مع محمد ابراهيم نقد... حكاوي المخابئ وأحاديث العلن (8) حوار/ضياء الدين بلال مقدمة : كل شئ بدأ ينهار..الانقلاب الذى جاء في الثالثة ظهراً بدى يتسرب من ايدي منفذيه..الاستاذ نقد كان من صناع احداث تلك الفترة وشاهد على كثير من تفاصيلها..في هذه الحلقة يروى كيف عايش ساعات ولحظات الانهيار ..وكيف بدأت مسيرته الطويلة في الاختفاء والنزول تحت الارض..!َ ===== ü كيف عايشت اللحظات الاخيرة لانقلاب 19يوليو؟ -في اليوم الثالث بعد انتهاء الموكب ذهبت الى منزلنا في بحري «وطوال هذه المدة لم أذهب الى بحري» وأخذت حماماً وغيرت ملابسي - ولم تكن زوجتي موجودة، وكان أخي الصغير معنا لكنه لم يكن موجوداً أيضاً، ثم رجعت الى الخرطوم وجلست في المكان الذي نعمل فيه على اعتبار ان نرى ما يحدث، وفي هذه المدة بدأ ضرب المدفعية.. ü وماذا عن خبر احتجاز بابكر النور وفاروق حمدلله؟ - هذا عرفناه منذ الصباح الباكر.. منذ الموكب. ü طيب أحك لنا تلك اللحظة؟ - إذاعة لندن أذاعت أن ليبيا احتجزت بابكر النور وفاروق حمد الله، وأذكر أنني ذهبت لعبدالخالق في المنزل فقال لي أنه على علم بما حدث ، فقلت له: )الناس يعتقدون أنه لابد ان نعمل خطوة سريعة(. قال لي: أولاً نجتمع لعمل تقييم للموقف لكن العمل يجب الا يتوقف والجماهير يجب ان تستمر في الموكب ولا ينشغلوا بما حدث حتى نحل المسألة). ü هل أحسستم بالخطر؟! - طبعاً.. هذا هجوم.. وهذا يعني انه تمهيد لشيء فأحسسنا بالخطر وبدات الاوضاع تتداعى، وأنا مكثت في الخرطوم الى ان سمعت ان نميري قد هرب وأنه سيقوم باذاعة بيان.. ü أين كنت في ذلك الوقت؟ - في داخل الخرطوم. وما ان رأيت نميري في التلفزيون ادركت تماماً أنه بدأ يمسك السلطة، فاستمررت ماكثاً في بيت معين منذ يوم «19» الى يوم «23» وخرجت يوم «24» بالنهار على أساس ان عبدالخالق كان يوم «22» في أمدرمان وأنا كنت انتظره في المنزل بالخرطوم على أساس ان نتحرك لبيت آخر ولم يأت.. وأحسست ان صاحب المنزل تضايق من وجودي وكنت لا اريد ان يتحمل مسؤولية أنني معه وهو نفسه مهدد ويمكن ان يأتوا لاعتقاله في أي وقت لأن نميري قال لا أحد يخبيء الشيوعيين. فخرجت وذهبت لمنزل آخر وخرجت الصباح. = مقاطعة: هل خرجت متخفياً؟ - لا.. كنت ألبس جلابية وعمامة لكن كان لابد ان اخرج لأعرف أين عبدالخالق الذي كان من المفترض ان يعود من أمدرمان لمقابلة شخص معين يقوده الى بيت معد له... ü انقطعت الصلات التنظيمية بينكم؟ - جماعة نميري حاصروا الكباري وحاصروا كل مكان وكان هناك تفتيش وحظر التجول يبدأ الساعة السابعة فكانت الحركة صعبة وأصبحت القصة في كيفية وصولي الى ام درمان للالتقاء بعبد الخالق.. وفي الطريق الى ام درمان التقاني شخص وقال لي:( قالوا إن عبدالخالق اعتقل ). وبقي امامي الا أرجع الى ذلك المنزل الذى كنت فيه واصبحت اتجول في الخرطوم طوال النهار رغم كل التدابير الامنية لالقاء القبض علينا. ü ألم يقابلك أحد أو لم يعرفك أحد؟ - ربما يكون البعض قد رأوني لكنهم «طنشوا». لكن في الآخر تذكرت أن لدينا زميلا مسافرا وزوجته غير موجودة وأنا أعرف كيف افتح المنزل فذهبت وبقيت هنالك وخرجت في المساء. ü أحك لنا شعورك في تلك اللحظات؟ - هذه تحتاج الى شعر.. «يضحك بشدة».. كنت أحس بالخطر لكن لم اكن مشلول التفكير، والمهم في الآخر خرجت من المنزل الذي كنت فيه وأنا أسير تبقت دقائق على الساعة التاسعة وقت حظر التجول. ü كيف كان طعامك وشرابك في ذلك اليوم؟ - المنزل الذي دخلت فيه كان به بقية طعام في الثلاجة، قليل من الجبنة والرغيف، لكن لم تكن هذه هي المشكلة، لكن عندما خرجت الى الخرطوم ثلاثة وأنا أسير بدأ حظر التجول وكان هناك شخص أعرفه يدخل عربته فناديته «يا فلان» وقلت له: «أنا فلان». فقال لي: «حبابك عشرة». فدخلت معه فقال لي: لسوء حظك أهلي من الجزيرة جاءوا بالداخل وهم يعرفونك. فقلت له: فقط اريد البقاء معكم حتى الساعة الخامسة صباحاً مع نهاية حظر التجول سأخرج. وفعلاً خرجت مبكراً ومشيت الى داخل الخرطوم ونقرت باب شخص. ودخلت ومكثت عنده يوما. - كنت حزيناً على أعدام هاشم والجماعة الآخرين. وفي المساء خرجت لأنه بيت الرجل مفتوح وأصبح لابد ان أذهب الى أمدرمان لأنه هناك لدى إمكانات اكثر للاختفاء وكان لابد ان اصل قبل حظر التجول الى داخل أمدرمان . ü هل ركبت المواصلات بصورة عادية؟ - وصلت الى أمدرمان عن طريق تاكسي لكن وقفت في مكان نادي البوليس القديم وهي محطة غير حية وكنت عندما يأتي أي تاكسي أنظر من الذي بداخله وبعد التاكسي الأول والثاني ،ركبت في التاكسي الثالث وكان فيه «رجل أصفر اللون» يرتدي عمامة وجلابية فركبت معه. ü هل كنت ترتدي عمة وجلابية في ذلك الوقت؟ - نعم. ü هل كانت العمة والجلابية كافية لتغيير ملامحك؟ - الناس كانوا قد تعودوا ان يروني إما أن أكون بلبسة افريقية أو بلبسة وطنية.. فوصلت أمدرمان ومن بانت وأنا أسير أسمع الناس يقولون: (اعتقلوا فلان.. اعدموا فلان). ذهبت الى ابن عمي فقال لي: إننا ننتظرك منذ أول يوم ولا نعرف أين أنت. فقلت له: إنني سأمكث معك لمدة يوم. فقال لي: مرحب بيك البيت مفتوح.. ! صمت لفترة ü قطعت الصمت قائلاً: إذاً أحسست ان الخرطوم ضيقة عليك؟ - «والله ياخي نحس بيها واسعة جداً» «يضحك».. - لكن المشكلة كيف تنتقل من مكان الى آخر حتى تصل البيت المعين.. وهناك بيوت كثيرة مؤتمنة كنا نثق في ذلك تماماً ü هل كان هناك خذلان؟ -( يعني.. أنا بالنسبة لي لم يحدث بشكل مباشرة ). ü هل حدث لبقية القيادات بالحزب؟ - هناك أشخاص ذهب اليهم عبدالخالق فخافوا من ذلك فذهب وتركهم.- حسب حديثه لشقيق خالد الكد - هو لم يكن يريد منهم أكثر من ان يجلس لحظة ليوصيهم لأشخاص وعندما أحس أنهم خافوا ذهب وتركهم. . ü هل كان هناك سيناريو متوقع ومعد في حال فشل الانقلاب كيف سيؤمن الحزب قيادته؟ - احد هذه السيناريوهات ان يعمل عبدالخالق من ذلك البيت الذي جهز له في الخرطوم كان يفترض ان يذهب اليه وهذا البيت يعرفه شخص واحد وكان يعرفه هاشم كذلك. يذهب ويبقى هناك والناس يكونون على صلة مستمرة به. .. كان يفترض ان يعود عبد الخالق للخرطوم من ام درمان.. لكنه لم يعد. ü هل كانت هنالك خيانة في الكشف عن المنزل الذى كان به عبد الخالق؟! - هو عندما ذهب الى أهله في ابو روف وباتت تقترب منه انفاس جماعة نميري، انتقل الى منزل اخر. "الخيانة" جاءت من شخص يعرف البيت لكنه ليس شيوعياً.. واسمه نشر قبل هذا وهو ليس شيوعياً لكنه خاف على أصحاب البيت وهم أهله «وهذه يمكن ان تجدها لدى عبدالقادر الرفاعي وهو يعرف اصحاب البيت». ü وأنت كنت تشعر إذا نميري ألقى القبض عليك هل سيعدمك؟ - كان سيفعل ذلك..فقد كان في حالة هياج كاسح ü ألن يراعي الصداقة القديمة؟ - (افترض انو راعى، هل البقية سيراعون ذلك). *استاذ نقد ما هي أشهر الأكاذيب أو الروايات المختلقة أو الإشاعات المتعلقة بهذه الأحداث وأنت لاحظتها ورصدتها من خلال متابعتك ومعايشتك للأحداث.. وما هو المثير بالنسبة لك؟ - أن عبدالخالق كانت تنتظره عربة مصفحة لتهريبه الى الحدود الشرقية. ü الناس كانوا يعتقدون أن أب شيبة كان أكثر شخصية غامضة في «19» يوليو، باعتبار أنه كان صديق نميري حتى آخر لحظة وسار معه في تنظيمه الجديد وغير ذلك؟ - أب شيبة عضو في الحزب الشيوعي .......(اكمال الاجابة من قبل الاستاذ نقد) üلكنه ذهب مع النميري عندما قام بطرد الضباط الثلاثة؟ - ليس وحده أغلب الضباط الشيوعيين ذهبوا معه. ü بأمر من الحزب؟ - بقرارهم ، وبالمناسبة هذه الأشياء الحزب لا يقرر فيها. هم قرروا مارأوه مناسباً. ü اذاً اب شيبة لم يكن «غواصة» بالنسبة لكم داخل تنظيم احرار مايو التنظيم البديل لتنظيم الضباط الاحرار؟ - لا.. ليس مسألة أنه كان «غواصة» فهو لم يكن وحده في التنظيم الجديد كل الضباط الشيوعيين الذين كانوا في تنظيم الضباط الاحرار وقفوا مع مايو وعندما انقلبت على شعاراتها انقلبوا عليها. ü هو حزب شيوعي سوداني؟ - أنا كل يوم أفاجأ. «يضحك» عزلة مايو - لأنه عندما أزاح خالد الذي كان قائداً عاماً ومأمون وغيرهم لم يتحرك أحد.. ü طوال هذه الفترة هل كان هناك تداعٍ عفوي بأن تتحرك هل كان هناك مركز خارجي أو داخلي نسق لعملية استهدفت «19 يوليو» أم كانت مجرد سوء حظ؟ - أنا قلت لك ان هناك شيئين تقرأهم: «الأشياء الخاصة ب «5» اكتوبر الناس الذين تحركوا بالدبابات « ü أهم العبر.. الأخطاء المتعلقة ب «19 يوليو». العبرة.. التفكير الانقلابي نحن كنا ضده سياسياً لكن عملياً وقعنا فيه. صمت - ثم قال : (شوف.. نحن اشتركنا في انقلاب عبدالرحيم شنان ومحيي الدين في أول مارس وفي 4 مارس واشتركنا في محاولة انقلاب أبوالدهب في مايو 1959م «وناسنا اتحاكموا» واشتركنا في انقلاب علي حامد وقدم محمد محجوب للمحاكمة .وهذه كلها اشتركنا فيها ولم ننكرها، ونحن كنا طرفاً في مايو وعندما حاولت مايو «اللخبطة» انقلبنا عليها لذلك عملنا تقييم ونحن الحزب الوحيد في هذه البلد الذي كتب كل شىء عن انقلاباته..!