في صالون الراحل الصحفي المعتق سيد أحمد خليفة كان السؤال المحوري هو، ثم ماذا بعد هجليج؟ وحيث إن هذا السؤال، ليس من السهل الإجابة عنه بطريقة تلقائية أو بمجرد التفكير التقليدي من قبل مجموعة متخصصة أو أفراد أو حتى جماعات حزبية، حاكمة كانت أو معارضة، فإن الذين أموا ذلك المنتدى يوم السبت الماضي بمنزل أستاذنا الراحل سيد أحمد خليفة برعاية أسرته الكريمة وابنه النشط الأستاذ عادل، حاولوا جميعاً لملمة أطراف مختلف الجوانب التي من شأنها الحصول على إجابة محكمة وصحيحة عن السؤال. ولكن فيما يبدو أنهم بالرغم من الجهد الذي بذلوه، والتداول الواسع، ما كان بمقدورهم سوى فتح الباب على مصراعيه، لدراسة الأسباب والدواعي التي أدت لهجوم الحركة الشعبية على هجليج، والوقوف على ما يمكن استيعابه من دروس، كان آخرها ذلك النصر المؤزر الذي احتفى بحلاوته وجماله، جميع أفراد الشعب السوداني، الذين ضربوا صفحاً عن اختلافاتهم الفكرية والحزبية، حيث لا نجد فرقاً في المشاعر بين طفل و امرأة ورجل منتسبون لهذا الشعب بالنظر إلى ما عبروا به من مظاهر في شوارع العاصمة و مختلف عواصمالولايات. ولقد كانت المشاهد التي تشكلت كلوحة بديعة التصوير، صاغتها انفعالات الشعب السوداني، تحكي تلك القيمة العظيمة التي ينفرد بها أهل السودان، وتتقاصر دونها الهمم في محيط هذا العالم المتلاطم بقضاياه، بحيث لا توجد المقارنة في مجال التنافس لإصابة سنام الاعتزاز بالوطنية، فيما لو وضعنا شعب السودان في كفة، وشعوباً أخرى في كفة ثانية، وتلك حقيقة لا تقبل المماحكة عندما نستدعي ما تجسد من مشاعر ومشاهد ظهرت على محيا هذا الشعب في مساء ذلك اليوم المبارك، الذي عبّر فيه الجميع عما يجيش في قلوبهم من فرح وحبور وسرور، شاكرين لله نعمة النصر، وسائلين له أن يرد كيد الأعداء في النحور. والادعاء أن الإجابة عن سؤال: ماذا بعد هجليج هي إجابة يمكن أن يقترحها حزبٌ معارض أو حاكم هو ادعاء يقترب من الخوض في غمار الباطل من أخمص الأقدام إلى أعلى الرؤوس. و العقلاء الذين لم يفت عليهم التأمل في مشهدنا السياسي قبل انتصار هجليج وأثناء اشتعال المعركة لاستردادها، بل قبل ذلك من اتفاقيات ومفاوضات وتدخلات في شأننا، ووساطات جعلتنا نتخذ سياسة المد والجزر منهجاً، هؤلاء العقلاء، عليهم أن يواصلوا السعي بجدية لدراسة ما قبل وما بعد هجليج، وصولاً إلى تصور صحيح يؤدي إلى ما يمكن اتباعه من طرق تحول دون تكرار الحركة الشعبية لمثل ما ارتكبته من جرم يعبر عن أخلاقها التي لم تكن خافية يوماً على مواطن بسيط أو متخذ قرار، غير أن الغفلة هي التي جعلتنا جميعاً، لا نستفيد من الدرس، فكان مصيرنا أن نزدرد نتيجتها بالرغم من كوننا عالمين بطبيعة العدو بحكم تجاربنا معه على مر العقود من السنين. وماذا بعد هجليج؟ سؤالٌ لا يتعامل معه بسياسات فطيرة أو اقتراحات مرتجلة، أو إدارة للبلاد تفتقر إلى سبر الأغوار في صلب القضية والتعرف عل ما يناسبها من حلول دون غض الطرف عن همم ومواصفات الرجال و ما يستعينون به من معدات وآليات وقبل ذلك ينبغي التركيز على الفكرة الصائبة لا التي تخبط خبط العشواء.