من أجل نساء كن حضورا ساعة الفاجعة، رسمن بدمعهن تفاصيل اللحظة إليكن ودي فأنتن مني وأنا منكن أميمة عبد الله وقفت على تلة صغيرة من رمال تراقب سجود الشمس وذهابها، كل الأشياء تذهب، تختفي وينهزم كبرياؤها، وحده الزوال باق، أطلقت بصرها في الغروب البعيد، كانت عاجزة عن التفقد، تشدها الأرض بأغلال الفاجعة، تلفها بقايا ذرات الرماد العالقة في الجو بكثافة، تنفسته بعمق حتى ذاقت طعمه في بدايات حلقها. قبل ساعات فقط لم تكن كما هي الآن ولا المدينة الخضراء الصغيرة، البيوت تفيض بالحياة كانت كذلك هي، على قسوة الحياة كانوا يبتسمون، وعلى قلة ما يملكون من ماشية يخرجون بها بعيدا بحثا عن مراع تهبها الطبيعة لأمثالهم من البشر وعلى فقر المأوى كانوا لا يطلبون له بدلا وعلى ضيق ذات اليد لا ينهبون، والصحراء طبعها النبل والنبيل لا يسرق ولا يُقاتل إن لم يُهَاجم، قناعة قديمة حكيمة هي حاضرة دائما في النفوس بصرها ضائع في الفراغ المكشوف، الأرض أمامها خلاء وخلفها بقايا أم دفوق - قريتها - هنا كانت حياة، البيوت هُدمت، القطاطي حولها الحريق إلى خيط دخان طويل أسود، المدرسة ركام أضحت، الآبار دُفنت وكل من صادف دخولهم قُتل أم دافوق - قريتها - وحدها الصدفة الجغرافية جعلتها كبري كل رصاص طائش ومعبر حروب وهدف انتقام للجماعات المتناحرة دخلوها ضحى ساعة غفلة وغياب، الرجال كانوا مشغولين بحرب أخرى في الجوار، نهبوها ولم يبقوا على شيء، ألجموا صوت الحياة الذي كان، كأنهم كانوا على سباق، دمروا كل ما مروا به سريعا دون أن يكشفوا عن أنفسهم حتى، فيما الانتقام ولمن القصاص ، لقد جردوا أم دافوق – قريتها – الخضراء من ملامح الحياة ، أبقوا على بعض الأرواح فقط ، لمَ ، ألتكون شاهد قبر على دفن قريتها هاوية عميقة موحشة انفتحت تحت قدميها لتلقفها والبقية، لقد فجّروا قلبها بالحريق والأسى، قبل ساعات فقط كان صوت الحياة عميقا بجذوره فيهم وإيمانهم بجمال مدينتهم عامرا والرضى جعلهم لا يتمنون غيرها سكنا ولا يريدون أن يعرفوا اصلا لا أحد يعرف حدود الضياع ولا حدود النفس عندما يغيب عنها العقل ويستولى عليها سراب الدنيا الخادع اللعوب يا الله على مدينتها، دخان بقايا القطاطي يعلو في الفضاء ويرتفع، الهواء ساخن، بالأمس القريب لطفّوه برش الشجر، الآن لا ماء ولا شجر يُرش ، السواد طغى والهباب عم المكان ، من بقى حيا ألجمته الكارثة فصمت ، أعدموا أم دافوق ضحى وشوهوا ملامحها تحت الضوء الفاضح ولحين إشعار قد لا يأتي نحن صامتين. * أم دافوق قرية تقع جنوب دارفور