كتتمة لمقال سابق عن البابا شنودة نواصل بأنه بدا لجميع معارفه وزملائه انه يقضي إجازات الصيف في الأديرة، ويقول لمن يسأله انه يجد الراحة في الخلوة الروحية والتأمل واكتشاف الذات هذا وعندما كان بالسنة الثالثة بكلية الآداب التحق بالكلية الأكليركية في القسم الليلي الذي كان يدرس فيه الطلبة وخريجو الجامعات. وبعد حصوله على ليسانس الآداب اشتغل بالتدريس معلما للغة العربية في مدرسة أجنبية لطلبة النهائيات بالثانويات كما كان يقوم بتدريس اللغة الانجليزية لطلاب المدارس الابتدائية ومن ثم التحق بوظيفة معلم بالتربية والتعليم إلا انه وبعد فترة لازمة شعور عبر عنه بقوله: نحن نعطي الله فضلات القلب والوقت، والله يريد الوقت كله والقلب كله" تفرغ نظير جيد للخدمة في مدارس الأحد والإشراف على الملجأ التابع لها وكان مشهورا عنه في تلك الفترة انه عدو لشيطان الرصيد الذي كان ينشغل به الناس الذين يحرصون على اكتناز المال ويفرحون كلما زاد رصيدهم بينما هذا الرصيد شيطان ، لأنه يمنع المال والخير عن مستحقيه ويحرم المحتاجين لا لشئ إلا لكي يكدس الذين يملكون المزيد والمزيد ولو إن كل إنسان أعطي للفقراء والمحتاجين فلن يحتاج أبدا لأنه سيجد من يعينه إذا احتاج لان كل قرش ينفق في الخير مثل الحبة التي تلقي في الأرض الخصبة تأتي بحصاد كثير. ومنذئذ لاحظ إخوته إن سلوك شقيقهم اخذ في التغيير فبدأ في الاقتصاد في طعامه وتخلي عن الزينة والملابس الأنيقة واتجه للقراءة بكثرة في الكتب الدينية ويميل إلي العزلة التي أحبها تدرج في خدمة مدارس الأحد حتى أصبح سكرتيرا للجنة الدائمة بها ورئيس تحرير المجلة التي تصدر عنها. وللتو حمل نظير جيد حقيبته وكتبه وخرج من البيت إلى الدير عازما على حياة التوحد مطلقا العالم وهكذا أصبح اسمه الراهب انطونيوس. انقطع عن لقاء الأهل والأقارب واختلى في مغارة تبعد عن الدير خمسة كيلوات متفرغا للوحدة والتأمل الروحي إلي أن تمت رسامته قسا ثم قمصا ثم اختاره البابا كيرلس السادس سكرتيرا خاصا وممثلا له في لجان المجمع المقدس إلا انه عاد إلي الدير مرة أخرى لحياة الوحدة والتأمل الروحي والقراءة. تمت رسامته أسقفا على الكلية الاكليريكيه دون رغبته بل امتثالا لرغبة البابا حينئذ وهكذا حدث تحول كبير في حياة الراهب القس القمص. إن غاية ما يتمناه العاملون في مجال الكهنوت هو اعتلاء كرسي البابوية تلك الدرجة السامية الرفيعة ، فهوا المكرم ذو الذكر الحسن ، الراعي المحب لله ذو الفهم الراوي " له فطنة داؤد" والتعاليم الصالحة، وذو حكمة سليمان كما انه النائل نعمة موسى وكهنوت ملكي صادق، وشيخوخة يعقوب وطول عمر متوشالح منادي الأرثوذكسية ومعلم القطيع الناطق بالمسيح . بعد انتقال البابا كيرلس السادس اجتمع المجمع المقدس لانتخاب قائممقام بطريركي لإدارة شؤون الكنيسة حيث تم اختيار الأنبا انطونيوس مطران سوهاج وسكرتير المجمع المقدس فبدأ في عقد الاجتماعات لرسم الطريقة المناسبة لانتخاب البطريرك الجديد . فخلصت الاجتماعات لرأيين الأول الاجماع على مرشح واحد والرأي الآخر الانتخابات وفقا للائحة التي تم بها انتخاب البابا الراحل إلا انه واختصارا للوقت وتفاديا لإشكاليات الانتخابات اتجه الجميع للرأي الأول وهو الإجماع فبدأت التصفية للمرشحين فحصل الأنبا شنودة أسقف التعليم في ذلك الحين على اعلى الأصوات إلا أن بعضا من أعضاء المجمع ابدوا اعتراضهم على الطريقة التي تم بها التوصل لتلك النتيجة وبالتالي فقدت النتيجة عنصر الإجماع الشيء الذي أدي إلى أن يعقد القائمقام البطريركي عددا من الاجتماعات للمجمع المقدس وأعضاء آخرين يمثلون بعض الهيئات واللجان القبطية وشكلت لجنة من المطارنة لدراسة الأسماء التي رشحها المجمع وكان عددهم16 مرشحا إلا إن تلك اللجنة استبعدت ولأسباب موضوعية بعض المرشحين لكي يصبح العدد 12 اجري عليهم الاقتراع فتقلص العدد إلى 5 مرشحين من بينهم الأنبا شنودة الذين حصلوا على اعلى الأصوات في الوقت الذي أصر فيه المؤتمر على التزام اللائحة بحذافيرها. تكررت الترشيحات وكثرة الاعتراضات حتى طالت أحقية الشعب في اختيار راعيه ، كما طالت أيضا نظام القرعة الهيكلية وهي نظام معمول به عندما يراد حسم بعض الأمور التي يلازمها شيء من التعقيد إلا أن الأمر تم حسمه بأن تراضي الجميع على الصلاة لله ليتدخل لاختيار الراعي الصالح الأمين الذي عليه عمل لائحة تتناسب مع الكنيسة مراعاة لمقتضيات العصر مع الاحتفاظ بنظام القرعة الهيكلية التي أجريت بالفعل بين صلوات ودعاء وتوسل لأن يتدخل الله براحمه لإتمام هذا العمل المبارك الذي أتي بالأنبا شنودة بطريركا للأقباط الأرثوذكس . تم هذا الاختيار اللاهي ونيافته لازال بالدير فصلي صلاة الشكر بكنيسة الدير مع الوفود التي حضرت لتنال شرف التهاني في ظل تراتيل الشمامسة لألحان الفرح. نقل بتحفظ من كتاب أقباط مصر والمهجر