أماكن سادت...ثم بادت..!!! الخرطوم: فاطمة خوجلي أبو جنزير..حضرت ولم أجدك: ميدان(أبو جنزير)..الذاكرة ما زالت تحفظ لهذا المكان رونقه...بكل تفاصيله الدقيقة..جلسات المثقفاتية على الهواء الطلق يتشاورون ويتدابرون ويتناظرون...ومنهم من يطلقون تصريحاتهم وإعلاناتهم المجانية لدواوينهم وكتبهم...و نستطيع القول إنه (النادي) الأدبي لهم...وكذلك فهو متنفس اجتماعي يلتقي فيه كبار السن والمتقاعدون حتى الشباب..تجدهم يتبادلون (الشمارات) وكذلك (الخبرات) باعتباره يجمع كل الطبقات...ولكن اليوم تغيرت ملامح الميدان باستثناء الجامع الكبير- الذي يعتبر من ابرز المعالم وأعرقها- ومن ثم نجد تحوله إلى موقف مواصلات...وكذلك تنفيذ سياسة الأسواق المتخصصة المتمثلة في (عمارة الذهب)...وبعد ذلك تم نقل مواقف المواصلات وتوزيعها على جاكسون والإستاد..وفي ظل التطور فإن الميدان الآن في عهدة (الواحة) بغية تطبيق مبدأ البطاقات الذكية وتوفير كافة الخدمات بالبرج والمواقف، وليس عصيا على الفهم عندما نقول إن هذا الميدان قد لعب دورا مميزا في تاريخ السودان.فما من مظاهرة أو موكب جماهيرى إلا كانت بدايته من هناك. وآخرها تلك التظاهرة التى قال فيها زعيم الحزب الشيوعي الراحل نقد عبارته الشهيرة: (حضرت ولم اجدكم). ذهبت السكة..وبقي الحديد: (السكة حديد)...ارتبط قيام الكثير من المدن الرئيسية بالسودان بوصول الخط الحديدي إليها وتعتبر مدينة (عطبره) عاصمة السكك الحديدية...كما أن السكة الحديد ظلت هي المورد الرئيسي لإمداد الكثير من المدن والتجمعات السكانية التي تقع على الخط الحديدي بمياه الشرب العذبة وتوصيل الإمداد الكهربائي من مولداتها الضخمة المنتشرة في العديد من المحطات النائية، وتنتشر في كل السكك الحديدية الرئيسية أندية ثقافية ورياضية ليست حكرا على عامليها بل إنها تستوعب كل المقيمين حول هذه المحطات، وتكتسب السكة حديد اهميتها باعتبار أنها ناقل قومي يمتلك طاقات كامنة..واليوم صارت تحتاج إلى اهتمام وتمويل ليعود إليها رونقها الاقتصادي والاجتماعي وتحديداً نود القول إننا بحاجة إلى تأهيل السكة حديد..بعد أن ذهبت السكة وبقي الحديد..! البوستة..لن ننسى أياماً مضت: (البوستة)...ايام من الزمن الجميل...والبريد والبرق والهاتف..تلك الآلات امتلكت أدوات القوة والسيطرة في الزمن الجميل شكلا ومضمونا...ودكان الحلة آنذاك كان بمثابة وكالة الأنباء التي تلتقط الشمارات المحلية والعالمية...وبمجرد أن يرن جرس الهاتف.تجد صاحب الدكان يأمر صبيه قائلا:(أمشي بيت ناس فاطمة قول ليهم محمد ضارب ليكم من السعودية)...وسير فاطمة إلى دكان عم حمزة يستغرق الوقت الطويل... وربما زاد الإحساس بطول وقته الشوق العميق واللهفة لسماع صوت زوج مغترب أو أب يطمئن على أبنائه أو أخ يخبر بموعد جيته، ومن(دكان العم حمزة) إلى عصر البرق الذي يعنى ب(كبانية عم حسن)..ومن ثم إلى ثورة الاتصالات الحديثة (الموبايل والإسكايبي)...ومن (التلغراف) الذي يستغرق أياما وليالي إلى (الفاكس والإيميل) الذي لا يتطلب سوى ثوان معدودات...ويبقى سؤال بحجم الفضاء.ماذا بقي من إمبراطورية (البوستة) اليوم غير الذكريات؟. الأفرنجي...(للبيسين فقط).! (السوق الأفرنجي)...تخصص في جلب البضائع المستوردة..و تميزت بضائعه بالجودة العالية وانفرد كثيراً ببضائع لا توجد في غيره من الأسواق، وذاع صيته وبات مقصدا لأصحاب الدخل العالي، فهم رواد السوق إضافة إلى السائحين، الذين يتوجهون إلى أصحاب المحلات من (الجنسيات) المختلفة من أقباط وهنود إضافة إلى السودانيين، لكن تغيرت ملامح خريطة السودان، وانطوت معها حقبة العصر الذهبي للسوق الأفرنجي، وأصبح مثله مثل غيره من الأسواق التي تشكو الزحام وافتراش الباعة المتجولين والطبليات والأصوات العالية ودرجة نظافة واهتمام متدنيين..لينهار سوق كان يمثل لحاله وطناً مصغراً كلوزيوم..بحث عن جمهور: (سينما كولوزيوم) على شاشتها في سالف الأزمان كانت تعرض أفلام الكاوبوي الأمريكية فيشاهدها المئات في الدورين الأول والثاني ويستمر عرض الفيلم لأسابيع عدة، و(يوم الخميس) هو اليوم المميز في عالم السينما، أما اليوم فقد خفت ضوء السينما والمسارح. وبحسب دكتور فيصل أحمد سعد الشهير ب(كبسور) انه ومع تعدد القنوات الفضائية فإن المشاهد السوداني يميل إلى العربية والعالمية وهذا بالتأكيد كان خصما على الدراما السودانية والتلفزيون السوداني. وإن لم نكن بمستوى هذا التحدي فسينصرف المشاهد كليا وليس جزئيا. ووفقا لسيف الجامعة فإن السقف الزمني للسهر عند السودانيين قد خصم الكثير من تواجد الأسر في مساءات العاصمة، ويتفق الفنان سيف الجامعة مع الكثيرين على أهمية تفعيل دور العرض، اما الفنان المسرحي ربيع طه فيرى أن الأسباب قد تكاملت لضعف السهرات السودانية والسبب المهم هو الحالة الاقتصادية الراهنة التي نعيشها في البلاد ف(20جنيها) لا تكفي لسهرة الفرد فما بالك بأسرة كاملة، فالأولى أن يشتري بها الأب عشاء لأبنائه إضافة لتكرار الأفلام الهندية.وأنا شخصيا أعاني من أزمة أين أسهر هذا المساء؟!