زوايا اكبر من أن تحصى يلج عبرها مخرجو الأفلام التسجيلية لمعالجة مواضيعهم وعكس رؤيتهم بشأنها – فهم يتحركون في مساحة واسعة – يلهثون وراء الإنسان وقضاياه – لا يهملون فريقا او فئة وان كانوا يخصون الفقراء والبسطاء بنصيب وافر. تبدو بعض الافلام اشبه برواية حية تقدم نفسها بواقعية سافرة دون رتوش او غموض، فابطالها اقرب ما يكونون لك – ربما تكون حتى انت او جارك او احد اقربائك. التسجيل هنا يعني حضور الشاهد والعين والعاطفة والموقف في مسرح الفعل واي مسرح – قد يكون ساحة حرب وقد يكون تجربة انسانية وقد يكون مأساة جماعة وقد يكون تحديا فرديا او جماعيا. لا حدود لهذا النوع من الافلام – فرسالتها مفتوحة توجد اينما وجد الانسان واينما كانت قضاياه واحلامه ومشاكله ومآسيه. مئة وسبعون فيلما تسجيليا عرضت على مدار اربعة ايام ضمن فعاليات مهرجان الجزيرة للافلام التسجيلية في العاصمة القطرية الدوحة بمشاركة عشرات المخرجين والمؤلفين والصحافيين والنقاد الى جانب الحضور الجماهيري. وزعت الافلام المشاركة الى ثلاثة فئات تنافست للفوز بجائزة الافلام القصيرة والطويلة والمتوسطة اضافة الى جوائز فرعية اخرى منحت للمخرجين المبتدئين وللاسرة والطفل وحقوق الانسان بمشاركة رعاة كثر. اربعة ايام والمرء يتجول في اروقة المهرجان في اعظم فرصة من نوعها للتعرف على اناس من اركان العالم الاربعة بخلفيات ثقافية مختلفة ورؤى مختلفة – جاء كل واحد منهم بصحبة فيلم وخبرة اهلت بعضهم ليكونوا اعضاء في لجنة التحكيم. حضرت الافلام ذات الطابع السياسي بقوة في دورة هذا العام خاصة تلك التي عنت بتناول الربيع العربي والقضية الفلسطينية. واغلبها معالجات او محاولات للاقتراب من تحول تاريخي لا يزال طازجا لم يقل كلمته الاخيرة بعد . كانت الصورة والشهادات المستخلصة من ابطال اهملتهم وكالات الانباء والصحافة المعنية قبل كل شئ بالمصادر والشخصيات الرسمية – ما اجمل ان تقترب من الثورة عبر صناعها الحقيقيين وليس عبر من قفزوا في قطارها في ربع الساعة الاخيرة ليستولوا عليها ويقرروا بشأن مسارها اللاحق. العالم البعيد عنا حضر بتجارب وبشر ما كنا نتخيل وجودهم اصلا او قل لم نكن لنحفل بهم ، فمنطقتنا مليئة بالمشاكل والانشغالات. ما اجمل ان تشارك منظفة مداخن من دولة استونيا البلطيقية التي كانت يوما جزءا من الاتحاد السوفيتي رؤيتها لمهنتها الرجالية بامتياز وما تصادفه في البيوت من بشر ومشاكل ومواقف. او حين يطل عليك مزارع ايراني مسن كفيف يعيش وحيدا في منطقة نائية ومتشعبة التضاريس ليقدم لك درسا في ضرورة مجافاة اليأس والتشبث بالعمل والامل الى اخر لحظة. استأذنكم في استعراض بعض الافلام واعادة قراءتها في سياقها الانساني العام بحثا عن مشتركات تجمعنا بها، فالبشر يتشابهون خاصة اولئك الذين يعانون وطأة الفقر والحروب الاهلية او الذين يرزحون تحت امراض نفسية ضاغطة- نواصل