السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلسلة حوار وثائقي..قصة حياة نقد.. حكاوي المخابئ وأحاديث العلن

* مع مواراته الثرى، اليوم تنشر (السوداني) سلسلة من الحوارات أجراها الاستاذ ضياء الدين بلال مع سكرتير الحزب الشيوعي محمد ابراهيم نقد فى العام 2005 بصحيفة (الرأي العام) عن قصة حياته الخاصة والسياسية، وهو التوثيق الوحيد الذي تحدث فيه لمدة 12 حلقة عن تفاصيل من تجربته تعرف عليها القراء لأول مرة.
سلسلة حوار وثائقي..قصة حياة
نقد.. حكاوي المخابئ وأحاديث العلن
حوار: ضياء الدين بلال
لي حنين دائم للأجواء الأسرية
كنت طفلاً مشاغباً و(الأزمة) حرمتني من الرياضة.
لم أكن سعيداً بحنتوب وكنت ضعيفاً في الرياضيات.
نميري كان صديقي وهو مهذب ومحبوب جداً
الوقت يمضي والسؤال ينتج مجموعة من الأسئلة، سجارة البينسون تشتعل بين أصابع الأستاذ محمد ابراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي السوداني، والاكتفاء بنصف ملعقة من السكر على الشاي، عندما تتقدم الأسئلة أكثر مما يجب، وتصبح الإجابة ملزمة والهروب معيباً، وصوت جرس الهاتف الثابت في مرات كثيرة يقطع الحوار الذي استمر لأيام متباعدة ومتصلة على امتداد أشهر، فللرجل طريقته الخاصة في السرد والحكي، وجرابه مليء بالأحداث والقصص والأسرار.. مواضيع كثيرة لم يتحدث عنها من قبل، رأينا الدخول عليه من مختلف الأبواب بحثاً عن مادة توثيقية تجتمع عليها الفائدة بالمتعة، لم يخيب الرجل المسعى، جاد بما ضن به من قبل، "الضحك" عند الأستاذ نقد محطات انتقال من موقف لآخر وباقة اعتذار عند ارتفاع درجة حرارة الكلام. و"السخرية" تأتي لتعميق الفكرة بإبراز المفارقة، رحلة الحوار مع الأستاذ محمد ابراهيم نقد تبدأ من مدينة القطينة متنقلة من العام الى الخاص، تجارب مضت وذكريات ساخنة وشخصيات ومواقف جديرة بالتوقف..!
* قلت له : استاذ محمد..كيف تنظر الى الماضي.. بغضب أم بسرور؟
= في هذا العمر أنظر للماضي بحنين، لا لأيام الطفولة والشباب التي عشتها، ولكن لأن الزمن السوداني في ذلك الوقت كان به تميز وبراح لا أجده الآن.
* إذاً ..كيف كانت الطفولة ؟
= طفولة عادية.. (الشيطنة وعدم المسؤولية).. وقتها - أنت كطفل- تحت الرعاية الكاملة لأهلك، وأغلب أخطائك تقابل بالغفران والبقية منها تجد الزجر، والإنجازات الصغيرة تجد احتفاءً كبيراً.
*كأنك كنت طفلاً "مشاغبا"ً؟
= كنت مشاغباً..( لكن ما ممكن تسميني الولد الشباك) الذي يأتي كل يوم لأسرته بمشكلة أو يجر معه الى المنزل مصيبة..مع هذا كنت كثيراً أجد نفسي في حالات زجر، نعم .. فقد كنت كثير اللعب قليل المذاكرة..أغيب من المنزل لساعات طويلة، وإن كنت مواظباً على الانتظام في المدرسة.
* تكوين الأسرة ووضعك من حيث الترتيب؟
= كنت كأقراني بالقطينة في ذلك الوقت أعيش في أسرة ممتدة، ليس هنالك مؤدِّب واحد.. أنت تحت رعاية الجميع تتابعك عيونهم وتصلك أيديهم بالثواب والعقاب، والدي كان واحداً من سبعة إخوان كلهم رجال، في أسرتنا الصغيرة كنا ثلاثة أبناء وست بنات، لكني كنت دائماً بعيداً عنهم، الوسطى قضيتها مع عمي بحلفا والثانوي بحنتوب، قضيت سنتين بجامعة الخرطوم الى أن تم فصلي من الجامعة، فذهبت الى شرق أوربا لأقضي ست سنوات هنالك، ظللت مختفياً لسنوات طويلة في عهد عبود وسنوات مايو والإنقاذ.. هل تصدق أطول فترة قضيتها مع الأسرة هي في هذا المنزل بعد خروجي من الاختفاء الأخير.
*ما تأثير غيابك -أغلب العمر - عن الأجواء الأسرية وعلى شخصيتك ومزاجك؟
= هل تظن أن ذلك خلق جفوة بيني والأجواء الأسرية؟..
لا بالعكس لي حنين دائم لهذه الأجواء، كنت أغيب هذه السنوات وأخرج من الاختفاء، فأجد للأسرة أطفالاً لم أحضر ولاداتهم، وأطفالاً لم أواكب دخولهم مرحلة الشباب، وشباب أتفاجأ بأنهم أصبحوا رجالاً وبنات أصبحن نساء، التعامل مع كل هؤلاء تصحبه كثير من المفاجآت والمفارقات المضحك منها والمحرج.
* "السياسة".. أخذت منك الكثير.. أليس كذلك؟
= طبعاً... أخذت كل الوقت.
* كأن بك ندماً على ذلك؟
= أبداً..أبداً.
لا أظن أنني كنت سأستمتع بمهنة أخرى غير السياسة ، بكل ما فيها من شقاء ومعاناة وعذابات.
*رغم ذلك هي ممتعة بالنسبة لك؟
= جداً.
ما هو الممتع فيها؟
= التحدي..التحدي.
من تجربتك.. التكوين الشخصي والأسري للفرد، ما مدى تأثيرهما على خياراته السياسية؟
= شوف "الخيار" فعل، والفعل في حاجة الى شحنة، والشحنة والفعل لابد لهما من هدف يقصدانه، لحظة الاختيار تحتاج لشجاعة، هنالك من أبناء جيلنا عدد كبير جداً منتمي للسودان وللحركة الوطنية وللحركة الطلابية أو النقابية، لكنهم لم يكونوا يرغبون في التفرغ السياسي.
* هنالك من يرى في التفرغ السياسي ضرراً بالمتفرغ كشخص، وبالسياسة كممارسة؟
= إذا لم يكن هنالك تفرغ لن تكون هنالك أحزاب.. من الاستحالة أن تدير الأحزاب عملها دون متفرغين.
*نترك موضوع التفرغ الآن.. ماذا إذا عدنا الى القطينة، ومحمد ولد ابراهيم نقد في ذلك الزمان يتأمل فى الأمكنة والناس.
= طيب.. القطينة فى ذلك الوقت كانت واحدة من البنادر التي تشكلت منذ التركية كمركز تجاري وإداري عندما كان النيل الأبيض مديرية والمديرية في الدويم، أوائل مدارس البنين والبنات أنشئت في القطينة في نفس مستوى رفاعة وحلفا والأبيض، عدد المتعلمين فيها كان كبيراً جداً مقارنة بالمناطق الأخرى، ولكن في النهاية هي بلد تجار ومزارعين، الموظفون والمعلمون هم أبناء التجار والمزارعين. تجار القطينة كانوا منتشرين على امتداد السودان (اللواري) تذهب الى الغرب والجنوب، ونحن صغار؛ كنا نسمع من رواة التجار عن أماكن لم نرها وعن أشخاص لم نلتق بهم.
* كان من الممكن أن تصبح محمد افندي.. موظفاً حكومياً أو معلماً في واحدة من تلك المدارس، أو تاجراً بنيالا؟
(ضحك ثم قام بتقليب أوراق كانت على التربيزة)
= قال: لكنني اخترت السياسة.
* من من أصدقاء الطفولة في الذاكرة؟
= جزء من طفولتى كانت مع جدي وجدتي حيث كانت لهما زراعة غرب النيل الأبيض، كان ذلك قبل أن يغمر خزان جبل أولياء الأراضي هنالك، فمع انحسار النيل تصبح آلاف الأفدنة قابلة للزراعة حيث يزرع ما يعرف بعيش الصفراء، ذهبت مع عمي محمد علي نقد الى حلفا لأقضي جزءاً من طفولتي. هنالك درست الأولية والوسطى بحلفا.
* أأنت من أسرة أنصارية أم اتحادية؟
= أسرتي أسرة أنصارية..(نحنا دناقلة من حفير مشو هاجرت الأسرة من هنالك الى القطينة، لا يزال لنا أهل هنالك).
* ألم تقترب من الأنصار قليلاً؟
= لم أكن أنصارياً أو حزب أمة، بالعكس في الوسطى والثانوي كنت أميل للأحزاب الاتحادية ولمؤتمر الخريجين لموقفهما الرافض للجمعية التشريعية وللمجلس الاستشاري، فقد كان موقفها المناهض للإنجليز موقفاً واضحاً.
* ............؟
= كنت في المدرسة ضعيفاً في مادة الرياضيات، الأمر الذي دفعني للاهتمام بالمواد الأدبية، كما أنني كنت مصاباً "بالأزمة الصدرية".. لذا لم يكن لي نشاط رياضي، وكنت أعوض ذلك بالميل لأنشطة الجمعية الأدبية، وكنت ميالاً أكثر للمسرح وفي حلفا الوسطى كنت مسؤولاً عن جمعية التمثيل والمسرح، وشاركت في كثير من المسرحيات، مثل مسرحيات خالد ابو الروس وشكسبير وجرجي زيدان، وكان جمهور كبير من حلفا يأتي لمشاهدة تلك الأعمال المسرحية.
* هل كنت ممثلاً بارعاً؟
= لم أكن بارعاً الى ذلك الحد، ولكنني في مرة قمت بدور قيس في مسرحية (مجنون ليلى)، وقمت بدور جورج في تاجر البندقية، وكنت كثيراً ما ألقي شعر الحاردلو. كان ذلك يسعد صديقي أبو سليم، وكنت في أكثر من مرة أمين المكتبة بحلفا الوسطى.
* بمناسبة قيس بن الملوح.. هل أنت رومانسي أم واقعي؟
= في نشأتي كنت رومانسياً بحكم قراءتي.. في حلفا الوسطى أنا والمرحوم ابو سليم قرأنا كل الكتب التي كانت بمكتبة المدرسة.
* .........؟
= فى حلفا الوسطى أول مرة أشارك في مظاهرة ضد الاستعمار كان ذلك عام 1946 دعماً لتوجهات مؤتمر الخريجين ودعماً لوفد السودان، كانت الوفود السودانية تأتي عبر حلفا في طريقها لمصر.
* هل كنت تشارك كثيراً في المظاهرات؟
= أول مظاهرة كانت بحلفا، ومنذ ذلك الوقت شاركت في أغلب مظاهرات الخرطوم وقدمت للمحاكمة ثلاث مرات.
* ........؟
= استفدت جداً من التعرف على مجتمع حلفا فهو مجتمع غني بالمعارف، وحلفا كمدينة على النيل كانت جميلة جداً، منظمة ومخططة، تعرفت على سكانها الأصليين من دبروسة الى حلفا دغيم، مدرسة حلفا الوسطى كان بها كل أبناء الشمال.
* في حلفا لم تحدث لك ملامسة مع الفكر الاشتراكي؟
=كنا نطالع بعض الصحف اليسارية القادمة من مصر، ونسمع عن اعتقال الطلاب الشيوعيين هنالك، ولكن لم يترك ذلك فينا أثراً مباشراًً، كانت اهتماماتنا في اتجاه مؤتمر الخريجين، بحلفا كان معي بالمدرسة الراحل ابو سليم والبروفيسور حسين السيد عثمان استاذ بكلية الزراعة ومحمد صالح ابراهيم والمرحوم صالح عباس فقيري وعبد الواحد عثمان محجوب كنا أربعين طالباً بالفصل، وكنت وحدي من وسط السودان.
* .....؟
= مما أسهم في تشكيل شخصيتي بحلفا الوسطى، الأسلوب التربوي الذى كان يتبعه الناظر شيخ الخليفة الطيب وضابط المدرسة المرحوم محمد توفيق والأستاذ عبد العزيز حسن علي والأستاذ علي صالح داؤود والمرحوم المعلم عبد الرحيم الأمين وهو كان حزب أمة وعمل بالصحف الاستقلالية وقد أسهم في تحفيظنا كل القصائد الوطنية (أناشيد المؤتمر وأناشيد التني وعلي نور)، كما أن عمي محمد علي نقد الذي كنت أقيم معه في المنزل كان في لجنة مؤتمر الخريجين بحلفا، وكانت الاجتماعات تتم بمنزله، كان ذلك أول دخول لي لأجواء العمل السياسي.
* كيف كان دخول حنتوب الثانوية؟
= كانت مفاجأة غير متوقعة... فقد امتحنت من الوسطى للثانوي من حلفا وتوقعت أن يتم توزيعي الى مدرسة وادي سيدنا، وعندما اطلعت على جدول المقبولين بوادي سيدنا لم أجد اسمي، فاعتقدت أنني لم أقبل لدراسة الثانوي، وكنت حزيناً جداً لذلك، وبعد خمسة عشر يوماً من ظهور النتائج التقيت في الخرطوم بعدد من أبناء دفعتي الذين أخبروني بأنني الوحيد من حلفا الوسطى الذي تم قبوله بحنتوب، اتصلت بمصلحة المعارف وقلت لهم (أنا قدمت وادي سيدنا وتم توزيعي بحنتوب)..قالوا لي هذا الأمر يعالج من حنتوب.. إذاً كان علي الذهاب الى هنالك ومحاولة الانتقال الى وادي سيدنا للالتحاق بزملائي الذين كانوا معي بمدرسة حلفا الوسطى، فقد كان أبناء النيل الأبيض يتم توزيعهم بمدرسة حنتوب، وقد كانت المعلومة المودعة بمدرسة حلفا أنني من القطينة، لم أكن سعيداً بالدراسة بحنتوب ومن أول يوم ذهبت الى نائب الناظر المرحوم احمد محمد صالح قلت له: (أنا أرغب فى الانتقال لوادي سيدنا) رد علي بالقول: ( ذلك أمر غير مسموح به إلا إذا كان هنالك طالب بوادي سيدنا من نفس دفعتك له الرغبة في الانتقال لحنتوب).. لا أزال أذكر تلك الأيام، السنة الأولى بحنتوب كانت مملة بالنسبة لي ولكن في السنة الثانية أصبحت أبدو منسجماً مع الأجواء هنالك.
* صداقاتك الأولى بحنتوب؟
= جعفر نميري والخير ساتي والمرحوم برير الأنصاري، عمر كرار وطه صالح.
* نميري كان صديقاً شخصياً بالنسبة لك؟
= قالها بحماس: جداً..!
نميري كان صديق كل المدرسة، فقد كان يتمتع بشخصية محبوبة (تصدق.. نميري ما حصل شاكل زول في المدرسة، كان في غاية التهذيب والوداعة كان محبوباً جداً).
* هذا غريب... الصورة المنقولة عنه أنه كان شرساً ومشاكساً؟
= هذا غير صحيح.. (نحنا كنا في داخلية واحدة، كان ودوداً ومهذباً بالعكس كان دائماً مبتسماً وضاحكاً، كان الرياضي الأول في المدرسة).
* هل صحيح كان متأخراً أكاديمياً ؟
= (موش بالدرجة البقولوها، الراجل عندو قدرات، قلت لك إنو كان الرياضي الأول في المدرسة بلا منازع).
* سنعود لنميري مرة أخرى.. حدثنا عن بداية اهتمامك بالعمل السياسي بحنتوب؟
= في سنتي الثانية كان إضراب الجمعية التشريعية، شاركنا فى المظاهرات، في ذلك الوقت كانت لنا لقاءات بالطلاب السودانيين الذين كانوا يدرسون بمصر عندما يعودون للسودان لقضاء الإجازات، كانت آفاقنا تتسع بأحاديثهم عن الإقطاع في مصر وعن الاستعمار البريطاني، هؤلاء هم الذين انتقلوا بنا من الاهتمام بالشؤون المحلية الى الاهتمام بما هو عالمي.
* ما الذى جعلك تتجه يساراً، الاهتمامات أم الأصدقاء؟
= كان بشكل او آخر سأصبح يسارياً، كنا مندفعين لنضال أكبر من الذى كان مطروحاً في الساحة، لذا كان بالنسبة لي من الطبيعي في ذلك الاندفاع أن ألتقي بالأفكار اليسارية في نقطة ما، كنا نطالع في ذلك الوقت الأدب الماركسي من كتب بعض طلاب ودمدني الذين كانوا يدرسون بمصر، أبناء الأبيض بحنتوب كانوا أكثر تقدماً في الوعي السياسي، كنا نطالع صحف اليسار المصري ونحتفي بالشعر اليساري.
* ........؟
= في حركة الطلبة بحنتوب من المؤكد أن الشخصية القيادية الأولى كانت محمد عبد الرحمن شيبون لم ينصبه أحد، لكنه كان هو القائد الطبيعي، كنا نذهب إليه لحل المشاكل التي تواجهنا، كان معه اسماعيل حسن أبو من أبناء الأبيض، وعبد الوهاب سليمان (شقيق أحمد سليمان) وكان يلقب بتلاجة.
* حدثنا قليلاً عن شيبون؟
(كان عليه أن يوقد سجارة وهو يتحدث عن شيبون).
= قال: شيبون رجل ذكي جداً وشاعر مجيد.. لكن كانت تنتابه حالات، فيظل بالداخلية لا يذهب الى فصل الدراسة.
* هل كان يعاني من الاكتئاب؟
= لم أكن أعرف تفسيرها، كنا نستحثه على الذهاب للفصل لأنه كان يمكن أن يفصل من المدرسة، كان يجد تعاطفاً من الأستاذ عبد الحليم علي طه، شيبون كان في مرات يخرج فجأة أثناء الحصة.
* هنالك من يقول إنه من ضحايا الحزب الشيوعي؟
= باستياء واضح=
= قال: هذا غير صحيح..لم يكن إطلاقاً هنالك عداء بينه والحزب، دخلنا سوياً كلية الآداب جامعة الخرطوم وتم فصلنا معاً.
* ماذا مثل انتحاره بالنسبة لك؟
(بدأت نبرات صوته تتغير)
= قال: مثلت لي صدمة وغضب (ليه ينتحر؟..قبل ما يذهب لرفاعة التقيت به في الخرطوم، وجلست معه لفترة طويلة وذهبنا بعد ذلك للسينما, طلبت منه أن يظل بالعاصمة عشان يكتب، ففي فترة اشتغل في الجرائد، وهو صاحب قلم متميز).
* استاذ محمد .. هل الانتحار ظاهرة في الحزب الشيوعي؟
= كل الأحزاب بها انتحارات لكن (حقتنا بتجد ضوء زيادة).. انتحار شيبون لا علاقة له بالحزب الشيوعي (أنصحك تقابل العميد فاروق هلال كل أوراق القضية عندو).
* هل هنالك ضغط نفسي فى الانتماء للحزب؟
= لا أفتكر ذلك (شيبون لم يكن له نشاط في الحزب يمكن أن يمثل ضغطاً نفسياً عليه).
* هل التركيبة النفسية لكادر الحزب تقترب به من خيار الانتحار و....؟
( كأنه يسخر من السؤال..وغير راغب في المضي أكثر).
= قال: (في حالة زي دي ممكن تمشي تسأل طبيب نفساني، انتحار شيبون ما خارج من نمط حياتو).
*.. ليس شيبون وحده هنالك عبد المجيد شكاك وعبد الرحيم ابو ذكرى و..؟
= هذه ليست ظاهرة، كل حالة لها سياقها الظرفي المحدد.
* قد يكون تبني الفكرة في واقع مناقض يمثل ضغطاً نفسياً على الكادر؟
(أطلقها ضحكة لاذعة).
= ثم قال: إنت قايل الأفكار دي بكبوها للعضو بي صبابة زيت؟ كلنا دخلنا للحزب بباب السياسة موش لأننا قرينا رأس المال، دا كلو بجي فيما بعد).!
نواصل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.