** ما الذي يُغضب سيد الخطيب، بحيث يصب جام غضبه على الطيب مصطفى؟.. وما الذي يُقلق إدريس محمد عبد القادر، بحيث يجعله كثير الكلام؟.. فالخطيب وإدريس كانا من اللذين تشتهي الصحف أن تنزع منهما تصريحاً.. لم يُهاتر أحدهما يوماً ولم يبك آخر يوماً،رغم أنهما من الذين كالت لهم أقلام الصحف ومجالس الناس النقد والهجوم عقب التوقيع على اتفاقية السلام، وعقب كل أزمة نشبت بين الشريكين خلال سنوات حكمهما الثنائي، وعقب الانفصال، ثم بعد وضوح مخاطر القنابل المؤقتة التي من شاكلة الحدود والبترول.. نعم، نقد اتفاقية السلام وتحميل الوفد الحكومي المفاوض مسؤولية أزمات ما بعد السلام - ونكبات ما بعد الانفصال - لم ينقطع أبداً.. ومع ذلك، لم يغضب الخطيب في ساعة نقد ما ولم يقلق أو يبكي إدريس في لحظة هجوم ما.. فالانتباهة لم تصدر أول البارحة.. الجده شنو، بحيث يغضب هذا ويقلق ذاك..؟؟ ** لعلم النفس تفسير لمعنى ما يحدث للخطيب وإدريس..وما يحدث لهما نوع من الإحساس بالذنب، أو فلنقل: وخز ضمير.. حيث يقول هذا العلم بأن الإحساس بالذنب آلام مردها قيام المرء بعمل لا يرضي ضميره أو من حوله - فرداً كان أو مجتمعاً - كالإتيان بفعل خاطئ.. والقلق لحد البكاء من علامات الإحساس بالذنب، وكذلك الغضب لحد الخروج عن المألوف، والدافع للقلق والغضب هو حاجة المرء - المصاب بآلام الإحساس بالذنب - إلى البراءة..وكثيرة هي أخطاء نيفاشا، ولاينكرها حتى المكابر، وأعظمها أنها لم تحقق السلام في السودان إلى يومنا هذا.. نعم ذهب الجنوب بحركته الشعبية، ولكن الحركة الشعبية ذاتها هي التي أشعلت نار الحرب في النيل الأزرق وجنوب كردفان.. من؟، وما الذي زج بجنوب كردفان والنيل الأزرق في أتون نيفاشا، بحيث تكونا جنوباً آخر بعد ذهاب الجنوب؟.. من؟، وما الذي زج بمنطقة أبيي في بحر نيفاشا، بحيث تكون باروداً قابلاً للاشتعال بعد انفصال الجنوب؟.. نعم، قد لايشكل انفصال الجنوب استياءً في الشارع السوداني ولا إحساساً بالذنب لدى الوفد المفاوض، خاصة في حال أن يكون السلام ثمناً لهذا الانفصال..ولكن حروبات وأزمات ما بعد الانفصال هي أدخلت الشارع السوداني في (خندق الطيب مصطفى)، ليس إيماناً بطرح الانفصال، ولكن تكفيراً باتفاقية لم تحقق السلام.. إذ لسان حال الناس اليوم: فقدنا الجنوب ولم نكسب السلام..!! ** ثم كانت جولات أديس الأخيرة بمثابة طامة أخرى.. فالشارع السوداني ظل يأمل بأن تثمر تلك الجولات حدوداً متفق عليه ثم انسياباً نفطياً تعود بعض فوائده للخزينة الخاوية، وكذلك أمناً وسلاماً بين الدولتين بحيث لاتغدر دولة بالأخرى بواسطة حركتها المسلحة..تلك كانت - ولاتزال - أماني الشارع السوداني، حدود وبترول وجوار حسن فقط لاغير.. ولكن، تمخضت الجولات وولدت ما يسمونها بالحريات الأربع..فالحدود لاتزال محل نزاع، وكذلك النفط متجمد، ثم لايزال زعماء الجبهة الثورية يجتمعون في جوبا ويختلفون في القيادة العسكرية..الخطيب وإدريس وغيرهما، دخلوا تلك الجولات بتلك الأماني الثلاثة، وخرجوا منها كما دخلوا، أي خرجوا بخفي حنين..ولكن دخل الوفد الجنوبي في تلك الجولات بأمنية الجنسية، المواطنة المزدوجة أو الحريات الأربع، وخرج بما تمنى.. وهكذا تقريباً كل الجولات منذ نيفاشا وإلى يوم أديس هذا، إذ يخرج الوفد السوداني كما دخل، خاوياً ومتأبطاً خيبة أمله، بيد أن الوفد الجنوبي يخرج بما يشتهي.. والخطيب يعلم ذلك، وكذلك إدريس، ولذا يغضب أحدهما ويبكي الآخر.. وكما قلت، الغضب والبكاء من علامات الإحساس بالذنب، ويأتي بهما صاحبهما بمظان البحث عن البراءة.. بصراحة كده: هذا الوفد السوداني - بخطيبه وإدريسه وغيره - لم يعد يصلح بحيث يكون جودية تعيد طليقة إلى بيت زوجها، ناهيك بأن يفاوض دولة أخرى في قضايا شائكة.. إذ كل عضو فيه إما غاضب أو قلق، أي (مهزوم نفسياً)..!!