القصة التى أوردتها صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) عن "دافيدكا كليمينت" تصلح بامتياز لتكون مدخلا لتقارير صحفية تحدثت عن أوضاع العائدين لدولة الجنوب بعد اعلان انفصالها، ومدى الاحباط الذي ألم بهم بعد تكسر آمالهم العراض، وتروي الصحيفة الامريكية أن كليمينت التي قطعت رحلة طويلة قبل سنوات لتصل إلى العاصمة جوبا لدى سماعها بأن البلاد قد تستقل وتعمل لصالح سكانها. وتقول الصحيفة إن أحلام كليمينت -التي تعمل بتكسير الصخور وتحويلها إلى حصى بمنطقة روك سيتي التي تعتبر من أفقر أحياء العاصمة جوبا- وكذلك آمال الأخريات بهذا المجال قد تبخرت. وتمضي الصحيفة فى قصتها الخبرية وتضيف تستغرق كليمينت عشرة أيام لإعداد كومة من الحصى بارتفاع قدمين، غير أن المشترين بالقرية قليلون مقابل البائعين، ويصل دخلها اليومي نحو دولار واحد في اليوم.وتقول "ماذا بوسعنا أن نفعل؟ أذهب إلى البيت وأبكي من الألم، ولكنني أضطر للعودة من أجل العمل". معاناة متواصلة فى السياق إنتقدت صحيفة (إثيوبيا رفيو) الأثيوبية أوضاع العائدين لدولة الجنوب وقالت إن الدولة الأحدث في العالم تقدم الضئيل لمئات الآلاف من مواطنيها الذين قدموا عقب عقود من الحرب تحملهم البصات والشاحنات ليبدأوا فصولا جديدة من النضال والحرمان، معتبرة أن اتفاقية الحريات الأربع التي وقعتها حكومتا السودان في وقت سابق من الشهر الحالي تفتح الباب أمام عودة الآلاف من الجنوبيين العالقين بالمناطق الحدودية بين الدولتين خاصة في ظل وجود الكثير من العوائق اللوجستية التي تحول دون وصولهم لمناطقهم الأصلية. وأشار الكاتب ابا دولا لملصق بأحد الشوارع الرئيسية لمدينة واو التي ينتهي عندها خط السكة حديد الذي أوقفته الحرب التي دمرت جزءا كبيرا مما كان يطلق عليه جنوب السودان آنذاك كتبت عليه عبارة "صوت لصالح الإنفصال لتكون مواطنا من الدرجة الأولي بدولتك الجديدة وقل وداعا للقمع والتهميش"- المصير – الذي إختاره الجنوبيون عندما غلبوا خيار الإنفصال بنسبة تفوق ال(98) %، وفي يوليو من العام السابق رفرف علم الدولة الجديدة بالعاصمة جوبا وفي أغسطس من ذات العام وصل القطار في أول رحلة له منذ سنوات محملا بالركاب الذين يتوقون لتذوق ثمار الحرية والسلام، وكان تشارلز جون عامل ميكانيكي في العقد الرابع من عمره أحد أولئك القادمين وبرفقته زوجته وأطفاله الستة يعيش بمستودع بالقرب من محطة القطار حيث إنتهت به رحلة العودة من الخرطوم، وقال جون للصحيفة "أن هذه الثمار لم تنضج بعد حتى يتم قطفها" – الكلمات – التي تعكس شعورا بالإستياء، وبالقرب من المكان الذي تقطنه أسرة جون إستقر نفر قليل في مكان يطلق عليه "الحظيرة" ولكن عند زيارة قامت بها وكالة (إيرينا) منتصف الشهر الحالي وجدت المكان يضج بالناس الذين وفدوا خلال الرحلات الأخرى، وقال جون في حديثه لذات الصحيفة "إنني رجعت لموطني تحدوني الأمنيات بواقع أفضل وفرصة عمل جيدة فضلا عن فرص التعليم لأبنائي ولكن كان ما ينتظرني من واقع مرير فأنا لم أتمكن منذ وصولي من تأمين مسكن لأسرتي فضلا عن أني ما زلت بلا عمل وأنقطع أبنائي عن الدراسة وأسرتي تعاني من الجوع". مغريات العودة وقالت الصحيفة بشأن توطين العائدين أن قطعة الأرض السكنية كانت من ضمن المغريات التي طرحتها حكومة دولة الجنوب لترغيب المواطنين بالعودة لبلادهم ولكن العملية معقدة وتنطوي على الكثير من الإجراءات بين لجنتي الإغاثة وإعادة التأهيل ووزارة الشئون الإجتماعية ووزارة التشييد في غياب سياسة واضحة للتوجيه فالقرار يتخذ في الغالب الأعم عن طريق الإدارة الأهلية، في بعض المناطق طلب من العائدين إثبات علاقتهم التاريخية بالمنطقة قبل تخصيص الاراضي لهم – المستندات – التي تصبح من الصعوبة الحصول عليها لمن غاب عن الأرض أكثر من ثلاثين عاما، وعقب سنوات من الغياب قضاها معظم المواطنين في مناطق حضرية كالخرطوم معظم المناطق التي خصصت في مناطق أقل ما توصف بأنها طرفية تفتقر للخدمات الأساسية مما يزيد العبء على المجتمعات التي تستقبل العائدين، وبحسب وكالة اللاجئين الدولية فإن حكومة دولة الجنوب تتعامل مع عودة الآلاف من الناس والحاجة لدمجهم بأنها خطة على المدى القصير لا تحتاج سوى توفير القليل من الطعام ومأوى لفترة مؤقتة – المعضلة – التي تحول دون دمج العائدين في مجتمعهم الجديد فضلا عن الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، وأشارت الصحيفة لأن تدني مستوى التعليم بين العائدين شكل عقبة جديدة بجانب أن أكثر من (60) % من العائدين تحت سن الثامنة عشرة ومعظم العائدين درسوا بمدارس الخرطوم التي تدرس مقرراتها باللغة العربية فمعظم مستوياتهم باللغة الإنجليزية متدنٍ مما يجعل من الصعوبة الإنخراط بالخدمة المدنية بدولتهم الجديدة، وما بين إستحالة الرجوع للخرطوم وصعوبة العيش بالجنوب يعاني الكثيرون خاصة الأرامل التي ذهبت الحروب بأزواجهن وتركتهن يكابدن تربية الأطفال، وقالت هيلينا أورليو التي قتل زوجها وترك لها عددا من الأطفال تقوم بتربيتهم أن الخرطوم أفضل من الجنوب وأنها لم تعتد بعد على الحياة في الجنوب وكانت قد تلقت بعض المساعدات من برنامج الغذاء العالمي ولكنها قد نفدت مضيفة أنها تحاول الحصول علي المال من بيع الخضروات المجففة ولكن الحصول على غذاء لأطفالها أصبح معضلة. وأضافت الصحيفة أن عدة عوامل ساهمت في معاناة العائدين منها ضعف الحصاد وإرتفاع الأسعار نتيجة إغلاق الحدود مع دولة الشمال بجانب الصراعات المسلحة التي خلفت ما يقارب الخمسة ملايين شخص في حاجة للطعام، لافتة لأن سنوات الحرب حالت دون تنمية الجنوب الذي يفتقر للبنى التحتية من طرق وكباري بالإضافة لعدم مقدرة الحكومة من تلبية حاجة مواطنيها في ظل الخلاف حول تقسيم عائدات النفط وإيقاف إنتاجه الذي تعتمد عليه بنسبة (98)% في ميزانيتها، ومن المتوقع وصول (120) ألفاً من مواطني الجنوب طوعا من الخرطوم خلال الشهور المقبلة ويمكن للهجرة أن تكون أكثر حتى أولئك الذين ولدوا في الخرطوم وفقدوا جنسيتهم بإنفصال الجنوب فأعطوا مهلة حتى الثامن من أبريل المقبل لتسوية أوضاعهم أو المغادرة. ويرى الكاتب دولا أن مخاوف الجنوبيين قد خفت قليلا عندما وقعت الحكومتان خلال الشهر الحالي على إتفاقية الحريات الأربع، لافتا لأن هذه الإتفاقية جعلت الباب مفتوحا أمام أعداد كبيرة من الجنوبيين يصل عددهم ل(10) آلاف شخص يعسكرون بمناطق حدودية مثل مدينة الرنك في الوقت الذي تحول فيه الأمطار والعوائق اللوجستية الأخرى من وصولهم لمواطنهم الأصلية بالجنوب، مضيفة أنه على بعد كيلومترات قليلة من مدينة واو تقع المستوطنة الجديدة التي خصصت للعائدين من قبل السلطات المحلية والتي صارت أفضل من مدن الجنوب بفضل الطرق والمجمعات الصحية وموارد المياه التي تمكنت المنظمات ووكالات الإغاثة من توفيرها.