إليكم .............. الطاهر ساتي [email protected] غضب وثرثرة وإنزواء .. دراسة حالة ..!! ** ما الذي يُغضب سيد الخطيب، بحيث يصب جام غضبه على الطيب مصطفى، ويُهاتر؟..وما الذي يُقلق إدريس محمد عبد القادر، بحيث يجعله يبكي في المساجد ويثرثر في الصحف؟..فالخطيب وإدريس كانا من الذين تشتهي الصحف أن تنزع منهما تصريحاً.. لم يُهاتر أحدهما يوما ولم يبك الآخر يوما، رغم أنهما من الذين كالت لهم أقلام الصحف ومجالس الناس النقد والهجوم عقب التوقيع على اتفاقية السلام، وعقب كل أزمة نشبت بين الشريكين خلال سنوات حكمهما الثنائي، وعقب الانفصال، ثم بعد وضوح مخاطر القنابل الزمنية التي من شاكلة الحدود والبترول والملف الأمني..نعم، نقد اتفاقية السلام وتحميل الوفد الحكومي المفاوض مسؤولية أزمات ما بعد السلام - ونكبات ما بعد الانفصال - لم ينقطع ابداً..ومع ذلك، لم يغضب الخطيب في ساعة نقد ما ولم يقلق أو يبكي إدريس في لحظة هجوم ما..فالإنتباهة لم تصدر أول البارحة..الجده شنو، بحيث يغضب هذا ويقلق ذاك..؟؟ ** لعلم النفس تفسير لمعنى ما يحدث للخطيب وإدريس..وما يحدث لهما نوع من الإحساس بالذنب، أو فلنقل : وخز ضمير .. حيث يقول هذا العلم بأن الإحساس بالذنب ألآم مردها قيام المرء بعمل لا يرضي ضميره أو من حوله - فرداً كان أو مجتمعاً - كالإتيان بفعل خاطئ ..والقلق لحد البكاء من علامات الإحساس بالذنب، وكذلك الغضب لحد الخروج عن المألوف..والدافع للقلق والغضب هو حاجة المرء - المصاب بآلام الإحساس بالذنب - الي البراءة..وكثيرة هي أخطاء نيفاشا، ولاينكرها حتى المكابر، وأعظمها انها لم تحقق السلام في السودان الى يومنا هذا..نعم ذهب الجنوب بحركته الشعبية، ولكن أجندة الحركة الشعبية ذاتها هي التي أشعلت نار الحرب في النيل الأزرق وجنوب كردفان..من؟، وما الذي زج بجنوب كردفان والنيل الأزرق في أتون نيفاشا، بحيث تكونا جنوباً آخر بعد ذهاب الجنوب؟.. من؟، وما الذي زج بمنطقة أبيي في بحر نيفاشا، بحيث تكون بارودا قابلاً للإشتعال بعد انفصال الجنوب؟..نعم، لم يعد يشكل انفصال الجنوب إستياءً في الشارع السوداني ولا إحساساً بالذنب لدى الوفد المفاوض، خاصة في حال أن يكون السلام ثمناً لهذا الإنفصال..فالأصل في الحياة هو يعيش الإنسان مطمئناً، في بلد أو بلدين.. وهذا ما لم يجده المواطن السوداني قبل وبعد الانفصال .. نعمن حروبات وأزمات ما بعد الإنفصال هي التي أدخلت الشارع السوداني في (خندق الطيب مصطفى)، ليس إيماناً بطرحه الإنفصالي، ولكن تكفيراً باتفاقية عرجاء لم تحقق السلام.. إذ لسان حال الناس اليوم : فقدنا الجنوب ولم نكسب السلام، أي كأنك يا طه - والوفد المرافق - ما غزيت ..!! ** ثم كانت جولات أديس الأخيرة بمثابة طامة أخرى.. فالشارع السوداني ظل يأمل بأن تثمر تلك الجولات حدوداً متفق عليها ثم إنسياباً نفطيا تعود فوائده للخزينة الخاوية، وكذلك آمنا وسلاما بين الدولتين بحيث لاتغدر دولة بالأخرى بواسطة حركتها المسلحة..تلك كانت - ولاتزال - أماني الشارع السوداني، حدود وبترول وجوار حسن فقط لاغير.. ولكن، تمخضت الجولات وولدت ما يسمونها بالحريات الأربع..فالحدود لاتزال محل نزاع، وكذلك النفط لا يزال متجمداً، ثم لايزال زعماء الجبهة الثورية يجتمعون في جوبا ويختلفون في القيادة العسكرية المناط بها غزو الخرطوم.. الخطيب وإدريس وغيرهما، دخلوا تلك الجولات بتلك الأماني الثلاثة، ( حدود، نفط، جوار طيب)، ولكنهم وخرجوا من مولدها بلا حمص، أي عادوا من أديس بالنثريات والحوافز فقط لاغيرها.. بيد أن الوفد الجنوبي دخل في تلك الجولات بنيل إحدى الحسنين ( مواطنة مزدوجة أو حريات أربع)، وعاد الوفد الجنوبي الى مواطنه هناك بما تمنى..وهكذا تقريبا حال كل الجولات منذ نيفاشا والى يوم أديس هذا.. إذ يخرج الوفد السودانى كما دخل،متأبطاً خيبة أمله، بيد أن الوفد الجنوبي يخرج بما يشتهي المواطن الجنوبي..والخطيب يعلم ذلك، وكذلك إدريس، ولذا يغضب أحدهما في الصحف ويبكي الآخر في المساجد.. وكما قلت، الغضب والبكاء من علامات الإحساس بالذنب، ويأتي بهما صاحبهما بمظان البحث عن البراءة ..بصراحة كدة : هذا الوفد السوداني - بخطيبه وإدريسه وغيره - لم يعد يصلح بحيث يكون جودية تعيد طليقة الى بيت زوجها، ناهيك بأن يفاوض دولة أخرى في قضايا شائكة.. إذ كل عضو فيه إما غاضب أو قلق، أي ( مهزوم نفسياً )..وبالمناسبة، أين النائب الأول لرئيس الجمهورية؟..عفواً، لقد حقق انجازاً باهراً قبل أسبوع، حيث وجه التلفزيون بنقل مباريات الدوري الممتاز على الهواء مباشرة .. ممتاز.. فلينقلها، على الهواء مباشرة .. ولكم الله يا من تتوسدون الثرى فى النيل الأزرق وتلتحفون كهوف الجبال في جنوب كردفان، ولايُشاهد الرأي العام مآسيكم على الهواء مباشرة ..!!