أكوبام كسلا يعيد قيد لاعبه السابق عبدالسلام    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الأمر لا يتعلق بالإسلاميين أو الشيوعيين أو غيرهم    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يستقبل رئيس وزراء السودان في الرياض    طلب للحزب الشيوعي على طاولة رئيس اللجنة الأمنية بأمدرمان    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تنفجر غضباً من تحسس النساء لرأسها أثناء إحيائها حفل غنائي: (دي باروكة دا ما شعري)    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    البرهان: لن نضع السلاح حتى نفك حصار الفاشر وزالنجي وبابنوسة    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    يوفنتوس يجبر دورتموند على التعادل    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    عثمان ميرغني يكتب: المفردات «الملتبسة» في السودان    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلسلة حوار وثائقي..قصة حياة نقد.. حكاوي المخابئ وأحاديث العلن

* مع مواراته الثرى، اليوم تنشر (السوداني) سلسلة من الحوارات أجراها الاستاذ ضياء الدين بلال مع سكرتير الحزب الشيوعي محمد ابراهيم نقد فى العام 2005 بصحيفة (الرأي العام) عن قصة حياته الخاصة والسياسية، وهو التوثيق الوحيد الذي تحدث فيه لمدة 12 حلقة عن تفاصيل من تجربته تعرف عليها القراء لأول مرة.
سلسلة حوار وثائقي..قصة حياة
نقد.. حكاوي المخابئ وأحاديث العلن
حوار: ضياء الدين بلال
لي حنين دائم للأجواء الأسرية
كنت طفلاً مشاغباً و(الأزمة) حرمتني من الرياضة.
لم أكن سعيداً بحنتوب وكنت ضعيفاً في الرياضيات.
نميري كان صديقي وهو مهذب ومحبوب جداً
الوقت يمضي والسؤال ينتج مجموعة من الأسئلة، سجارة البينسون تشتعل بين أصابع الأستاذ محمد ابراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي السوداني، والاكتفاء بنصف ملعقة من السكر على الشاي، عندما تتقدم الأسئلة أكثر مما يجب، وتصبح الإجابة ملزمة والهروب معيباً، وصوت جرس الهاتف الثابت في مرات كثيرة يقطع الحوار الذي استمر لأيام متباعدة ومتصلة على امتداد أشهر، فللرجل طريقته الخاصة في السرد والحكي، وجرابه مليء بالأحداث والقصص والأسرار.. مواضيع كثيرة لم يتحدث عنها من قبل، رأينا الدخول عليه من مختلف الأبواب بحثاً عن مادة توثيقية تجتمع عليها الفائدة بالمتعة، لم يخيب الرجل المسعى، جاد بما ضن به من قبل، "الضحك" عند الأستاذ نقد محطات انتقال من موقف لآخر وباقة اعتذار عند ارتفاع درجة حرارة الكلام. و"السخرية" تأتي لتعميق الفكرة بإبراز المفارقة، رحلة الحوار مع الأستاذ محمد ابراهيم نقد تبدأ من مدينة القطينة متنقلة من العام الى الخاص، تجارب مضت وذكريات ساخنة وشخصيات ومواقف جديرة بالتوقف..!
* قلت له : استاذ محمد..كيف تنظر الى الماضي.. بغضب أم بسرور؟
= في هذا العمر أنظر للماضي بحنين، لا لأيام الطفولة والشباب التي عشتها، ولكن لأن الزمن السوداني في ذلك الوقت كان به تميز وبراح لا أجده الآن.
* إذاً ..كيف كانت الطفولة ؟
= طفولة عادية.. (الشيطنة وعدم المسؤولية).. وقتها - أنت كطفل- تحت الرعاية الكاملة لأهلك، وأغلب أخطائك تقابل بالغفران والبقية منها تجد الزجر، والإنجازات الصغيرة تجد احتفاءً كبيراً.
*كأنك كنت طفلاً "مشاغبا"ً؟
= كنت مشاغباً..( لكن ما ممكن تسميني الولد الشباك) الذي يأتي كل يوم لأسرته بمشكلة أو يجر معه الى المنزل مصيبة..مع هذا كنت كثيراً أجد نفسي في حالات زجر، نعم .. فقد كنت كثير اللعب قليل المذاكرة..أغيب من المنزل لساعات طويلة، وإن كنت مواظباً على الانتظام في المدرسة.
* تكوين الأسرة ووضعك من حيث الترتيب؟
= كنت كأقراني بالقطينة في ذلك الوقت أعيش في أسرة ممتدة، ليس هنالك مؤدِّب واحد.. أنت تحت رعاية الجميع تتابعك عيونهم وتصلك أيديهم بالثواب والعقاب، والدي كان واحداً من سبعة إخوان كلهم رجال، في أسرتنا الصغيرة كنا ثلاثة أبناء وست بنات، لكني كنت دائماً بعيداً عنهم، الوسطى قضيتها مع عمي بحلفا والثانوي بحنتوب، قضيت سنتين بجامعة الخرطوم الى أن تم فصلي من الجامعة، فذهبت الى شرق أوربا لأقضي ست سنوات هنالك، ظللت مختفياً لسنوات طويلة في عهد عبود وسنوات مايو والإنقاذ.. هل تصدق أطول فترة قضيتها مع الأسرة هي في هذا المنزل بعد خروجي من الاختفاء الأخير.
*ما تأثير غيابك -أغلب العمر - عن الأجواء الأسرية وعلى شخصيتك ومزاجك؟
= هل تظن أن ذلك خلق جفوة بيني والأجواء الأسرية؟..
لا بالعكس لي حنين دائم لهذه الأجواء، كنت أغيب هذه السنوات وأخرج من الاختفاء، فأجد للأسرة أطفالاً لم أحضر ولاداتهم، وأطفالاً لم أواكب دخولهم مرحلة الشباب، وشباب أتفاجأ بأنهم أصبحوا رجالاً وبنات أصبحن نساء، التعامل مع كل هؤلاء تصحبه كثير من المفاجآت والمفارقات المضحك منها والمحرج.
* "السياسة".. أخذت منك الكثير.. أليس كذلك؟
= طبعاً... أخذت كل الوقت.
* كأن بك ندماً على ذلك؟
= أبداً..أبداً.
لا أظن أنني كنت سأستمتع بمهنة أخرى غير السياسة ، بكل ما فيها من شقاء ومعاناة وعذابات.
*رغم ذلك هي ممتعة بالنسبة لك؟
= جداً.
ما هو الممتع فيها؟
= التحدي..التحدي.
من تجربتك.. التكوين الشخصي والأسري للفرد، ما مدى تأثيرهما على خياراته السياسية؟
= شوف "الخيار" فعل، والفعل في حاجة الى شحنة، والشحنة والفعل لابد لهما من هدف يقصدانه، لحظة الاختيار تحتاج لشجاعة، هنالك من أبناء جيلنا عدد كبير جداً منتمي للسودان وللحركة الوطنية وللحركة الطلابية أو النقابية، لكنهم لم يكونوا يرغبون في التفرغ السياسي.
* هنالك من يرى في التفرغ السياسي ضرراً بالمتفرغ كشخص، وبالسياسة كممارسة؟
= إذا لم يكن هنالك تفرغ لن تكون هنالك أحزاب.. من الاستحالة أن تدير الأحزاب عملها دون متفرغين.
*نترك موضوع التفرغ الآن.. ماذا إذا عدنا الى القطينة، ومحمد ولد ابراهيم نقد في ذلك الزمان يتأمل فى الأمكنة والناس.
= طيب.. القطينة فى ذلك الوقت كانت واحدة من البنادر التي تشكلت منذ التركية كمركز تجاري وإداري عندما كان النيل الأبيض مديرية والمديرية في الدويم، أوائل مدارس البنين والبنات أنشئت في القطينة في نفس مستوى رفاعة وحلفا والأبيض، عدد المتعلمين فيها كان كبيراً جداً مقارنة بالمناطق الأخرى، ولكن في النهاية هي بلد تجار ومزارعين، الموظفون والمعلمون هم أبناء التجار والمزارعين. تجار القطينة كانوا منتشرين على امتداد السودان (اللواري) تذهب الى الغرب والجنوب، ونحن صغار؛ كنا نسمع من رواة التجار عن أماكن لم نرها وعن أشخاص لم نلتق بهم.
* كان من الممكن أن تصبح محمد افندي.. موظفاً حكومياً أو معلماً في واحدة من تلك المدارس، أو تاجراً بنيالا؟
(ضحك ثم قام بتقليب أوراق كانت على التربيزة)
= قال: لكنني اخترت السياسة.
* من من أصدقاء الطفولة في الذاكرة؟
= جزء من طفولتى كانت مع جدي وجدتي حيث كانت لهما زراعة غرب النيل الأبيض، كان ذلك قبل أن يغمر خزان جبل أولياء الأراضي هنالك، فمع انحسار النيل تصبح آلاف الأفدنة قابلة للزراعة حيث يزرع ما يعرف بعيش الصفراء، ذهبت مع عمي محمد علي نقد الى حلفا لأقضي جزءاً من طفولتي. هنالك درست الأولية والوسطى بحلفا.
* أأنت من أسرة أنصارية أم اتحادية؟
= أسرتي أسرة أنصارية..(نحنا دناقلة من حفير مشو هاجرت الأسرة من هنالك الى القطينة، لا يزال لنا أهل هنالك).
* ألم تقترب من الأنصار قليلاً؟
= لم أكن أنصارياً أو حزب أمة، بالعكس في الوسطى والثانوي كنت أميل للأحزاب الاتحادية ولمؤتمر الخريجين لموقفهما الرافض للجمعية التشريعية وللمجلس الاستشاري، فقد كان موقفها المناهض للإنجليز موقفاً واضحاً.
* ............؟
= كنت في المدرسة ضعيفاً في مادة الرياضيات، الأمر الذي دفعني للاهتمام بالمواد الأدبية، كما أنني كنت مصاباً "بالأزمة الصدرية".. لذا لم يكن لي نشاط رياضي، وكنت أعوض ذلك بالميل لأنشطة الجمعية الأدبية، وكنت ميالاً أكثر للمسرح وفي حلفا الوسطى كنت مسؤولاً عن جمعية التمثيل والمسرح، وشاركت في كثير من المسرحيات، مثل مسرحيات خالد ابو الروس وشكسبير وجرجي زيدان، وكان جمهور كبير من حلفا يأتي لمشاهدة تلك الأعمال المسرحية.
* هل كنت ممثلاً بارعاً؟
= لم أكن بارعاً الى ذلك الحد، ولكنني في مرة قمت بدور قيس في مسرحية (مجنون ليلى)، وقمت بدور جورج في تاجر البندقية، وكنت كثيراً ما ألقي شعر الحاردلو. كان ذلك يسعد صديقي أبو سليم، وكنت في أكثر من مرة أمين المكتبة بحلفا الوسطى.
* بمناسبة قيس بن الملوح.. هل أنت رومانسي أم واقعي؟
= في نشأتي كنت رومانسياً بحكم قراءتي.. في حلفا الوسطى أنا والمرحوم ابو سليم قرأنا كل الكتب التي كانت بمكتبة المدرسة.
* .........؟
= فى حلفا الوسطى أول مرة أشارك في مظاهرة ضد الاستعمار كان ذلك عام 1946 دعماً لتوجهات مؤتمر الخريجين ودعماً لوفد السودان، كانت الوفود السودانية تأتي عبر حلفا في طريقها لمصر.
* هل كنت تشارك كثيراً في المظاهرات؟
= أول مظاهرة كانت بحلفا، ومنذ ذلك الوقت شاركت في أغلب مظاهرات الخرطوم وقدمت للمحاكمة ثلاث مرات.
* ........؟
= استفدت جداً من التعرف على مجتمع حلفا فهو مجتمع غني بالمعارف، وحلفا كمدينة على النيل كانت جميلة جداً، منظمة ومخططة، تعرفت على سكانها الأصليين من دبروسة الى حلفا دغيم، مدرسة حلفا الوسطى كان بها كل أبناء الشمال.
* في حلفا لم تحدث لك ملامسة مع الفكر الاشتراكي؟
=كنا نطالع بعض الصحف اليسارية القادمة من مصر، ونسمع عن اعتقال الطلاب الشيوعيين هنالك، ولكن لم يترك ذلك فينا أثراً مباشراًً، كانت اهتماماتنا في اتجاه مؤتمر الخريجين، بحلفا كان معي بالمدرسة الراحل ابو سليم والبروفيسور حسين السيد عثمان استاذ بكلية الزراعة ومحمد صالح ابراهيم والمرحوم صالح عباس فقيري وعبد الواحد عثمان محجوب كنا أربعين طالباً بالفصل، وكنت وحدي من وسط السودان.
* .....؟
= مما أسهم في تشكيل شخصيتي بحلفا الوسطى، الأسلوب التربوي الذى كان يتبعه الناظر شيخ الخليفة الطيب وضابط المدرسة المرحوم محمد توفيق والأستاذ عبد العزيز حسن علي والأستاذ علي صالح داؤود والمرحوم المعلم عبد الرحيم الأمين وهو كان حزب أمة وعمل بالصحف الاستقلالية وقد أسهم في تحفيظنا كل القصائد الوطنية (أناشيد المؤتمر وأناشيد التني وعلي نور)، كما أن عمي محمد علي نقد الذي كنت أقيم معه في المنزل كان في لجنة مؤتمر الخريجين بحلفا، وكانت الاجتماعات تتم بمنزله، كان ذلك أول دخول لي لأجواء العمل السياسي.
* كيف كان دخول حنتوب الثانوية؟
= كانت مفاجأة غير متوقعة... فقد امتحنت من الوسطى للثانوي من حلفا وتوقعت أن يتم توزيعي الى مدرسة وادي سيدنا، وعندما اطلعت على جدول المقبولين بوادي سيدنا لم أجد اسمي، فاعتقدت أنني لم أقبل لدراسة الثانوي، وكنت حزيناً جداً لذلك، وبعد خمسة عشر يوماً من ظهور النتائج التقيت في الخرطوم بعدد من أبناء دفعتي الذين أخبروني بأنني الوحيد من حلفا الوسطى الذي تم قبوله بحنتوب، اتصلت بمصلحة المعارف وقلت لهم (أنا قدمت وادي سيدنا وتم توزيعي بحنتوب)..قالوا لي هذا الأمر يعالج من حنتوب.. إذاً كان علي الذهاب الى هنالك ومحاولة الانتقال الى وادي سيدنا للالتحاق بزملائي الذين كانوا معي بمدرسة حلفا الوسطى، فقد كان أبناء النيل الأبيض يتم توزيعهم بمدرسة حنتوب، وقد كانت المعلومة المودعة بمدرسة حلفا أنني من القطينة، لم أكن سعيداً بالدراسة بحنتوب ومن أول يوم ذهبت الى نائب الناظر المرحوم احمد محمد صالح قلت له: (أنا أرغب فى الانتقال لوادي سيدنا) رد علي بالقول: ( ذلك أمر غير مسموح به إلا إذا كان هنالك طالب بوادي سيدنا من نفس دفعتك له الرغبة في الانتقال لحنتوب).. لا أزال أذكر تلك الأيام، السنة الأولى بحنتوب كانت مملة بالنسبة لي ولكن في السنة الثانية أصبحت أبدو منسجماً مع الأجواء هنالك.
* صداقاتك الأولى بحنتوب؟
= جعفر نميري والخير ساتي والمرحوم برير الأنصاري، عمر كرار وطه صالح.
* نميري كان صديقاً شخصياً بالنسبة لك؟
= قالها بحماس: جداً..!
نميري كان صديق كل المدرسة، فقد كان يتمتع بشخصية محبوبة (تصدق.. نميري ما حصل شاكل زول في المدرسة، كان في غاية التهذيب والوداعة كان محبوباً جداً).
* هذا غريب... الصورة المنقولة عنه أنه كان شرساً ومشاكساً؟
= هذا غير صحيح.. (نحنا كنا في داخلية واحدة، كان ودوداً ومهذباً بالعكس كان دائماً مبتسماً وضاحكاً، كان الرياضي الأول في المدرسة).
* هل صحيح كان متأخراً أكاديمياً ؟
= (موش بالدرجة البقولوها، الراجل عندو قدرات، قلت لك إنو كان الرياضي الأول في المدرسة بلا منازع).
* سنعود لنميري مرة أخرى.. حدثنا عن بداية اهتمامك بالعمل السياسي بحنتوب؟
= في سنتي الثانية كان إضراب الجمعية التشريعية، شاركنا فى المظاهرات، في ذلك الوقت كانت لنا لقاءات بالطلاب السودانيين الذين كانوا يدرسون بمصر عندما يعودون للسودان لقضاء الإجازات، كانت آفاقنا تتسع بأحاديثهم عن الإقطاع في مصر وعن الاستعمار البريطاني، هؤلاء هم الذين انتقلوا بنا من الاهتمام بالشؤون المحلية الى الاهتمام بما هو عالمي.
* ما الذى جعلك تتجه يساراً، الاهتمامات أم الأصدقاء؟
= كان بشكل او آخر سأصبح يسارياً، كنا مندفعين لنضال أكبر من الذى كان مطروحاً في الساحة، لذا كان بالنسبة لي من الطبيعي في ذلك الاندفاع أن ألتقي بالأفكار اليسارية في نقطة ما، كنا نطالع في ذلك الوقت الأدب الماركسي من كتب بعض طلاب ودمدني الذين كانوا يدرسون بمصر، أبناء الأبيض بحنتوب كانوا أكثر تقدماً في الوعي السياسي، كنا نطالع صحف اليسار المصري ونحتفي بالشعر اليساري.
* ........؟
= في حركة الطلبة بحنتوب من المؤكد أن الشخصية القيادية الأولى كانت محمد عبد الرحمن شيبون لم ينصبه أحد، لكنه كان هو القائد الطبيعي، كنا نذهب إليه لحل المشاكل التي تواجهنا، كان معه اسماعيل حسن أبو من أبناء الأبيض، وعبد الوهاب سليمان (شقيق أحمد سليمان) وكان يلقب بتلاجة.
* حدثنا قليلاً عن شيبون؟
(كان عليه أن يوقد سجارة وهو يتحدث عن شيبون).
= قال: شيبون رجل ذكي جداً وشاعر مجيد.. لكن كانت تنتابه حالات، فيظل بالداخلية لا يذهب الى فصل الدراسة.
* هل كان يعاني من الاكتئاب؟
= لم أكن أعرف تفسيرها، كنا نستحثه على الذهاب للفصل لأنه كان يمكن أن يفصل من المدرسة، كان يجد تعاطفاً من الأستاذ عبد الحليم علي طه، شيبون كان في مرات يخرج فجأة أثناء الحصة.
* هنالك من يقول إنه من ضحايا الحزب الشيوعي؟
= باستياء واضح=
= قال: هذا غير صحيح..لم يكن إطلاقاً هنالك عداء بينه والحزب، دخلنا سوياً كلية الآداب جامعة الخرطوم وتم فصلنا معاً.
* ماذا مثل انتحاره بالنسبة لك؟
(بدأت نبرات صوته تتغير)
= قال: مثلت لي صدمة وغضب (ليه ينتحر؟..قبل ما يذهب لرفاعة التقيت به في الخرطوم، وجلست معه لفترة طويلة وذهبنا بعد ذلك للسينما, طلبت منه أن يظل بالعاصمة عشان يكتب، ففي فترة اشتغل في الجرائد، وهو صاحب قلم متميز).
* استاذ محمد .. هل الانتحار ظاهرة في الحزب الشيوعي؟
= كل الأحزاب بها انتحارات لكن (حقتنا بتجد ضوء زيادة).. انتحار شيبون لا علاقة له بالحزب الشيوعي (أنصحك تقابل العميد فاروق هلال كل أوراق القضية عندو).
* هل هنالك ضغط نفسي فى الانتماء للحزب؟
= لا أفتكر ذلك (شيبون لم يكن له نشاط في الحزب يمكن أن يمثل ضغطاً نفسياً عليه).
* هل التركيبة النفسية لكادر الحزب تقترب به من خيار الانتحار و....؟
( كأنه يسخر من السؤال..وغير راغب في المضي أكثر).
= قال: (في حالة زي دي ممكن تمشي تسأل طبيب نفساني، انتحار شيبون ما خارج من نمط حياتو).
*.. ليس شيبون وحده هنالك عبد المجيد شكاك وعبد الرحيم ابو ذكرى و..؟
= هذه ليست ظاهرة، كل حالة لها سياقها الظرفي المحدد.
* قد يكون تبني الفكرة في واقع مناقض يمثل ضغطاً نفسياً على الكادر؟
(أطلقها ضحكة لاذعة).
= ثم قال: إنت قايل الأفكار دي بكبوها للعضو بي صبابة زيت؟ كلنا دخلنا للحزب بباب السياسة موش لأننا قرينا رأس المال، دا كلو بجي فيما بعد).!
نواصل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.