمت الاشادة بما احرزته بتعليق النقاد الفنيين بان التلفزيون(جاتوا قنبلة صعبة خلاص).
وتقول ماما عشة مادمنا بالالفية الثالثة عصر التقنيات والعولمة والكمبيوتر مادة الفنون هي الانسب لايجاد مجتمع متطور لانها تعطي الانسان الجرأة والشجاعة.
ماما عشة نالت وسام الامتياز من رئاسة الجمهورية وكنية ماما تشعرها بالحنية بالرغم من انه هي حاجة لثلاث مرات والفتها لاكثر من 26 عاماً هي عمر البرنامج والان صارت كنية ملك لجميع الشعب السوداني، لانه ماتقع علي عين شخص الا كان اسمي مسبوق بكلمة ماما عشة فلم يعد اسمي حاف يصلح الا للاوراق الرسمية (عائشة سالم عمر محمد).
* (فيفيان) عود الابنوس الابيض
في اول مرة ادخل جامعة الخرطوم شعبة اللغة الفرنسية وقعت عيناي عليها ادهشني ان اسمع لكنة هذه المرأة التي تؤكد انها ليست سودانية، ولكن هي في نفس الوقت سودانية وهي ترتدي الثوب السوداني بكل اقتدار فكان لابد لهذا اللغز من حل! وفيما بعد تعرفت عليها وجلست معها وتعرفت اليها عن قرب فهي زوجة الدكتور الراحل السفير محمد احمد ياجي الذي كان سفيراً بكل من باريس - واشنطن – بغداد - الكونغو برازافيل، وهي مولودة من ابويين فرنسيين سنة 1930 وتابعت دراستها بنجاح ولكن بداخلها كان هناك صراع اخر لم يطفئه الا وقوع السيرة النبوية المترجمة بيدها فدرست اللغة العربية بفرنسا فاتقنتها قراءة وكتابة واعتنقت الاسلام.
الذي احزنني ان امينة رحلت قبل شهر من هذه الدنيا الفانية ولم يعرف بذلك الكثير، لانني سألت عنها بالصدفة عندما قادتني الظروف لتوثيق شهادة فعلمت بوفاتها، فاحيت بداخلي لحظات جميلة قضيتها معها بمكتبها بقسم الاداب لغة فرنسية، وهي تلبس ذلك الثوب الابيض الذي زادها بهاءً وهي تحكي لي قصتها معه اول مرة منذ العام 1956 لقد اعتبرته الجلد الثاني بالنسبة لها ولم تستطع التخلص منه حتى عندما ناقشت رسالة الدكتوراه التي جاءت في(تاريخ الخليفة عبدالله حياته وسياسته) بفرنسا كانت ترتديه لانه يمثل لها التميز والحشمة ومواكبته كل العصور مؤكدة ان اعتزازها بالسودان وانتسابها اليه يجعلها تتمسك بالزي الوطني، لهذا كانت حريصة عليه في اي مكان تذهب اليه وكثيراً ما اثار العجب في نفسها وخاصة ثوب الفردة لتميزه بخطوط الوانه الهادئة، وهي تستغرب لماذا تنفر منه فتيات اليوم؟
دكتورة امينة لم تتنكر لاسمها الاصلي فيفيان لان الاسمين ارتبطا ببعضهما ورسخت لاسمها بفعل قامت به الى ان وافتها المنية عندما تفردت بترجمة كتابات ادبية تاريخية تنوعت فيها لتناولها فصول في تاريخ السودان وخاصة حقبة المهدية مستعينة في ذلك بدار الوثائق، ومن الكتب التي قامت بترجمتها الى الفرنسية (الاحاجي السودانية، ومسرحية المك نمر، وتاجوج، ونبتة حبيبتي، وخطوبة سهير، وريش نعام، وتاريخ وجغرافية السودان القديم لنعوم شقير،كما قامت بتأليف كتاب الدين المقدس عن الحج للشخص الذي ينوب باداء الشعائر، كما ان المحبة التي تكنها للسودان الذي حضن رفاتها بنفس الحب كانت تعتبره بلدها الحبيب الذي عاشت فيه اجمل سنوات حياتها خاصة في مدينتها التي تعتز بها كثيراً ام درمان حي العباسية محطة عابدين، ولن تفارقها لان فرنسا لم تعد تمثل لها شيئاً، والسودان بمساحته الشاسعة ومنذ ان تعرفت على اهله عن قرب وجاورتهم وبادلتهم المحبة بالمحبة.
* ام الكل
الحاجة الشول خيري كسرت قاعدة القابلات اللاتي اشتهرن بالصرامة، فهي امرأة بشوشة وصاحبة نكتة وان قابلتها لاول مرة كأنه لديك بها سابق معرفة، كما تمتعت بذاكرة قوية لم تغفل ادق تفاصيل حياتها العملية وايام الشباب ورفيقات الدرب ورحلة الكفاح التي خاضتها من اجل ابنائها قبل ان تغمض عينيها لاخر مرة وتذهب راضية مرضي عنها الى رحاب ربها ليلة وقفة عيد الاضحي من العام 2009م.
فهي كانت امرأة طموحة وتؤمن بسياسة التخطيط طويلة المدى فهي اسست لابنائها حياة آمنة ومستقرة من جهدها الخاص، لان حياتها التي حذف منها التعليم تم التعويض عليها بتعلم مهارات الاشغال اليدوية لان الاسر بالسابق كانوا يرغبون بشدة في ان تظل بناتهم مكنونات بالبيت كما ان شغل اليد مصدر رزق بطريقة غير مباشرة، وعندما اكتملت مهارتها اليدوية تم تزويجها وانتقلت الى بيت الزوجية من الخرطوم الى ام درمان الا ان وفاة زوجها مبكراً وهي في ريعان الشباب دعتها ان تكون مسئولة عن اطفال اكبرهم في ال14 من عمره واصغرهم لم ير النور بعد، فبدأت الجهاد باعمال الطواقي وبيعها وعندما كثرت المطالب تقدمت بطلب لمدرسة القابلات التي تم قبولها فيها بعد ان كتب لها طلب الالتحاق الضابط ابوشمة اواخر العام 1954، وبعد اربعة شهور من الدراسة نالت رخصة العمل بعد ان تدربت على يد ست بتول احمد والدة ادريس الهادي، واستلمت(صندوق الولادة).
وفي اول اسبوع كقابلة كانت حصيلتها سبع ولادات ذكور فكانت فاتحة خير، جعلت البعض يجعل منها تميمة حظ نسبة للمفهوم السائد بفرحة الاولاد اكثر فكانت هذه المصادفة هي التي ثبتت اقدامها على هذا الطريق الذي امتد قرابة نصف القرن وتخرج على يديها اطباء يشار اليهم الان بالبنان، واصبحت فيما بعد اشهر داية بحي المال وابوروف والملازمين وفريق السوق والركابية والداية الرسمية لعدد من الاسر العريقة بام درمان.
* حفيدة الاسماعيلية
ماما نفيسة اسماعيل مكي امرأة عصامية من 33 ألف جنيه بالقديم حفرت اول اساس لمدرستها المستقبلية التي عرفت فيما بعد برياض مدارس اسماعيل الولي لمرحلة الاساس بحي الدوحة بام درمان، عندما اسست روضة صغيرة كنواة لعشرات من الاطفال ولكن الان وبعد مرور 18 عاماً من تأسيس المدرسة منذ العام 1995 تخرج منها اكثر(50) الف طالب وطالبة بمستوى يتفاخر به اولياء الامور لان نسبة النجاج بالمدرسة للصف الثامن 100%، ولم تحسب عليها حتى الان حالة رسوب واحدة.
والاستاذة نفيسة ليس بينها وبين طلابها حجاب فهي سيدة صاحبة ابتسامة عريضة وحضن كبير يسع كل من بالمدرسة لهذا لايصعب على عينيك ان تخطئها بين الكل لان صوتها بنبرته المعبر عندما تنادي عليك (ياحلوة او سكرتي تعالي) هي تعبيرات حفرت بداخل من يقابلها وداً لم ينقطع حتى بعد ان يغادر تلاميذ الصف الثامن للمرحلة الثانوية.
* أم نعومة
هي امرأة من لمسة يدها يمكنك ان تتعرف اليها، وظلت تحتفظ بصورتها القديمة وسماحة نفسها رغم المحن التي مرت عليها عندما فقدت ابنها العزيز الذي حط رحاله بالسودان بعد غياب عبد المنعم عبدالكريم الخضر الذي اشتهر في الوسط الفني(بنعومة)، انها من خلال حكمتها التي تراكت من خبرتها كان دليلها كفة يدها التي تتعرف بها على نوع الجنين عبر اناملها الرقيقة التي لم تكن يوماً تقسو بها على احد، انها من صوتها القوي يعرفها كل الناس لانه عندما تدخل ساحة اي بيت تجد كل الاحترام من هيبتها وقوة شخصيتها انها عندما يتحدثون فهي قليلة الكلام وملتزمة وصاحبة مواعيد دقيقة وخبرة لاحدود لها اشاد بها دكتور الخير الشفيع رحمه الله، انها داية حي البوستة الاشهر سكينة محمد عبد الله التي اشتهرت(بسكينة مامادين)، هي امرأة حقيقية قوية وعصامية لم تلتق بالفشل يوماً تتمتع بفكاهة وذاكرة قوية وذكاء حاد ومنطق مقنع، الان هي فقدت البصر الا انها لم تفقد البصيرة وطول البال.
لهذا عن بدايتها تقول التحقت بمدرسة القابلات بعد زواجها وتحصلت على الشهادة في عام 1949 وشكل اهل الجوار وبناتها فريق عمل متكامل لرعاية الصغار وتزويدهم بالطعام وهو مادفعها للتفرغ للعمل الذي كان ياخذ كل وقتها وجهدها، ونسبة لتدريبها لعدد من الاطباء الرجال استطاعت ان تغير النظرة الطبية لهذه الفئة التي كانت مرفوضة للتعامل معها في السابق ولقد تدرب على يديها دكتور ابو ودكتور عتباني ودكتور شداد ودكتور الخير الشفيع ودكتور صادق الامين.
وتؤكد الحاجة سكينة ان الداية في وقت مضى احتلت موضعًا مرموقاً ومقدراً فكان يسمع لها عندما تبت في امر، اوعندما يتم مشاورتها في امر، كما انها تبدي النصح للازواج المختلفين وهي مؤدبة للاطفال بالنظرة فقط، الا ان الحاجة سكينة كانت شخصية مختلفة ان كانت حازمة فهي في نفس الوقت صاحبة نكتة وملح لايمل منها احد، فظلت محافظة على شخصيتها الى ان سلمت الصندوق للمدرسة بعد 60 عاماً من العمل المتواصل وهي الان تعيش متنقلة بين بناتها واحفادها الذين يتنازعون رفقتها متعها الله بالصحة والعافية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.