في الكلية الحربية في خواتيم عام 69 من القرن السابق لم نكن نحتاج لتمارين إحماء من المشرف على فريق كرة القدم بالكلية من المدرب ولاعب الفريق الأهلي السوداني "الفريق القومي" المدرب ود الزبير لأن المعلمين في جناح التربية البدنية كانوا من أكفأ المعلمين على رأسهم الرائد أبو القاسم كشة المنضبط الصارم ذرب اللسان صاحب الحرف الانيق الذي كان يسعى أن نكون أصحاء بدنيا يعاونه المرحوم النقيب عبد المنعم زين العابدين والرقيب خميس الذي ترقى لرتبة الضابط فيما بعد واستشهد في عملية دحر بداية التمرد في بور بعد أن قام بدور بطولي في تلك المعركة.لم يتخلف عن التمارين العميد الركن نور الدين محمد المبارك الرياضي المطبوع الذي كان قائدا للكليه في تلك الفتره والذي عمل رئيسا لنادي الهلال . شهدنا في الميادين الخضراء المقدم قسم الله عبد الله رصاص الملقب ب"برتللو" الذي صار أحد رؤساء الإقليم الجنوبي فيما بعد ويعاونه الرائد محمد حامد الذي طاف بنا جبال كرري وسركاب والفيافي التي صارت فيما بعد حارات سكنية. بعد أن تخرجناحرس العرين الحارس العملاق وحارس مرمي الفريق القومي والمريخ ، عبد العزيز عبدالله كدت أن أفارق المجنونة لولا بضع وفاء لأهلي شندي الذي كان أقطابه أهلي "آل حجو"، ولكننا افترقنا مع العمل في حدود السودان المختلفة شرقه وغربه لكني لم أمانع في حراسة مرمى كلية القادة والأركان نزولا لرغبة الدفعة الذين كان بينهم العقيد كمال علي صالح اللاعب السابق بفريق النيل العاصمي والهلال والمشجع المقدم عبد الرحيم محمد حسين . بعد طيلة السنوات التي مضت أحسست بأن الكرة قد ازدادت وزنا وتباعدت خشبات المرمى ولو جدعت (مرتبة) لسكنت الشباك بكل سهولة. قد يستغرب البعض أني لم أنتمِ لقبيلة الهلال أو المريخ ولكنني أنتمي "بتعصب" "للأنيق" الذي تدلله الصحافة الرياضية بلقب "الأنيق" ويدلله أهله "بالميرغني العظيم" . جاء انتمائى لهذا الفريق لعدة أسباب أولا: نشأت في حي الميرغنية بكسلا الذي يضم مبنى النادي "القديم" بالقرب من السوق الكبير حيث كان بالنسبة لجيلي في صبانا منتدى نمارس فيه لعب تنس الطاولة ونعد الجريدة الحائطية للنادي. ثانيا: لأن والدي عليه رحمة الله كان من أحد المؤسسين وهو الذي اختار اللونين الأبيض والأخضر شعارا للفريق في طفولته وعندما كنت طفلا "أعمل صبي دكان مع جدي ووالدي في سوق الصاغة بكسلا، كان صناعية السوق وجلهم من أهلي أشراف "نقزو" تفرقوا بين الميرغني والتاكا، ولكنني كنت طفلا متعصبا للميرغني العظيم وكانوا يصحبونني معهم لمشاهدة مباريات الفريق ويرصدون انفعالاتي، في طفولتي كنت أصطحب الجمهرة بعد فوز الفريق وهم يحملون الكأس يطوفون به الحي ومنزل آل شاويش الذين كانوا مفتاح النصر وتستقبلنا الأسرة بالحلوى والزغاريد . لعب للميرغني علي شاويش ومحمد شاويش "شنكلى" أما عباس فكان نجما في فريق التاكا جاء بعدهم في فريق الميرغني "مصطفى" الذي انتقل للعب في فريق الهلال والفريق القومي. نواصل طوافنا بالحي ونحن نهتف "الفن.. الفن شاويش الفن.. لم ألعب كرة في مدينة كسلا ولم أعمل إداريا في الفريق إلا بعد تقاعدي حيث ترأست مجلس إداراته في فترة يشهد الجميع بجدواها رغم قصرها ولكني تقدمت باستقالتي من رئاسة النادي بسب الرجرجة والدهماء الذين أتت بهم الطرقات لأبواب النادي العريق ولا يزال البعض يحفظ نص الاستقالة التي وقعت بردا وسلاما "الظرابين" الذين لم يكن لديهم ما يقدمونه للنادي غير قمصان أنيقة وعطور باريسية غالية الثمن ورؤوس خاوية وهم يبحثون عن موقع اجتماعي لم يكونوا مؤهلين له. لا زلت فخورا بانتمائي لهذا "الأنيق" وهو في نظري أكثر من ذلك بكثير. قبل استقالتي من رئاسة مجلس الإدارة أعددت الملعب الخاص بالنادي بأكثر من مائتي قلاب من الحجم الكبير لردم الملعب الذي كان يتحول إلى بحيرة في الخريف وأعددت استراحة للاعبين وتمكنت من تصديق القطعة الواقعة غرب مبني النادي "مسبحا" للنادي وعلقت في سطحه دشا سبقت به أندية القمة وكان سببا لتلك الاستقالة. أردت أن أثبت ثقافة الاستقالة وحقيقة الانتماء وليس فشلا في الإدارة ولكنها كانت رفضا لممارسة السوقة ومن يشايعهم من أعضاء مجلس الإدارة الذين كان جلهم من منتسبي "الطفولة" في العمل الرياضي. هزم الميرغني في أول مبارياته بعد استقالتي وانخرطت الجماهير من الاستاد في مسيرة هادرة يقصدون منزلي وهم يهتفون "عائد.. عائد يا جنرال" كانت قوات الأمن تتابع الأمر منزعجة للجمهرة والهتاف وتبعتهم حتى وصلوا الميدان الذي يقع أمام منزلي وكنت في ذلك الوقت مصنفا معارضا للنظام، قالوا كلمتهم ومضوا، وجاء تقرير الأمن "يبدو أن الأمر كان يتعلق بكرة القدم". كانت أول المهام التي قمت بها بعد ذلك من أجل الأنيق رئاسة بعثة للأبيض، كان أهل الأبيض والمجتمع الرياضي والفني مثالا للحفاوة والكرم ولا أنسى موقف محافظ كوستي الأستاذ هاشم هارون الرياضي المطبوع الذي عمل رئيسا لمجلس إدارة نادي القاش بكسلا، لحقنا للأبيض لحضور المباراة واستقبلنا في طريق العودة محتفيا بأكثر من ستين فردا من اللاعبين والمشجعين واستضافنا في فندق أنيق مع وجبة عشاء فاخرة، خسرنا المباراة أمام مريخ الأبيض بسبب الحكم "درمة" وعدت بمبلغ كبير من المال وثلاثة "خرفان" في سقف البص ومازحني الأصدقاء بأننا كنا نريد ثلاثة نقاط وليس خراف. قبل تقاعدي عملت قائد ثاني للواء الرابع "شرقية فوق" بوحداته عالية التجهيز في مقرها في جبل القيادة منذ فرقة العرب الشرقية، حاولت أندية القمة في القضارف ضمي إليها فتعذرت بأني مفرد الانتماء لا يحتمل الازدواجية فأختارني تجمع الأندية ممثلا لهم في اتحاد الكرة. أول ما فعلته بمساعدة الجميع حفر أرضية الملعب نصف متر وجلب تربة صالحة للزراعة من منطقة التومات وجلبنا النجيل الطبيعي من ود مدني وفنيي الزراعة من كسلا وكانت سواعد المستجدين بالقيادة وحماسهم مفتاحا لإنجاز الملعب شاركهم فتية "المطافئ" ببل جذور النجيلة من خراطيشهم حتى نمت كأفضل ما يكون، افتتح الاستاد بمباراة بين الميرغني والقاش ولكن دائما ما تجابه ما يفسد مزاج العمل في حقل الرياضة وشهدت تلك الفترة إضراب الحكام مما اضطرنا لمصادرة أزيائهم وصافراتهم والاستعانة بحكام من ود مدني حتى "جا رأسهم" وشهدت إضراب فرق الدرجة الثالثة التي رفضت قرار اللعب في الملاعب المرادفة وأصرت على المباريات في الاستاد مما اضطرنا إلى حل الدرجة الثالثة حتى "جا رأسهم" كان منطقنا في ذلك ضرورة تحفيز الدرجة الثالثة للصعود للعب في النجيل الأخضر بعد استقالة رئيس الاتحاد الأخ فيصل مصطفى اضطررت أن أقوم بأعباء الرئاسة بمساعدة السكرتير المخضرم يسن خلف وأعضاء الاتحاد وتجمع الأندية برئاسة الرياضي المطبوع محجوب أحمد موسى، و بعد صدور أمر تقاعدي من القوات المسلحة تقدمت باستقالتي من المنصب ورفضها أعضاء الاتحاد بالإجماع وصرت رئيسا لاتحاد القضارف من "منازلهم" في كسلا وحرصت على التواصل إلى انتهاء الفترة المحدودة للاتحاد، حاولنا تجميع أندية بورتسودانوحلفاالجديدةوكسلاوالقضارف في شركة لتوفير المعدات الرياضية في الاتحادات الأربعة وهزمت البروقراطية والروتين تلك الفكرة الرائدة وأصابتني بالإحباط ومعي السادة إبراهيم عبده رئيس اتحاد بورتسودان وأحمد عبد اللطيف رئيس اتحاد حلفاالجديدة وهما صحبا الفكرة والمرحوم حسن الماحي رئيس اتحاد كسلا.. أتحفظ بأسباب الفشل من البعض ولكنه قدر الكرة في السودان يهدرون المال في استجلاب اللاعبين من كنبات الاحتياط الإفريقية وفي لاعبين غير مؤهلين لتمثيل فرق أحيائهم ناهيك عن الفرق القومية التي فارقت البطولات. استضفنا سيكافا في كسلا لنقدم لجمهورها الوفي والعاشق للكرة وكانت مساندته لفريق الشباب لاهبة وطلبوا أداء مباراتهم مع نيجيريا في كسلا بعد انتصارهم في الجزائر. لم أعد أحفل بكرة القدم ولا صفحاتها في الصحف السياسية والمتخصصة ولا أتابعها في التلفاز، بعد أن صرت تائها بين الذئاب والتماسيح والأفيال والأسود والنسور والأسماء التي أطلقوها على السلاحف و" القعونج " وحمدت الله كثيرا أني قد تعافيت، إلا من باقي ود "للأنيق".